ثمة شيء مختلف في اجتماعات اللجنة الدستورية السورية التي تعقد هذه الأيام بين النظام والمعارضة السورية في جنيف، عن الاجتماعات السابقة العديدة التي مُنيت بالفشل.
فقد انطلقت أمس الإثنين، أعمال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف، تحت إشراف الأمم المتحدة، وستكون هذه المحادثات الجولة السادسة في عامين للجنة الدستورية السورية، والأولى منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
واتخذ قرار تشكيل اللجنة الدستورية ضمن مخرجات مؤتمر الحوار السوري، الذي انعقد في سوتشي الروسية خلال 30 و31 يناير/كانون الثاني 2018، وبرعاية الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، ولكن الجولات الخمس السابقة لم تفضِ إلى نتيجة تذكر، بحسب تقرير غير بيدرسون مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا أمام مجلس الأمن الدولي نهاية سبتمبر/ أيلول.
أول لقاء مباشر كان جاداً وصريحاً
ولكن بيدرسن وصف الاجتماع المباشر الأول بين الرئيسين المشاركين في اللجنة الدستورية السورية بالجاد والصريح.
وكان رئيسا وفدي النظام السوري والمعارضة قد عقدا لقاء الأحد، بحضور بيدرسن الذي عقب بأنه "للمرة الأولى، اجتمعت مع رئيسي (الوفدين) الحكومي والمعارض لإجراء محادثات أساسية صريحة حول كيفية تحركنا من أجل (تحقيق) الإصلاح الدستوري".
وقال المبعوث الأممي إن اللجنة الدستورية السورية، التي تضم الحكومة والمعارضة، وافقت على بدء عملية صياغة دستور جديد في البلاد.
وتتألف لجنة صياغة الدستور من 45 عضواً، 15 يمثلون النظام و15 يمثلون المعارضة و15 من منظمات المجتمع المدني، ولديها تفويض لوضع قانون أساسي جديد يؤدي إلى انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وبدأت هذه المفاوضات قبل عامين.
وهذه اللجنة مكلفة بهذه المهمة من قبل اللجنة الدستورية الموسعة بصياغة الدستور، وتم تأسيس الأخيرة عام 2019، وتتكون من 150 عضواً بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني.
وفي يناير/كانون الثاني، قال بيدرسن، الدبلوماسي النرويجي المخضرم، إن ممثلي الأسد رفضوا مقترحات المعارضة السورية وكذلك أفكار المبعوث الخاص لدفع العملية الدستورية إلى الأمام.
وأضاف الأحد: "منذ ذلك الحين، أي منذ قرابة التسعة أشهر، وأنا أتفاوض بين الطرفين في مسعى لتحقيق توافق في الآراء بخصوص كيفية المضي قدماً. ويسعدني أن أقول إننا توصلنا لمثل هذا التوافق"، حيث أكد أن رئيسي الوفدين "متوافقان على بدء عملية بلورة إصلاح دستوري في سوريا".
اللجنة الدستورية السورية.. تاريخ مخيب للآمال
بعد أكثر من عام ونصف من المشاورات، أعلن أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 23 سبتمبر/أيلول 2019، تشكيل اللجنة الدستورية، ضمن الجهود لإنهاء الحرب السورية الممتدة منذ 2011.
وعقب ذلك عُقدت في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019 أعمال الهيئة الموسعة للجنة الدستورية المكونة من 150 عضواً بالتساوي بين 3 أطراف هي النظام والمعارضة وممثلي منظمات المجتمع المدني.
وسمّت المعارضة هادي البحرة، رئيساً مشاركاً للجنة الدستورية عن المعارضة، فيما سمى النظام أحمد الكزبري، رئيساً مشاركاً من طرفه.
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عقدت لجنة الصياغة أول اجتماعاتها بجنيف، من أجل تحديد جدول الأعمال، حيث شهدت الاجتماعات خلافات وخرقاً لمدونة السلوك الناظمة للاجتماعات.
وكانت آخر جولة هي الجولة الخامسة للجنة الدستورية في 25 يناير/كانون الثاني الماضي، واستمرت خمسة أيام، ووصفها المبعوث الأممي، بأنها "مخيبة للآمال".
وأشار إلى الموقف المتعنت لوفد النظام قائلاً: "أبلغت أعضاء هيئة صياغة الدستور (المصغرة) المكونة من 45 عضواً أنه لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو".
وأضاف أن وفد المعارضة أكمل صياغة المبادئ العشرة الأساسية في الفصل الأول من الدستور وعرضه، إلا أن وفد النظام لم يقبل المقترحات، وأن رئيس وفد المعارضة، هادي البحرة قبل المقترحات، إلا أن رئيس وفد النظام أحمد الكزبري رفضها.
