بدأت الجزائر مؤخراً في العمل مع نيجيريا لإعادة إحياء عدد من الاتفاقيات القديمة لتفعيل التعاون المشترك فيما يتعلق بتصدير الوقود إلى أوروبا. وفي هذا الإطار كشف المدير العام لشركة النفط والغاز الجزائرية "سوناطراك"، توفيق حكار، في نهاية سبتمبر/أيلول 2021، عن انتهاء الدراسات الخاصة بمشروع خط أنبوب الغاز الجزائري- النيجيري لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي. فما هو هذا المشروع ولماذا يعاد إحياؤه الآن؟
ما هو مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء بين نيجيريا والجزائر؟
خط أنبوب الغاز العابر للصحراء هو مشروع قديم لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من نيجيريا إلى أوروبا عبر النيجر والجزائر، ففي يناير/كانون الثاني 2002، تم التوقيع على مذكرة للتفاهم حول التحضير لهذا المشروع بين الجزائر ونيجيريا، وفي فبراير/شباط 2009، اتفق الطرفان على المضي قدماً في تنفيذ المشروع، طبقاً لمذكرة تفاهم مسبقة بين الحكومتين بالإضافة إلى النيجر.
ويمتد أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى النيجر ثم الجزائر، لتصدير الغاز إلى السوق الأوروبية، ويبلغ طول الأنبوب نحو 4128 كيلومتراً، ويستهدف نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنوياً نحو أوروبا.
لكن المشروع الضخم تعرض للتأجيل مراراً حتى تم نسيانه لعقبات عدة، وفي 2007، عندما سئل وزير الطاقة الجزائري حينها شكيب خليل، عن سبب تأخير إنجاز مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء بين نيجيريا والجزائر، نفى أن يكون ذلك مرتبطاً بتكلفته المالية العالية، بل بعدم وجود مشترين.
كان شكيب خليل حينها واثقاً من قدرة البنوك في الجزائر ونيجيريا وحتى البنك الإفريقي للتنمية على تمويل أنبوب الغاز العابر للصحراء، البالغ تكلفته حينها نحو 13 مليار دولار قبل أن ترتفع إلى نحو 20 مليار دولار، لكن أكبر عقبة كانت تواجه المشروع غياب أسواق لاستيعاب 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري.
لماذا شرعت نيجيريا بإنجاز أنبوب الغاز العابر للصحراء بعد تأجيل 20 عاماً؟
أحد المقترحات التي طرحها حينها شكيب خليل، شراء الجزائر غاز نيجيريا وإعادة بيعه لشبكة زبائنها في أوروبا والعالم. لكن بعد 14 عاماً من ذلك التاريخ ازدادت الأمور صعوبة، مع دخول منافسين جدد سوق الغاز، وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي تحولت من مستورد إلى مصدر بفضل الغاز الصخري.
كما اكتشف الغاز في شرق المتوسط بكمية هامة، وأطلقت روسيا أنابيب غاز نحو أوروبا بأسعار تنافسية، وأمام اشتداد المنافسة على السوق الأوروبية حدث انقلاب جوهري في تعاقدات سوق الغاز العالمية في 2019، بانتهاء زمن عقود الغاز طويلة الأمد (20 عاماً على الأقل)، وبدل الأسعار الثابتة أصبحت الأسعار خاضعة لتقلبات السوق الحادة.
أحد ضحايا هذه التقلبات كان أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي ارتفعت تكلفته لتصل إلى 20 مليار دولار، ويحتاج لعقود طويلة (ما بين 20 و30 عاماً) لتوريد الغاز وضمان تحقيق أرباح.
كما دخل أنبوب الغاز العابر للصحراء في منافسة مع مشروع بديل يربط حقول الغاز في دلتا النيجر ببلدان غرب إفريقيا، إلا أن أكبر تحدٍّ واجهه أنبوب الغاز العابر للصحراء هو ظهور تنظيم بوكو حرام في شمال شرقي نيجيريا، في 2002، وتمددها في المنطقة، ثم مبايعتها تنظيم "داعش" الإرهابي في 2015، وتمدد تنظيم "داعش الصحراء الكبرى" في غرب النيجر التي يعبر منها خط الغاز غير بعيد عنها.
