بحث المسؤولون الماليون في العالم، الذين اجتمعوا في واشنطن، الأربعاء 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، في إيجاد طريقة للتخفيف من اختناقات سلاسل التوريد التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتهدد بعرقلة الانتعاش الاقتصادي.
وتصطفّ السفن خارج الموانئ الأمريكية بانتظار تفريغ البضائع، فيما ارتفع التضخم الاستهلاكي الأمريكي، في سبتمبر/أيلول، وارتفعت أسعار النفط العالمية أكثر من 80% للبرميل الواحد، وهو الأعلى منذ سنوات، بينما يمكن أن تضطر العائلات البريطانية والأوربية للاستغناء عن "الديك الرومي" في عشاء عيد الميلاد، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
فلماذا يبدو الغرب أكثر تضرراً من أزمة اختناق سلاسل التوريد؟ وما الذي يستورده الغرب بالأساس من القارات والمناطق الأخرى؟
لماذا يتأثر الغرب بشدة من أزمة سلاسل التوريد؟
أدت القيود التي فُرضت للحد من انتشار وباء كورونا إلى إغلاق طرق التصنيع والتجارة، بينما لم يتمكن الموردون الذين يواجهون نقصاً في العمال وسائقي الشاحنات من مواكبة الارتفاع المفاجئ في الطلب على السلع، مع بدء إعادة فتح الاقتصادات بعد أزمة كوفيد.
وأدت هذه الاضطرابات التي يخشى بعض السياسيين أن تكون طويلة الأمد، إلى إعاقة زخم الانتعاش، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى خفض تقديراته لنمو الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة وألمانيا ودول أوروبية أخرى.
ويقول الصندوق إن نقص الإمدادات الناجم عن الاختناقات اللوجيستية في سلاسل التوريد، بالإضافة إلى شهية المستهلك التي تغذيها الحوافز للسلع، تسببت في زيادات سريعة في أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا.
وقد تكون الآن "الحلقة الأضعف" هي نقص سائقي الشاحنات والعمال، وهي مشكلة ساهمت في الازدحام في الموانئ الأوروبية والأمريكية، وتسببت في جفاف محطات الوقود في بريطانيا مؤخراً. ولسوء الحظ حذّرت وكالة موديز للتحليلات الاقتصادية، الأسبوع الماضي، من أن هناك "غيوماً مظلمة تغطي المستقبل الاقتصادي" لأن عدة عوامل تجعل التغلب على قيود العرض أمراً صعباً بشكل خاص.
وأبرز هذه العوامل هي الاختلافات في كيفية مكافحة الدول لكورونا، حيث تهدف الصين إلى عدم وجود حالات إصابة، في حين أن الولايات المتحدة "أكثر استعداداً للتعايش مع كوفيد كمرض متوطن"، فيما تنتهج أوروبا سبلاً أخرى. ويقول المحللون إن هذا يمثل تحدياً خطيراً لمواءمة القواعد واللوائح التي بموجبها يتحرك عمال النقل داخل وخارج الموانئ والمحاور حول العالم. بالإضافة إلى عدم وجود جهد عالمي منسق لضمان التشغيل السلس لشبكة النقل اللوجستية العالمية".
وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2021 إلى 5.9% من 6%، في تقريره الصادر في يوليو/تموز الماضي، نتيجة لتخفيض توقعاته للاقتصادات المتقدمة إلى 5.2% من 5.6%. ويعكس الانخفاض بحسب التقرير مشاكل في سلاسل التوريد العالمية، التي تسبّبت في عدم التوافق بين العرض والطلب.
ما سلاسل التوريد التي تعتمد عليها أوروبا وأمريكا من الخارج؟
يُعرف نظام سلاسل التوريد أو Supply Chain Management، بأنه إدارة تدفق السلع والبيانات والأموال المتعلقة بمنتجات أو خدمات، بدءاً من شراء المواد الخام وحتى تسليم المنتج إلى وجهته النهائية. وتعتمد الدول الغربية على العديد من سلاسل التوريد من المواد الخام والمنتجات الحيوية.
وتتاجر الدول الأوروبية الأعضاء في أسواقها الأوروبية المشتركة بصفة رئيسية فيما بينها، لكنها تتاجر أيضاً مع دول أوروبية أخرى خارج أسواقها المشتركة. ومن أبرز الموردين لها الولايات المتحدة واليابان.
