بعد زيارته إلى الفضاء قرر جيف بيزوس مؤسس أمازون الاستثمار في شركة تعمل على اكتشاف طريقة للقضاء على الشيخوخة، ويشاركه إيلون ماسك مؤسس تسلا وبيدج أحد مؤسسي غوغل في البحث عن طريقة للهروب من الموت.
الشركة التي يستثمر فيها بيزوس، الذي استقال من منصبه كرئيس مجلس إدارة أمازون، تدعى Altos Labs، وهي شركة ناشئة يتركز عملها على الوصول إلى طريقة للقضاء على الشيخوخة بهدف إطالة عمر البشر.
أما بيدج فهو أيضاً من المشاركين في البحث عن "ينبوع الشباب"، إذ أسست غوغل عام 2013 شركة Calico، وهي شركة بيولوجيا هدفها المعلن هو "حل مشكلة الموت"، ووفقاً لموقع الشركة على الإنترنت، فهي "تسعى لحل المشكلة البيولوجية الأصعب في عصرنا، كيف يتقدم البشر في العمر، وهل يمكننا التدخل وتمكين البشر من عيش حياة أطول وأكثر صحة؟".
ورصد تقرير لصحيفة The New York Post الأمريكية قصة الهوس الجديد لأباطرة التكنولوجيا في العالم والمتمثل في البحث عن الحياة الأبدية، في تقرير بعنوان "لماذا يريد بيزوس وماسك وبيدج وغيرهم من أصحاب المليارات العيش للأبد؟".
تجارب علمية سابقة انتهت بكوارث
هذا البحث عن "ينبوع الشباب" ليس جديداً، فلم يعثر عليه بونثي دي ليون مطلقاً، وهو مستكشف إسباني في القرن السادس عشر وكان الحاكم الأول لبورتوريكو، ووصل إلى فلوريدا عام 1513 بحثاً عن "ينبوع الشباب".
لكن قصة "ينبوع الشباب" نفسها قديمة كالأساطير أو الروايات التي تتم روايتها حول العالم منذ آلاف السنين، فقد ظهرت في كتابات هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد وفي قصائد الإسكندر الأكبر في القرن الثالث الميلادي، كما ذكرها الكاهن يوحنا أثناء الحروب الصليبية الأولى.
وفي العصر الحديث، نرى رجالاً مثل رجل الأعمال الكندي سيئ السمعة بيتر نيغارد الذي أقام مختبراً للعلوم الحيوية في جزر البهاما ضمن مخطط لجمع الخلايا الجذعية من الأجنة المجهضة للنساء اللائي يجعلهن حوامل، وكل ذلك لإطالة عمره. (وهو الآن يقبع في أحد سجون كندا، ومتهم بالاتجار في الجنس والابتزاز، إلى جانب العديد من دعاوى الاعتداء الجنسي).
وهذا الهوس يطرح تساؤلاً بشأن سعي كثير من الرجال الأغنياء، على ما يبدو، للخلود. فبعد شهرين تقريباً من انطلاق بيزوس إلى الفضاء، أعلن عن استثمار جديد في شركة Altos Labs الناشئة التي ينصبّ عملها على اكتشاف طريقة للقضاء على الشيخوخة.
لكنه ليس الرجل الثري الوحيد الذي يرغب في أن يصبح البطل الأسطوري دوريان غراي، بطل رواية شهيرة لأوسكار وايلد أثارت جدلاً كبيراً حينما نشرت لأول مرة أواخر القرن التاسع عشر.
الهروب من الموت
يقول رامي كامينسكي، الطبيب البشري ومؤسس ومدير معهد الطب النفسي التكاملي (TiiPS)، للصحيفة الأمريكية: "هذه الأفكار تحمل شيئاً من الصبيانية. فقد تذهب إلى المريخ، ولكن لا يمكنك الخروج إلى النظام الشمسي. وقدرة هؤلاء الرجال الأثرياء محدودة. وما يحاولون فعله هو الهروب من حلقة الموت. فكل يوم حين تنظر في المرآة، تتذكر أنك مخلوق من الكربون. وهذا مهين ولا بد من إعادة تدويره".
بينما يقول كيث كامبل، أستاذ علم النفس والشخصية الاجتماعية بجامعة جورجيا، لصحيفة The New York Post: "أُسمِّي هذه العملية (إعادة بناء فرانكنشتاين).. وهذه الرغبة تنبع من سوء فهم جذري للحالة البشرية، حيث تكون المادية والسلوكية مدمجة مع الذكاء الاصطناعي. واجتماع هذا مع الغرور والخوف والكثير من المال يؤدي إلى هذا الهوس".
ودعونا لا ننسَ أيضاً إيلون ماسك صاحب شركة تسلا، الذي لا يبالي بجسده، وإنما يرغب في أن تعيش أفكاره ودماغه للأبد من خلال شركته الجديدة، Neuralink.
