أصبحت العلاقة بين أوروبا والصين محل خلاف بين قادة الاتحاد الأوروبي.
العلاقة بين أوروبا والصين حائرة بين السياسة والاقتصاد، إذ يحب الاقتصاديون الأوروبيون إبرام صفقات مع الصين ولا يريدون أن يقطعوا هذه المساعي، أما السياسيون فمتردِّدون، خاصة بعدما تبنَّت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نهج ترامب المتشدد ضد بكين.. كما أن هناك دولاً لا تريد تصعيد التوتر مع بكين وأخرى تريد تنصيبها خصماً للاتحاد الأوروبي، واتخذت إجراءات لتوريط أوروبا في هذا النهج بالفعل.
وسيحاول القادة الأوروبيون بذل جهدهم لتجنب الحديث عن الصين علناً عندما يجتمعون هذا الأسبوع في سلوفينيا، لكن الخلافات الحادة حول طريقة التعامل مع بكين سوف تشكل مصدر إزعاج للعشاء المغلق المنتظر مساء اليوم الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
إذ إن العشاء، الذي تنطلق معه قمة مستمرة ليومين في عقار محاط بالأشجار خارج العاصمة السلوفينية ليوبليانا، هو نفس الوقت الذي يخطط فيه قادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة التحديات الشائكة، المتمثلة في الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، والاتفاقية الدفاعية الجديدة التي قادتها الولايات المتحدة وأغضبت فرنسا، والعلاقات المضطربة مع الصين.
إضافة إلى أن اتفاقية الاستثمار البارزة بين الاتحاد الأوروبي والصين، التي جُمدت في الوقت الراهن بسبب العقوبات المفروضة على المشرعين الأوروبيين من قبل بكين، سوف تحظى بأهمية كبرى على أجندة القمة الأوروبية، بجانب الحديث عما إذا كانوا سوف يتخذون خطوات للمضي قدماً لتحريك الخطط المتوقفة الرامية إلى عقد قمة مع الصين، وذلك وفقاً لمسؤولين ودبلوماسيين بالاتحاد الأوروبي رفضوا ذكر أسمائهم لمناقشة استعدادات سرية، حسب Bloomberg .
الصين تسحب الغاز من أيدي أوروبا، والبعض يريد مناصبتها العداء
تحول الغاز إلى سبب إضافة للتوتر في العلاقة بين أوروبا والصين، فبينما تواجه أوروبا أزمة طاقة مفاجئة، قدمت الصين تذكيراً غير ملائم بموقعها بوصفها منافساً استراتيجياً. في سبتمبر/أيلول، صارت الصين أكبر مستورد في العالم للغاز الطبيعي المسال النادر، فقد ارتفعت عمليات التسليم منه بنسبة 20% عن السنة السابقة، وذلك وفقاً لبيانات تعقب الشحنات التي جمعتها وكالة Bloomberg الأمريكية. على النقيض من ذلك، تراجعت عمليات التسليم المرسلة إلى الدول الأوروبية الغربية مقارنة بالعام الماضي، حتى في ظل انخفاض مخزونات الغاز الطبيعي للقارة عند أدنى مستوياتها الموسمية منذ أكثر من عقد من الزمن.
في نقاشات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالعلاقة بين أوروبا والصين، اتخذت فرنسا وألمانيا موقفاً تقليدياً يتأسس حول معارضة الجهود الرامية إلى التعامل مع الحكومة الصينية بتشكك أكبر والإبقاء على مسافة بعيداً عنها، بينما تدفع دول أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي، مثل دول البلطيق، من أجل معاملة بكين على أنها أقرب إلى خصم للكتلة.
يستعرض قادة الاتحاد الأوروبي الخيارات المتعلقة بطريقة التعامل مع الصين، وفي الوقت نفسه الاستقلال عن الولايات المتحدة، التي طالما ضغطت لاتخاذ موقف أكثر عدوانية ضد الصين.
ظهر التوتر في الأسبوع الماضي عندما شهدت مدينة بيتسبرغ الأمريكية عقد أول اجتماع لمجلس جديد متخصص في التكنولوجيا والتجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ذكر عديد من الدبلوماسيين أن المشاركين لم يأتوا على ذكر الصين، مع أن كثيراً من جوانب المجلس مرتبطة مباشرة ببكين، بدءاً من النظر في الاستثمارات الأجنبية ووصولاً إلى تأمين سلاسل توريد أشباه الموصلات.
