وصلت آمال ليبيا في إنهاء عقد من الفوضى السياسية وإجراء انتخابات شرعية بنهاية العام الجاري، لاختيار رئيس وبرلمان موحد للبلاد، إلى لحظة حاسمة. إذ تُصر الولايات المتحدة على أن الانتخابات الليبية يجب أن تجري في موعدها، لكن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين يخشون من أن الانقسامات بين الليبيين قد صارت أكثر رسوخاً من أن تُفضي هذه الانتخابات إلى نتائج ذات شرعية مقبولة.
ويُفترض أن تجري الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، غير أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق داخل البلاد حول القوانين التي يجب أن تحكم الانتخابات.
وتقول صحيفة The Guardian البريطانية، إنه في الوقت نفسه هناك مؤشرات على أن الحكومة المؤقتة، التي يُفترض أنها مُعينة من قِبل الأمم المتحدة لتسيير الأعمال قبل الانتخابات، قد تسعى إلى الاستفادة من المأزق للبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى. أضِف إلى ذلك أن القوات الأجنبية، الممولة من عدة أطراف، لا تزال موجودةً على الأرض بالآلاف.
ومن أجل ذلك كله توشك قضية ليبيا أن تُصبح عملية إعادة إعمار فاشلة أخرى تماماً مثل أفغانستان، بحسب وصف الصحيفة البريطانية.
هل وصلت الانتخابات الليبية إلى طريق مسدود؟
وشدد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، الخميس 23 سبتمبر/أيلول 2021، على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في بلاده بموعدها المقرر في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، محذراً من تحديات "حقيقية" قد تواجه العملية السياسية في ليبيا.
المنفي قال في خطاب أمام قادة ورؤساء دول العالم المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ76 في نيويورك إن "ليبيا أمامها النجاح نحو التحول الديمقراطي عبر إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ومقبولة النتائج، ومن ثم الانطلاق نحو الاستقرار الدائم والازدهار، وإما الصراع والعودة إلى مربع الانقسام والصراع المسلح". وتابع: "كل هذا يبرز الحاجة إلى وجود ضمانات حقيقية لتحقيق النجاح الذي يصبو إليه الليبيون للوصول إلى دولة ديمقراطية ومدنية".
من جهته يقول طارق مقريزي، المحلل المختص بالشأن الليبي في مجلس العلاقات الأجنبية الأوروبي: "تكمن الصعوبة في أن ليبيا تفتقر إلى أي مؤسسة سياسية ذات شعبية أو شرعية غير متنازع عليها منذ انتخاب المؤتمر الوطني العام عام 2012. حيث خلق ذلك حلبة قتال سياسي شعرت فيها النخب الحالية بأنها تتمتع بالسلطة الكافية لتتهرب من مسؤولياتها الدستورية، المتمثلة في إتمام صياغة دستور جديد وإنهاء الفترة الانتقالية، ما يعني أنهم انكبّوا على نهش بعضهم البعض سعياً وراء السلطة المطلقة، ونهب ثروات ليبيا التي كانت هائلة في يوم من الأيام".
أما في العلن، فتضغط القوى الغربية لإجراء الانتخابات في موعدها، حيث حذر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو من أن استقرار المنطقة بأكمله سيكون عرضةً للخطر إذا لم تُجر الانتخابات في موعدها.
أما مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، فقد أصر على أنه لا تراجع عن موعد الانتخابات. بينما سيعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الآخر مؤتمراً في باريس يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني من أجل التعبئة للانتخابات.
ولا يزال البرلمان الليبي في الشرق، المعروف باسم مجلس النواب، يُناقش من جهته قانوناً يسمح بإجراء الانتخابات البرلمانية بعد مرور شهرين على الموعد النهائي الأوّلي. غير أن مجلس النواب، ودون اقتراع، مرر بعد شهور من التأخير قانوناً يُنظم انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول، لكن مفوضية الانتخابات الليبية، الهيئة المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات وإعداد القوائم الانتخابية، رفضت القانون واعتبرته غير كامل.
"لا يريدون سوى الحرب والدمار"
ورُفض القانون كذلك من قبل الغرفة العُليا من البرلمان، أو المجلس الأعلى للدولة، وهو هيئة منافسة للبرلمان مقرها في طرابلس، إذ لا يرغب المجلس الأعلى للدولة إلا في إجراء الانتخابات البرلمانية، على أن يُجري بعدها استفتاء حول الدستور، قبل إجراء انتخابات رئاسية في النهاية.
وقد زاد الوضع توتراً بعد أن مرر مجلس النواب الأسبوع الماضي اقتراعاً لنزع الثقة من حكومة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، متهماً إدارته بتبديد 51 مليار دينار ليبي (نحو 11 مليار دولار أمريكي) في ثلاثة أشهر دون أي تحسن في الخدمات، وإلزام ليبيا بتعهدات في اتفاقيات مع دول أخرى بلغت قيمتها 48 مليار دينار (10.58 مليار دولار).
وطالب عقيلة صالح المتحدث باسم مجلس النواب الحكومة بالامتناع عن التوقيع على أي اتفاقات أخرى، لكن الدبيبة رد على الانتقادات قائلاً: "لم يكن ذلك قانونياً ولا دستورياً، ولا أخلاقياً". وفي تجمع حاشد في طرابلس ليلة الجمعة 24 سبتمبر/أيلول، قال الدبيبة إن "مجلس النواب مليء بالمُعرقلين الذين لا يريدون سوى الحرب والدمار".
وكان الدبيبة هو الاختيار المفاجئ لرئاسة حكومة مؤقتة مدعومة من الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي، لكن بعض الدبلوماسيين يعتقدون أنه سعيد برؤية الانتخابات تصل إلى طريق مسدود، وأنه يستخدم منصبه لمحاولة بناء قاعدة شعبية تسمح له بالبقاء على رأس السلطة المؤقتة، إذا ما تأجلت انتخابات 24 ديسمبر/كانون الأول. وفي خطابه في طرابلس، ركز الدبيبة على زيادة رواتب المعلمين، ومنحة بقيمة 7 آلاف دولار للشاب الأعزب الراغب في الزواج.
الغرب أمام خيارين لحل الأزمة الليبية
لكن وراء الكواليس، يبحث الدبلوماسيون الغربيون خطط التراجع خشية تدهور العملية السياسية حال عدم إجراء الانتخابات، إذ قد يُسفر ذلك عن سيطرة روسيا، التي تمتلك قوات في ليبيا بالفعل، بشكل أكثر إحكاماً على البلد الغني بالنفط.
وفي حال لم يتوصل الدبلوماسيون الليبيون إلى توافق حول شكل الانتخابات، فسيكون لدى المجتمع الدولي خياران رئيسيان.
الخيار الأكثر تطرفاً هو أن تدفع الأمم المتحدة الحكومة المؤقتة لقبول أو التأكيد على أن الأمم المتحدة مخولة بموجب قرارات مجلس الأمن الحالية بفرض قانون انتخابي، كما يطالب بعض الساسة الليبيين.
والخيار الثاني هو الاعتراف بأن الوقت قد نفد، وأنه لم يعد من الممكن إجراء الانتخابات، وبدلاً من ذلك سيتم تبني مبادرة الاستقرار الليبية التراجعية التي اقترحتها الحكومة المؤقتة، والتي ستحاول مرة أخرى تهيئة الظروف في المستقبل لإجراء الانتخابات.
وستتولى تلك المبادرة أمور فرض الاستقرار، ووضع دستور دائم، وإصلاح قطاع الأمن، والمصالحة.