رغم التداعيات الكارثية لإدارة حكومته لأزمة كورونا، يبدو أن خطة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للتبرؤ من أخطائه في معالجة الجائحة مرشحة للنجاح مع اقتراب الجولة التالية من انتخابات الولايات الهندية الحاسمة.
فمن بين سكان الهند البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، من الصعب الآن أن نجد شخصاً ليس على دراية تامة بتفاصيل وجه رئيس الوزراء ناريندرا مودي. فقد عاد وجهه مرة أخرى للظهور في كل مكان: إعلانات الصحف، واللوحات الإعلانية، والبث المباشر على الشبكات الاجتماعية، وظهر شاحنات البلدية، وحتى شهادات اللقاح، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Affairs الأمريكية.
في شهر مايو/أيار، وسط الموجة الثانية القاتلة من فيروس كورونا المستجد، أظهر استطلاعا رأي على الصعيد الوطني أنَّ شعبية مودي آخذة في التلاشي: فقد أظهر أحدهما انخفاض شعبيته بمقدار 22 نقطة في أبريل/نيسان، وأفاد الآخر بأنَّ عدد المستجيبين الـ"راضون جداً" عن أدائه تراجع من 65% في منتصف عام 2020 إلى 37%. ويمثل التراجع في الرضا العام انتكاسة نادرة على المستوى الوطني منذ وصل مودي إلى السلطة لأول مرة في عام 2014. لكن بمجرد أن بدأ وباء "كوفيد-19" في التراجع، عاد مودي مرة أخرى إلى المسرح الوطني. كانت نظرته حزينة بلا ريب: لحية طويلة وحواجب مجعدة ودوائر تحت عينيه.
وفي 21 مايو/أيار، ألقى خطاباً مصوراً للأمة يقدم التعازي في الوفيات والدمار في الأسابيع السابقة. ومع ذلك، لم يتحمَّل هو ولا حكومته المسؤولية عن سوء إدارتهما القاسية للوباء.
والآن بعد عودة مودي الأكيدة إلى الساحة، فإنَّ السؤال المطروح هو ما الذي يعنيه اختفاؤه، ثم عودة ظهوره الآن، لسياسة الهند ومستقبلها؟. والأهم من ذلك، إذا نجحت استراتيجية مودي الإعلامية، فهل يعني ذلك أنه يمكنه تكرار هذه الدورة لعدة سنوات أخرى قادمة؟
أتباعه يرسمون له هالة مقدسة
لا يُسمَح لأي شخص آخر بالتعدي على هالته؛ ليس المنتفعين الشاكرين من المخططات الاجتماعية لحكومته، الذين تقل صورهم في الإعلانات الترويجية، ولا رؤساء الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا بزعامة مودي، الذي تُنسَب إنجازاته حتى أصغرها إلى رؤية رئيس الوزراء، ولا حتى بعض زملائه المقربين في الحكومة الوطنية، الذين حل وجهه محل وجوههم على ملصقات تعلن ظهورهم الرسمي، وفقاً للمجلة الأمريكية.
ومع تحول التركيز السياسي نحو الجولة التالية من انتخابات الولايات الحاسمة، عاد مودي إلى الانخراط في شكل أذكى، وعلى استعداد ليأخذ مكانه المعتاد على الصفحات الأولى في الصحف واللوحات الإعلانية في البلاد. ومنذ ذلك الحين، ظهر وجهه في كل مكان، بما في ذلك الأماكن التي من الواضح أنه ليس موجوداً فيها.
في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، وضعت حكومة ولاية آسام التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا لوحات إعلانية تعلن عن افتتاح جناح علاج السرطان من قبل نائب رئيس الهند، فينكاياه نايدو، لكن الوجه الذي كان يلوح في الأفق تحت اسمه لم يكن وجهه بل مودي. وليست هذه هي المرة الأولى التي يروج فيها حزب بهاراتيا جاناتا العلامة التجارية الشخصية لمودي. ومع ذلك، فإنَّ الرسالة ليست هي نفسها هذه المرة؛ إذ تهدف الحملة الخاطفة المستمرة إلى فصل مودي عن خطئه السياسي الأكبر، وهو خذلان الناخبين الذين وقفوا معه بغض النظر عن مدى تأثير سنواته في السلطة على حياتهم.
رئيس الوزراء الهندي يسعى لإصلاح الضرر الذي سببته الجائحة
ويهدف مودي الآن إلى تصحيح الضرر السياسي الذي أحدثته كارثة فيروس كورونا- لكنه يرفض في الوقت نفسه تحمل مسؤولية ذلك- من خلال الترويج لقلبه الكبير. أعيدت تسمية مخططات الضمان الاجتماعي باسمه، وتفيد عناوين الصحف بأنه (وليس الحكومة المركزية أو حكومة الولاية) الذي يمنح الأموال للمحتاجين.