ما الجديد هذه المرة؟
يقول دبلوماسيون غربيون إن روسيا دفعت دمشق في الأسابيع الأخيرة لإبداء مرونة في المحادثات، وقد زار بيدرسن موسكو مرتين في الشهور الأخيرة.
وأعرب دبلوماسيون في موسكو عن ارتياحهم لانطلاق جولة المفاوضات، ورأوا فيها فرصة لدفع التسوية السورية. وأشار المستشار رامي الشاعر، المقرب من وزارة الخارجية الروسية، إلى أهمية التحركات التي أجراها بيدرسن تمهيداً للجولة، وقال الشاعر لصحيفة الشرق الأوسط السعودية إن "لقاءات المبعوث الدولي التي شملت اتصالات مع الحكومة المصرية وجامعة الدول العربية، فضلاً عن الأطراف المنخرطة بشكل مباشر في الأزمة السورية، مهدت بشكل جيد لهذه الجولة"، لكنه لفت في المقابل إلى مخاوف من محاولات لتبديد الأجواء الإيجابية، ومحاولة صرف الأنظار عنها، مشيراً في هذا الشأن إلى إعلان السفارة الإسرائيلية لدى موسكو عن اتفاق لعقد اجتماع لرؤساء مجالس الأمن في روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة.
ورحب كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي، ببدء الجولة السادسة من محادثات اللجنة الدستورية السورية بين الحكومة والمعارضة في جنيف.
وقال بيدرسن اليوم: "اللجنة السورية المشتركة للدستور تمثل مساهمة مهمة في العملية السياسية لكن اللجنة في حد ذاتها لن تكون قادرة على حل الأزمة السياسية".
وقال هادي البحرة، الرئيس المشارك للجنة الدستور السورية، إن وفد المعارضة يسعى لإصلاحات من بينها الحقوق المتساوية لكل المواطنين السوريين.
وأضاف في إفادة صحافية منفصلة، مساء الأحد، أن عدم وجود فصل واضح بين السلطات في الدستور الحالي أدى لعدم توازن جرى استغلاله بشكل خاطئ.
وقال إن كل طرف سيطرح نصوصاً وصياغات مقترحة بشأن قضايا تشمل السيادة وحكم القانون. ولم يُدلِ وفد الحكومة السورية للمحادثات بتصريحات لوسائل الإعلام.
من جانبه، قال أحمد رمضان، عضو الائتلاف السوري، إننا أمام نصف خطوة استطاع بيدرسون أن يخطوها فيما يخص اللجنة الدستورية بعد 10 أشهر من آخر انعقاد للجولة الخامسة لهذه اللجنة.
وأضاف في حديثه لقناة الغد، أن الآمال لا تبدو كبيرة في تحقيق اختراق، رغم انصياع النظام لمسألة القواعد الإجرائية والاتفاق على مجموعة من النقاط التي طرحها بيدرسون بضغط روسي.
وتسببت الحرب المستمرة منذ عشر سنوات، والتي اندلعت بعد احتجاجات على حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد، في أكبر أزمة لاجئين في العالم. وتستضيف الدول المجاورة لسوريا 5.6 مليون لاجئ، بينما تستضيف الدول الأوروبية أكثر من مليون سوري.
واستعاد الأسد، بدعم من حليفته روسيا، معظم أراضي البلاد، لكن بعض المناطق الهامة ما زالت خارج نطاق سيطرته. وتنتشر القوات التركية في معظم الشمال والشمال الغربي، كما تتمركز قوات أمريكية في مناطق الشرق والشمال الشرقي، حيث يسيطر الأكراد.
وينص القرار الأممي الذي تستند إليه هذه المفاوضات على تشكيل حكم انتقالي في سوريا، وكتابة دستور يسبق إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو ما قسم المفاوضات السورية إلى 4 فروع، هي الحكم، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
تفاؤل حذر من قبل المعارضة السورية
وقال عضو اللجنة الدستورية السورية عن المعارضة طارق الكردي، إن اللجنة انطلقت في مهمتها الحقيقية، إذ تناقش صياغات مبادئ دستورية مقدمة من الأطراف الثلاثة للوصول إلى مشتركات فيما بينها.
وتحدث عن سير عملية صياغة الدستور مستقبلًا بالقول: "تم قبول المنهجية التي طرحها بيدرسون من كل الفرقاء السياسيين، ولكن نحن متفائلون بشكل حذر من أداء الطرف الآخر (النظام)".