اتفاقية الاستثمار بين أوروبا والصين ستبقى طي النسيان
لا يُتوقع التوصل إلى قرار حول الصين خلال عشاء اليوم الثلاثاء. والأرجح أن اتفاقية الاستثمار مع بكين سوف تبقى طي النسيان برغم الضغط الشديد من جانب الصين، والسبب أن كرة هذه المسألة في ملعب الصين، وهو ما قاله أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي.
قال غونترام وولف، الذي يقود مؤسسة Bruegel الفكرية في العاصمة البلجيكية بروكسل، التي تعد كذلك عاصمة الاتحاد الأوروبي: "تجسد الصين ثلاثة أشياء في نفس الوقت بالنسبة للاتحاد الأوروبي: شريك، ومنافس، وخصم نظامي. وأحد هذه الجوانب أو أكثر ستحظى بالتأكيدٍ اعتماداً على من هو القائد الأوروبي الأقوى سياسياً".
ليتوانيا تفتح سفارة لتايوان
زادت الأحداث الأخيرة من تعقيد الجهود الأوروبية لموازنة نهج التعامل مع الصين.
فقد استدعت بكين سفيرها لدى ليتوانيا، إحدى دول البلطيق، هذا الصيف بعد أن سمحت ليتوانيا بفتح سفارة بحكم الواقع لتايوان، في خطوة وصفها مسؤول بالاتحاد الأوروبي بأنها محاولة من الصين لدق إسفين بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لكن ليتوانيا لم تستشر غالبية أعضاء الاتحاد الأوروبي أو تقدم تحذيراً مسبقاً بذلك، وهو ما قاله مسؤول بالاتحاد الأوروبي من إحدى الدول الغربية.
قال مسؤول آخر بالاتحاد الأوروبي إن الدول الأعضاء لا تزال منقسمة كذلك حول موضوعات السياسة الخارجية والدفاع من أجل صياغة استراتيجية متماسكة، حتى في الوقت الذي تسبب فيه انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ومناطق أخرى في ترك فراغ تستطيع الصين ملأه. واعترض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أكثر من مرة على بيانات مشتركة تنتقد الصين.
ماكرون سينفس عن غضبه من صفقة الغواصات الأسترالية
ليس واضحاً كيف سوف تؤثر مغادرة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل منصبها على نقاشات الاتحاد الأوروبي حول الصين.
قال وولف: "أعتقد أن الحكومة الألمانية الجديدة سوف تنظر في مدى احتياجنا إلى الابتعاد عن الصين وتقليل العلاقات التجارية. لكني أتوقع تحركاً بسيطاً لأن ألمانيا أكثر تشابكاً مع الصين من فرنسا على الصعيد الاقتصادي".
وسوف يمنح العشاء فرصة أولى للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتنفيس دفعة واحدة أمام نظرائه بالاتحاد الأوروبي حول خسارة اتفاقية غواصات ضخمة أمام الولايات المتحدة في الشهر الماضي، وكي يعرض خطوطاً عريضة لموقع انطلاق دفاعات الاتحاد الأوروبي حسبما يعتقد.
كذلك سوف تشهد القمة على الأرجح استعراض الزعماء لأسعار الطاقة المرتفعة، نظراً إلى أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تعمل على حزمة مقترحات لتقديمها إلى الحكومات. إذ إن الصين توجه ضربات إلى منافسيها الأوروبيين في المعركة على كمية الغاز الطبيعي المسال المتاحة حالياً، والآخذة في التناقص.
وربما سوف تؤدي الانقسامات إلى إبقاء محاولات دول البلقان الغربية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في طي النسيان، وهو موضوع قمة الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول. فقد أطاحت دول عديدة من أعضاء الاتحاد الأوروبي، بالمحاولة التي قادتها الرئاسة السلوفينية لتحديد عام 2030 ليكون موعداً نهائياً لانضمام دول البلقان إلى الكتلة، وذلك وفقاً لتعديل مقترح لمشروع الاستنتاجات.