كلها أحداث هبت على عكس اتجاه أشرعة أنبوب الغاز العابر للصحراء، وأجلت إنجازه عدة مرات، رغم توقيع نيجيريا والجزائر والنيجر في 2009، اتفاقاً لإنجاز المشروع، وبعدها بأربعة أعوام أعلن رئيس نيجيريا السابق جوناثان غودلاك قرب بداية العمل بالمشروع.
أنبوب الغاز النيجيري العابر للصحراء.. انطلاق التنفيذ
إعلان نيجيريا البدء في تنفيذ أنبوب غاز عابر للصحراء يصل إلى شبكة أنابيب الغاز الجزائرية لتصديره إلى أوروبا، في سبتمبر/أيلول المنصرم، يطرح أكثر من تساؤل حول الأسباب التي دفعت أبوجا للشروع في هذا المشروع الضخم رغم كل التحديات الأمنية والمالية والاقتصادية وحتى السياسية التي عطلت إنجازه طيلة نحو 20 عاماً.
ففي 21 سبتمبر/أيلول الماضي، كشف وزير الطاقة النيجيري "تميبري سلفا"، في لقاء مع قناة "CNBC عربية"، أن حكومة بلاده "شرعت في تنفيذ بناء خط أنابيب الغاز لنقل الغاز إلى الجزائر، والتي ستقوم بدورها في مرحلة لاحقة بنقله إلى دول إفريقية (ربما يقصد دولاً أوروبية) أخرى.
وتزامن هذا التصريح مع إعلان المدير العام لمجمع سوناطراك الجزائري، في 13 سبتمبر/أيلول، الانتهاء من الدراسات التقنية لأنبوب الغاز العابر للصحراء، وتحديد منطقة عبور الخط "تبقى الجدوى الاقتصادية المتعلقة بالطلب والعرض والأسعار".
مشروع خط غاز الصحراء في قلب الصراع بين الجزائر والمغرب
تأتي التحركات الجزائرية بالتزامن مع مساعي المغرب الاعتماد على نيجيريا من خلال خط أنابيب الغاز الإفريقي، لسدّ الطلب المحلي للغاز، مع إمكان تصدير الفائض إلى أوروبا عبر خط أنابيب المغرب العربي الذي تصدّر من خلاله الجزائر الغاز إلى أوروبا.
وتخطط الجزائر إلى وقف تصدير الغاز إلى أوروبا عبر المغرب بعد قطع علاقتهما الدبلوماسية، والاستعانة بخط "ميدغاز" الذي يعبر البحر المتوسط، ويربط الجزائر بإسبانيا مباشرة، ورفع قدراته التصديرية.
وكان المغرب قد بدأ مباحثات مع نيجيريا، من أجل مد خط غاز يربط أبوجا بالرباط، ومصنع مشترك لإنتاج الأسمدة في نيجيريا.
وخلال السنوات الماضية كان الحديث يدور عن أنبوب الغاز العابر للصحراء، بعد أن أطلقت المغرب ونيجيريا مشروع إنجاز الخط الإقليمي لأنابيب الغاز، في ديسمبر/كانون الأول 2016.
ووفق وسائل إعلام مغربية، يمتد أنبوب الغاز المغربي على طول 5660 كيلومتراً، ومن المنتظر تشييده على عدّة مراحل ليستجيب للحاجة المتزايدة للبلدان التي سيعبر منها وأوروبا، خلال الـ25 سنة القادمة.
ومن المفترض أن يمر الأنبوب بكل من بينين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، وتفوق تكلفة المشروع 25 مليار دولار، ويُتوقع أن ينقل الأنبوب الجديد بين 30 و40 مليار متر مكعب سنوياً.
لماذا اختارت نيجيريا الجزائر لهذا المشروع وهل ضربت بذلك الطموح المغربي؟
تشير التقارير إلى الأنبوب الذي سيمرّ من نيجيريا إلى الجزائر مروراً بالنيجر يستهدف نقل 30 مليار متر من الغاز النيجيري نحو أوروبا، في حين أن الأنبوب الذي يمتد بين المغرب ونيجيريا على طول 5660 كم، مروراً بـ11 دولة سيشكّل من الناحية التقنية الاقتصادية أكثر صعوبة من المشروع النيجيري-الجزائري.
وما دفع نيجيريا لاختيار الخط العابر للصحراء، عدم دفعها لرسوم العبور سوى لدولتين فقط (النيجر والجزائر)، كما أن الجزائر لا تحتاج لغاز نيجيريا ما يرفع الكمية المصدرة.