الكردي تحدث لوكالة "الأناضول" عن مجريات اليوم الأول من الاجتماعات، قائلاً: "تم باليوم الأول طرح صياغة محكمة دستورية لمبدأ دستوري من قبل الفريق الآخر (النظام)، وتم تقديمه للنقاش، والمعارضة ستقدم مقترحاتها في اليوم التالي".
وأردف: "لكن بغض النظر أن هناك خلافات تتعلق بسيادة الجمهورية العربية السورية على أراضيها، وبغض النظر على مدى القبول والرفض لبعض الصياغات أو الكلمات أو المصطلحات الواردة في هذا المقترح، نستطيع القول إن اللجنة الدستورية انطلقت حقيقة في مهمتها الحقيقية، وفق ولايتها التي جاءت في قواعدها الإجرائية التي نصت على تشكيلها وهي صياغة دستور جديد لسوريا".
في اليوم الختامي (الجمعة المقبل) سيجلس رئيسا الوفدين (النظام والمعارضة) ليتفحصا تماماً النصوص والمقترحات التي قُدمت، والنقاشات التي جرت، والنصوص المقابلة لهذه النصوص، ومحاولة تلمس مشتركات إن وجدت، أو تلمس طريق للمشتركات.
وأضاف: "المشتركات ستعتمد من قبل اللجنة المصغرة، التي ليس بيدها القرار النهائي بل بيد اللجنة الموسعة (المكونة من 150 عضواً) التي ستصوت عليها لاتخاذ قرار نهائي".
هل تهدف روسيا لإيجاد حل للأزمة السورية أم تمرير التطبيع العربي مع الأسد؟
يبدو من اللافت أن التفاؤل في مسار اللجنة الدستورية السورية شبه الإيجابي يتزامن مع حديث عن تصعيد نظام الأسد والأكراد ضد المعارضة السورية الحليفة لتركيا، ويأتي بعد تصفية لبقية جيوب المعارضة السورية في جنوب البلاد، وبالتزامن كذلك مع تطبيع عربي مع الأسد بدءاً بالأردن ومصر بشكل لافت والسعودية بشكل خافت، وبقبول غربي أمريكي، ظهر واضحاً في دفع واشنطن لصفقة نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.
ومن الواضح أن الغرب نفض يده تماماً من دعم المعارضة السورية، باستثناء الأكراد في مواجهة تركيا، بل العكس هناك قبول غربي لتطبيع وضع الأسد، عربياً على الأقل.
كما أن الإصلاحات الدستورية حتى لو تمت بشكل يرضي المعارضة السورية، فإنه من الصعب تخيل أن يسمح الأسد للمعارضة بالعودة وممارسة دور في البلاد، في ظل سيطرته الأمنية والعسكرية المعروفة بضراوتها، ولا يمكن تخيل أن المعارضين القادمين من منافي شتى قادرون على التغلب على أساليب الأجهزة الأمنية السورية المشهورة.
والسؤال هنا هل ضغط الروس على الأسد لتسهيل الأمور قليلاً في اللجنة الدستورية هدفه إيجاد حل جذري ودائم للأزمة السورية، أم تيسيراً لعملية التطبيع العربي مع الأسد؟!
الإجابة قد تكون لدى روسيا بقدر ما هي لدى الأسد، فلقد يكون لموسكو بعض النوايا لبعض الإصلاح الدستوري أو ضم المعارضة للنظام السوري، ولكن النظام السوري معروف عنه أنه لا يقبل معارضين ولا حلفاء، ولكن يقبل اتباع خاضعين فقط، والنظام الذي رفض الحوار مع المعارضة في ذروة ضعفه هل يقبل أن يقدم تنازلات بعدما انزوت المعارضة السورية في جيوب في شمال البلاد، وهو أقرب من أي وقت مضى للعودة للحاضنة العربية بعدما أن بات يغلب على هذه الحاضنة طبعة شبيهة بالطبعة الأسدية الاستبدادية.
وتجدر الإشارة إلى أن الجامعة العربية وعدداً من دولها الأعضاء قد سبق أن كررت عدة مرات أن تحقيق تقدم في مسار المفاوضات مع المعارضة وخاصة المسار الدستوري بمثابة شرط للتطبيع العربي مع الأسد، ومع أن فعلياً قطار التطبيع العربي قد بدأ يتحرك قبل تحقق هذا الشرط، فإن تحقيق بعض التقدم الصوري على هذا المسار، قد يوفر ذريعة لالتحاق مزيد من الدول بالتطبيع العربي مع الأسد.