صدر مسلسل "Squid Game – لعبة الحبار"، وهو مسلسلٌ على منصة نتفليكس من إنتاج المخرج الكوري هوانغ دونغ هيوك في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، وفي غضون 10 أيام أصبح أعلى عرضٍ في ترتيب أكثر المسلسلات مشاهدةً على المنصة في 90 دولة. هذه هي المرة الأولى التي تحتل فيها الدراما الكورية الصدارة في إحصاءات المشاهدة الأمريكية على سبيل المثال، ويأتي 95% من المشاهدين من خارج كوريا، مِمَّا يبدِّد فكرة أن جيل الشباب لا يقرأ الترجمة، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
تدور فرضية المسلسل حول 456 شخصاً مدينين بشكلٍ كارثي، ويتنافسون على ثرواتٍ لا توصف في سلسلةٍ من "الأعمال البطولية" التي تكون أحياناً غريبة وأحياناً مرعبة، وغالباً كلتيهما. قد يضطرون إلى نحت شكل قرص العسل باستخدام دبوس، أو الحفاظ على طاقتهم بينما يصرخ روبوت فيهم: "ضوءٌ أحمر". وهناك جانبان سلبيان: إذا خسرت، ستُصاب برصاصةٍ في الرأس، ولا يمكن إلا أن يكون هناك فائزٌ واحدٌ فقط!
التحليل الفلسفي والنفسي لفكرة مسلسل "لعبة الحبار"
تقول الغارديان إن المسلسل ولَّد افتتاناً واسع النطاق به، أدَّى إلى أن مواقع للأزياء التنكُّرية أصبحت تبيع زيَّ الشخصيات الشريرة في المسلسل، والمراهقين الباريسيين يخوضون شجاراتٍ فيما بينهم خارج متجرٍ يبيع منتجات متعلِّقة بالمسلسل في باريس، والكثير من الأحاديث لكشف ما وراء الكواليس، حيث يتذكَّر الممثِّلون "الرعب الأشبه بالكابوس" من إطلاق النار عليهم، ويصف الفنيون رعبهم من مجموعات الرسوم الكاريكاتورية الشريرة.
هناك موسمٌ واحدٌ فقط من المسلسل، يتكوَّن من تسع حلقات، وتمتد الواحدة منها لمدة ساعة تقريباً. يمكنك الإفراط في المشاهدة للانتهاء من الحلقات كافة في غضون يومين. ولكن عندما ينتهي المراهقون من المسلسل، يعودون إلى البداية ويشاهدون من جديد، ولا يسمح أحدٌ بـ"حرق" الأحداث.
تقول الصحيفة البريطانية، لا شك أن الدراما مُقنِعة، لكن شدة الاهتمام، خاصةً بين الشباب، لافتة للنظر. لكن ما الذي يثير اهتمام الأطفال والمراهقين إذاً؟ وهل هم على ما يرام بعد المشاهدة؟
يمكن القول إن العنف والوفيات، اللذين صُوِّرا في المسلسل فقط بالألوان الأساسية، موجودان معنا منذ العصور الوسطى على الأقل- فكِّروا مثلاً في يوم الموتى في المكسيك، وسيمفونية قصيدة Danse macabre الفرنسية المرعبة… إلخ. لكن هذا مجازٌ أكثر تحديداً وتحديثاً، ما وصفه مارك جونسون، المحاضر في الثقافات الرقمية بجامعة سيدني، بأنه "نوعٌ من لعبة الموت"- سواء مثلما في فيلم Battle Royale أو Hunger Games أو Maze Runner أو Exam أو مسلسل Squid Game، تتسابق الشخصيات حتى الموت. الحياة تافهة والنصر مجيد، والقواعد استراتيجية، ولكن هناك قدر هائل من الحظ: في Squid Game هناك لعبة شد الحبل.