وتستورد أوروبا أيضاً المواد الخام كالبترول من الشرق الأوسط، وتصدر السلع المصنعة لشركائها. ومن واردات القارة الرئيسية الفحم الحجري، والحبوب والنفط، ومن صادراتها الرئيسية الكيماويات والملابس والمنسوجات والآلات والعربات بأنواعها.
وتعتمد الصناعات الأوروبية، خاصة الصناعات النسيجية والمعادن والزراعة على القارة الإفريقية أيضاً بشكل كبير، يتضمن ذلك الأسماك والمواد الغذائية والتبغ والمنتجات الحيوانية والمعادن والكيماويات والمنتجات البترولية، والآلات ومعدات النقل، والصناعات النسيجية والملابس.
من جانبها، تستورد الولايات المتحدة كذلك منتجات حيوية من الصين ودول آسيوية أخرى، كالأدوية والمعادن النادرة التي تدخل في منتجات الدفاع، والتكنولوجيا الفائقة وألياف الكربون المستخدمة في الطائرات، والبطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى المنتجات الزراعية والغذائية.
وخفضت مصانع السيارات الأمريكية والأوروبية من إنتاجها، بسبب النقص المتعاقب في "أشباه الموصلات"، والتي تُعرف أيضاً بـ"الدوائر المتكاملة"، أو "الرقاقات"، وهي أصغر منتج في العالم، والأكثر طلباً في نفس الوقت، والذي تسيطر عليه الصين بالدرجة الأولى ودول آسيوية أخرى.
مراجعة سلاسل التوريد والاعتماد على الذات
ومنذ مطلع العام الجاري، قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن مراجعة سلاسل التوريد الأمريكية، وإنشاء سلاسل توريد أكثر مرونة وأماناً للسلع الأساسية، في محاولة لإنهاء اعتماد الولايات المتحدة على الصين ودول أخرى في الحصول على سلع مهمة.
وبموجب أمر تنفيذي وقّعه بايدن، في 25 فبراير/شباط 2021، ستتم مراجعة شاملة لسلاسل التوريد للوكالات الفيدرالية، وتجنب مجموعة من المخاطر ونقاط الضعف في سبيل مواجهة النقص في المنتجات الحيوية، خاصة الأدوية وبرامج التطبيقات والمعادن النادرة التي تدخل في منتجات الدفاع، والتكنولوجيا الفائقة وألياف الكربون والبطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، خاصة أن الولايات المتحدة تمضي قدماً بشكل سريع في معالجة أزمة المناخ والاعتماد على تقنيات الطاقة الجديدة مثل بطاريات السيارات الكهربائية.
وتتضمن المراجعة الأمريكية ستة قطاعات رئيسية هي: قطاع الصناعات الدفاعية، وقطاع الصناعات الدوائية، وقطاع التأهب البيولوجي، وقطاع الصناعات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقطاع صناعات قطاع الطاقة، وقطاع صناعة النقل، إضافة إلى سلاسل توريد المنتجات الزراعية والغذائية.
وأصبحت الولايات المتحدة معتمدة بشكل متزايد على استيراد تلك السلع من الصين ودول آسيوية أخرى، وهو ما اعتبرته إدارة بايدن خطراً محتملاً على الاقتصاد والأمن القومي، ولذا تأمل إدارة بايدن في معالجة أوجه الخلل، ومراجعة إمكانية زيادة الإنتاج المحلي، وفي الوقت نفسه العمل مع شركاء دوليين لضمان سلسلة توريد مستقرة وموثوق بها.
وتقول إدارة بايدن إن الولايات المتحدة تحتاج للتأكد أنها لا تعتمد على مصادر أجنبية في أوقات الطوارئ الوطنية، وأن القرار يستهدف أيضاً تسهيل الاستثمارات اللازمة للحفاظ على الميزة التنافسية لأمريكا، وتعزيز الأمن القومي الأمريكي، وتعزيز الاستفادة من الاحتياطات الأمريكية الضخمة من مادة الليثيوم والخبرات التصنيعية المحلية لتوسيع إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية.
وتكشف الأزمة الحالية عن نقاط ضعف هائلة في سلاسل التوريد الأمريكية والأوروبية، وعلى مدى العام الماضي كشف وباء كورونا عن هشاشة سلاسل التوريد الحيوية، وواجهت الأسواق الغربية نقصاً أولياً في الأقنعة والقفازات وغيرهما من المعدات الطبية الوقائية. فيما تواجه المصانع في الولايات المتحدة وأوروبا نقصاً كبيراً في المواد الخام كرقائق الكمبيوتر التي تتحكم في المحركات والمكابح وناقلات الحركة المستخدمة في صناعة السيارات.