يقول كامينسكي لصحيفة The New York Post: "الموت هو المساوي الأعظم بين الناس.. الشيء الوحيد الذي يمكنه هدم هؤلاء الرجال هو الموت ولا يمكنهم فعل أي شيء للخلاص منه. وهم حرفياً مرتعبون من الموت والخلود هو درعهم المطلقة".
وأضاف: "هم يريدون هزيمة الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم هزيمته. ولديهم الوسيلة والقوة. فحين يكون لديك كَمّ لا محدود من المال، تبدأ في إزاحة الحدود. وليس مستغرباً أن يسعى أصحاب المليارات الكبار إلى الحد الأقصى".
ولأن هؤلاء الرجال قد فعلوا ما يبدو مستحيلاً في حياتهم العملية، ويُعاملون مثل أنصاف الآلهة على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد حوّلهم غرورهم إلى ما يشبه دكتور فرانكشتاين، حيث يعتقدون أنه أصبح بإمكانهم السيطرة على الشيء الوحيد الذي لم يستطِع الإنسان السيطرة عليه يوماً: الموت.
يقول كامبل: "يعتقد الأشخاص المغترون بأنفسهم أنهم أهم من مؤسساتهم. ويعتقدون أن رحيلهم سيؤدي لانهيار العالم لأنهم أذكى من الآخرين وأنهم وصلوا لما وصلوا إليه لسبب (يخصهم). ولأنهم نجحوا كثيراً في فرض إرادتهم على الواقع، يقولون لأنفسهم: (ولمَ لا يمكننا التغلب على الموت؟ يمكننا التغلب على أي شيء)".
ماذا لو نجحوا فعلاً في إطالة العمر؟
هذا الشعور بالقدرة على السيطرة على الكون والتلاعب بكل ما في عالمهم ينتج عنه الإصابة بعقدة الإله. وهذا ما عبرت عنه الدكتورة بيثاني كوك، الطبيبة النفسية المعتمدة، بقولها لصحيفة The New York Post: "حين يتعرض الفرد للثروة والسلطة الزائدة لفترة طويلة من الزمن، قد تتغير نظرته للعالم بالكامل؛ فهو يعتقد أنه مميز وأفضل من غيره بسبب قدرته على جمع الأموال وتخزينها. وإذا أصبح لدى المرء كم هائلة من المال والقوة، إلى جانب إصابته بعقدة الإله، يصبح من اليسير أن نفهم لماذا قد يستثمرون في اكتشاف سر الحياة الأبدية؛ إنهم يرغبون في الاحتفاظ بسلطتهم وثروتهم لأطول فترة ممكنة".
وأشار علماء النفس والأطباء النفسيون الذين تحدثت إليهم صحيفة The New York Post أيضاً إلى أنه رغم إيمان هؤلاء الرجال بأنهم أسياد الكون، تنم أفعالهم عن عدم النضج والخوف من الأمر الذي لا مفر منه.
يقول كامبل: "كان لدى النخب القديمة بعض التجارب الحياتية، مثل الذهاب إلى الحرب أو حتى البيع، ولم يكونوا صبياناً معقدين نفسياً مثل النخبة الجديدة. وهؤلاء ليسوا أقوياء روحياً. وربما يكون معدل ذكائهم مرتفعاً، لكنهم سطحيون ومنفصلون كثيراً عن الواقع".
وبينما يرى البعض مسعى أصحاب المليارات الدائب للحياة الأبدية مثيراً للاهتمام، يراه كامبل مثيراً للقلق، إذ قال: "يرعبني كثيراً الأشخاص الذين يتصورون أنهم يعرفون أفضل من أي شخص آخر ولديهم القوة ولا يخشون استخدامها. فهكذا يكون الطاغية. والأشخاص الذين يتصورون أنهم قادرون على السيطرة على العالم، ولديهم قوة دون تواضع يشعرونني بالتوتر".
ولكن حالما يُكتشف ينبوع الشباب، فكيف نوقفه؟ يتوقع العلماء بالفعل أن البشر يمكنهم العيش حتى 130 عاماً وأنه ليس مستبعداً التفكير في أننا قد نعيش للأبد، لكن العواقب كانت وخيمة بالفعل. فهذا الأسبوع، أُعلن انقراض 23 نوعاً آخر، منها نقار الخشب ذو المنقار العاجي، بسبب النشاط البشري. فماذا سيحدث إذا عشنا جميعاً للأبد وواصلنا التكاثر؟
يقول كامينسكي محذراً: "ربما يحدث إنجاز علمي في إطالة العمر ولكن ماذا سنفعل بالإنسانية بعدها؟ إذا ابتكروا حبوباً تحمي الجميع من الموت، فسينتشر الناس في جميع أنحاء الكوكب، ولن نجد مكاناً للجلوس. المشكلة هي تحدي الطبيعة". وأضاف: "وهذا حتى الآن ما لم ينجح البشر في فعله أبداً".