فضلاً عن امتلاك الجزائر شبكة من أنابيب الغاز نحو أوروبا ما سيقلص كلفة ومدة الإنجاز، ناهيك عن البنية التحتية التي تمتلكها الجزائر، سواء من حيث محطات ضخ الغاز، أو مصانع تسييله، وموانئ تصديره، وكذلك ناقلات الغاز البحرية التي يمكنها أن تنقل الغاز النيجيري إلى الأسواق البعيدة في أقصى آسيا بعد تسييله.
وتكثفت في الفترة الأخيرة اللقاءات والزيارات بين المسؤولين الجزائريين والنيجيريين، آخرها لقاء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بنظيره النيجيري جيفري أونياما، بنيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما زار وفد من المعهد الوطني للدراسات السياسية والاستراتيجية لنيجيريا (حكومي)، يضم 17 إطاراً سامياً مختصاً في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية، الجزائر، نهاية أغسطس/آب الماضي، للتعرف على التجربة الجزائرية في مختلف الميادين.
وهذه الزيارات واللقاءات تعكس رغبة كلا البلدين في تعزيز الشراكة ليس فقط في الجانب الاقتصادي، بل أيضاً في الجوانب السياسية والعسكرية.
لكن هل تستطيع الجزائر ونيجيريا تأمين هذا الأنبوب؟
في حال تم تجاوز المعوقات الاقتصادية وعلى رأسها ضمان مشتري للغاز النيجيري لفترة طويلة وبسعر يغطي التكلفة ويحقق أرباحاً، فإن العائق الأكبر سيكون الأمن.
فمسار الخط الغاز يعبر من عدة نقاط ساخنة أمنية، بداية من دلتا نهر النيجر جنوبي نيجيريا، الذي تنشط به عدة مجموعات مسلحة بينها "منتقمو دلتا النيجر"، والتي تستهدف أنابيب نقل الغاز والنفط بالمنطقة.
وكلف إصلاح خطوط الأنابيب (غاز ونفط) 143.6 مليون دولار ما بين يناير/كانون الثاني 2020 إلى يناير 2021، بحسب بيانات شركة النفط الوطنية النيجيرية (إن إن بي سي).
وفي شمالي البلاد، تخوض نيجيريا حرباً صعبة ضد جماعة بوكو حرام، وتنظيم داعش في غرب إفريقيا، ولم تتمكن بعد من حسمها رغم تحالفها مع عدة بلدان (النيجر والكاميرون وبنين، وتشاد).
أما النيجر فتواجه تحدياً مزدوجاً من بوكو حرام في الجنوب الشرقي، وداعش الصحراء الكبرى من الغرب، لكن خط الغاز يمر بينهما عبر ولاية زيندر، الأكثر أمناً.
وحدها الجزائر التي تعيش في أجواء مستقرة، لكنها مازالت تحت التهديد الأمني القريب من حدودها. وإذا تم إنجاز هذا المشروع فإن البلدان الثلاثة مضطرة لتأمينه ضد أي عمليات تخريبية تستهدفه، ما يرجح إمكانية تشكيل تحالف أمني ثلاثي على محور "أبوجا- نيامي- الجزائر".
تحالف أمني وانخراط جزائري أكبر في الحرب ضد الجماعات المسلحة
وإن كانت الجزائر تفضل أن تتولى كل دولة تأمين الأنبوب داخل حدودها مع تنسيق العمل الأمني والاستخباراتي، فإن كلاً من نيجيريا والنيجر ترغبان في تواجد قوات جزائرية جنباً إلى جنب لقتال "بوكو حرام" و"داعش".
كما أن احتمال تواجد عناصر شركة فاغنر الروسية في مالي بالقرب من حدود النيجر، قد يهدد استكمال هذا الأنبوب الغازي، الذي قد يقلص اعتماد أوروبا على الغاز الروسي.
وفي هذا الصدد، لا يستبعد أن تكون المحادثات التي أجرتها شركة غاز بروم الروسية مع الجزائر، في 24 سبتمبر/أيلول، بحثت موضوع تأثير أنبوب الغاز العابر للصحراء على مصالحها الاستراتيجية في السوق الأوروبية.
فبناء هذا المشروع تقف أمامه عقبات كثيرة أمنية وسياسية واقتصادية ودولية، لكن نيجيريا ليس لها خيار سوى إنجازه قبل الميل الأخير من انتهاء عصر الوقود الأحفوري.