وتُطلَق حملات دعاية خاصة لنسب المزيد من الفضل له في إنقاذ الناس. وفي سبتمبر/أيلول، أطلق حزب "بهاراتيا جاناتا" مبادرة لمدة 20 يوماً للاحتفال بمرور 20 عاماً على مشاركة مودي في الحياة العامة. ووُزِع على الفقراء ما يصل إلى 140 مليون كيس بقالة مجاني مطبوع عليها وجه رئيس الوزراء، وأرسل إليه 50 مليون عامل في الحزب بطاقات بريدية تشكره على خدمته المتفانية للأمة.
تلفيق لحملات التطعيم
بيد أنَّ خدع العلاقات العامة هذه أدت في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية. في عيد ميلاد مودي في 17 سبتمبر/أيلول، تعهد حزب بهاراتيا جاناتا بتسجيل رقم قياسي من خلال تطعيم أكثر من 20 مليون شخص- وكانت أرقام التطعيم اليومية في الهند تزيد قليلاً عن 3 ملايين في ذلك الوقت.
وافتُتِحت الآلاف من مراكز التطعيم الجديدة في الولايات التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، وجُنِّد عشرات الآلاف من العاملين الصحيين الإضافيين لتحقيق الهدف. وبحلول ذلك المساء، ورد أنَّ 25 مليون شخص قد تلقوا جرعات، وفي اليوم التالي، دعا مودي "كل هندي" ليفخر بتلك الأرقام القياسية.
لكن هذه الأرقام كانت ملفقة، أو على الأقل جزء منها. ففي ولاية بيهار، التي تغلبت على جميع الولايات الأخرى بأكثر من 3 ملايين لقاح، زعم مسؤولو الصحة في وقت لاحق أنهم طُلِب منهم عدم تحميل بيانات التطعيم لليومين السابقين لعيد ميلاد رئيس الوزراء حتى يمكن إضافة هذه الأرقام إلى مجموع اللقاحات.
وحتى الآن، لم يحصل على التطعيم الكامل سوى نحو ثلث البالغين الهنود المؤهلين، ولا تزال تشكل موجة "كوفيد-19" التالية مصدر قلق متزايد. هذه ليست سوى واحدة من المشكلات الحالية التي تواجه حزب بهاراتيا جاناتا.
فمنذ اندلاع الوباء، فَقَد 15 مليون شخص وظائفهم، وانزلق 75 مليوناً إلى هوة الفقر. ومع ذلك، نظراً لأنَّ "كوفيد-19" يظل تحت السيطرة، فإنَّ بعض المؤشرات الاقتصادية آخذة في الصعود، بما في ذلك سوق الأوراق المالية والصادرات وأرباح الشركات.
وأفاد البنك المركزي الهندي بأنَّ الناس أقل تشاؤماً بشأن الاقتصاد، ويتوقع وزير المالية نمواً يقترب من رقمين. لكن الخبراء قلقون من أنَّ الخسائر الاقتصادية طويلة الأجل التي تكبّدتها الهند، والتي تراكمت على مدى سنوات من الإجراءات السياسية المشكوك فيها لحكومة مودي، ستُبقِي مستويات الدخل منخفضة.
في غضون ذلك، أربك احتجاج واسع النطاق للمزارعين ضد الإصلاحات الزراعية لحكومة مودي مجلس الوزراء لأكثر من 10 أشهر حتى الآن. وفي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، قيل إنّ موكب سيارات الدفع الرباعي لنجل وزير من حزب بهاراتيا جاناتا قتل أربعة مزارعين محتجين في ولاية أوتار براديش، حيث يتعين على الحزب خوض انتخابات مهمة تهدف إلى إثبات قوته السياسية.
كما أن إحدى الوسائل لنيل الشعبية هي تحريض الهندوس ضد المسلمين، فلقد حشد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وحزبه الحاكم "بهاراتيا جاناتا" قاعدتهما القومية الهندوسية جزئياً من خلال الدفع بمبادرات تضع أكثر من 200 مليون مسلم بالبلاد في وضع غير مواتٍ.
التحريض على المسلمين أحد أساليبه
تقوم سياسة مودي على لفت انتباه الهنود بعيداً عن مشاكل الهند الحقيقية مثل الفقر والتنمية إلى إضرام العداء بين الهندوس والمسلمين، وجعل المسلمين بمثابة عدو للهند.
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي الهندية اليوم بمقاطع فيديو نصبوا أنفسهم حماة للهندوسية يطالبون بإعدام المسلمين دون محاكمة، وهو عمل شائع لدرجة أنه لم يعد يصنع أخباراً بعد الآن.
إذا فاز حزب بهاراتيا جاناتا في تلك الانتخابات، فمن المرجح أنَّ اسم مودي سيتجدد. إذ إنَّ الجمع بين جاذبيته القومية الهندوسية والنوايا الحسنة المزعومة التي تولدها خطط الرعاية الاجتماعية لحكومته يضعه فوق أي زعيم آخر على المستوى الوطني.
وإذا خسر حزب بهاراتيا جاناتا انتخابات الولاية، فإنَّ مودي سيبذل قصارى جهده لإبعاد نفسه عن الخسارة. وقد يتلاشى وجهه مرة أخرى عن الأنظار- على الأقل لبعض الوقت- لكنه قد يعود بعد ذلك؛ فهو يعرف كيف يناور.