"المنافسة الشديدة تحوِّل الأشخاص العاديين إلى وحوش"
يشرح جونسون ذلك بالتفصيل للغارديان: "إذا كنت في فريقٍ أضعف، فإنك تخسر فقط، وحظك السيئ أنك تموت. أما في Battle Royale، ولديك سكين بدلاً من مسدس أوزي، فإنك تخسر فقط". وهذا النوع من الأعمال الفنية في رأيه هو نقدٌ "للفكرة الضمنية المركزية للعالم الرأسمالي المتأخِّر، أن كلَّ شيءٍ عبارة عن عملٍ شاق، كلَّ شخصٍ يصل المكان الذي ينتمي إليه في مجتمعٍ عالمي مثالي. كلُّ هذه الأشياء تظهر أنها لا شيء".
يقول باري وات، المحلِّل النفسي الذي يعمل في الغالب مع الشباب المُشرَّدين، إنه مجازٌ معروفٌ جداً، "حيث يجب تقديم شخص أو مجموعة كقرابين، كوسيلة لوضع قيود على العنف المجتمعي". يمكنكم رؤية ذلك في الحركات الدينية المبكِّرة، ولكن أيضاً في ثقافة العصابات وملاجئ المُشرَّدين. إنه يعكس إحساساً عميقاً بالخطر. يضع وات هذا أيضاً ضمن "الحركة الأكبر للشباب الذين يتحوَّلون إلى الرسوم المتحرِّكة والمانغا اليابانية والكورية، بحثاً عن ردٍّ على تجربتهم التي لم تلبّها الثقافة الأوروبية الغربية". يقول إن الشخصيات تتبدَّل بين التأثير المنخفض (عدم الشعور بأيِّ شيء) والعنف الشديد، فهي تقدِّم نطاقاً عاطفياً ضيِّقاً للغاية.
يطرح وات فكرة أن هذا قد يجذب عدداً متزايداً من الأشخاص الذين يعتبرون سرد القصص وفقاً للمدرسة القديمة، مع طبقات التوصيف الخاصة بها، أمراً مُحيِّراً. لدى جونسون تفسيرٌ مختلف، وهو أن اللعبة نفسها هي التي تجعل الشخصيات تتسطَّح، حيث "المنافسة الشديدة تحوِّل الأشخاص العاديين إلى وحوش".
التهديد هو الديون
ينتمي المسلسل لهذا النوع من أعمال لعبة الموت السينمائية. كان القلق الأساسي هو الانهيار البيئي، حيث تميل الخلفيات إلى أن تكون مروِّعة بصورةٍ لا توصف، بعد تقلُّبات رهيبة في الطقس أو حروب. لكن التهديد الآن هو الديون، التي تبدو كما لو كانت في العصر الفيكتوري.
ومن المفارقات أن هذه الدراما الواقعية للغاية- وغير الواقعية أيضاً- كما يصفها تقرير الغارديان، قد أشعلت القلق الذي يؤدِّي بصاحبه حقاً إلى المرض النفسي يوماً بعد يوم.
تصف هيلين غارنهام، رئيسة قسم المساواة في مؤسسة Rethink Mental Illness، كيف تجمع الديون الإنكار والشعور بالعجز؛ لأن صاحبه غالباً ما يشعر بأنه "لا يمكنه فعل شيء، وقد يكون الأمر ساحقاً"، كما يشعر بـ"وصمة عار كبيرة، فالناس لا يفعلون ذلك"، وهو لا يحب الاعتراف بالديون أو طلب المساعدة، و"يشعر بأن عليه تدبير الأمر بنفسه".
تشير غراهام إلى هذه المفارقة، حيث بُذِلَ الكثير من العمل لمحو المحرَّمات المتعلِّقة بالصحة النفسية، وقالت: "هذا ما كنَّا نحاول قوله، لا بأس في ألا نكون على ما يرام"، لكن الديون، التي تمثِّل رافداً مهماً يصب في المرض النفسي، لا تزال توصم صاحبها بالعار.
قد لا يكون من قِبَل الصدفة، بعد 10 سنوات من الانهيار المالي العالمي، أن العالم بأسره يشاهد دراما تتمثَّل رسالتها الرئيسية في "هل يمكنني سداد هذه الديون؟ ألن يكون اللعب حتى الموت أسهل؟".