أصبحت الطائرات المسيرة الإيرانية أو ذات الأصول الإيرانية وسيلة طهران وحلفائها المفضلة، لمشاكسة أعدائهم مع إخفاء آثار الهجمات التي ينفذونها.
فلقد أصبحت الطائرة المسيرة الإيرانية ذراع طهران الطويلة بمنطقة الشرق الأوسط دون تحمل مسؤولية مباشرة عن الهجمات التي تنفذها بهذه الطائرات، في صعوبة تحديد من يقف وراءها، حسبما ورد في تقرير لمجلة Newsweek الأمريكية.
وقال خبراء لمجلة Newsweek إنَّ مركبة جوية مُسيَّرة ظهرت في معرض للأسلحة أقامه الحوثيون الذين يحكمون معظم أنحاء اليمن في وقت سابق من هذا العام، تتشابه تشابهاً صارخاً مع طائرة انتحارية بدون طيار، التي يُعتقَد أنها استُخدِمَت في وقت لاحق في هجوم مميت على ناقلة نفط قبالة سواحل عمان.
وربط المسؤولون الأمريكيون ومحللون آخرون النظام المستخدم في تلك العملية وأخرى مماثلة بإيران، لكن الخبراء أشاروا أيضاً إلى شبه استحالة إيجاد رابط مباشر لأي مصدر منفرد.
تعرضت سفينة "ميرسر ستريت"، وهي سفينة ترفع علم ليبيريا وتعمل لصالح شركة مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، إلى انفجارين متتاليين في يوليو/تموز أثناء إبحارها عبر خليج عمان. وأدى الانفجار الأخير إلى مقتل قبطان السفينة، وهو مواطن روماني، إلى جانب ضابط أمنها، وهو مواطن بريطاني.
وأثار الحادث غضباً دولياً، وعزت الولايات المتحدة وإسرائيل الحادث إلى طائرات مسيرة أحادية الاتجاه صنعتها إيران، التي نفت أي تورط لها في الهجمات. والمشتبه به الرئيسي هو النموذج الذي أشار إليه الخبراء والمسؤولون الأجانب باسم "شاهد -136″، ما يسمى بـ"طائرة بدون طيار انتحارية" يتراوح مداها ما بين 2000 إلى 2200 كيلومتر.
وقالت الممثلة الدائمة للمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد، في جلسة لمجلس الأمن الدولي الشهر الماضي: "بناءً على تقييمنا للحطام الذي عُثِر عليه من ميرسر ستريت، نحن واثقون أنَّ النظام المستخدم في الهجوم كان الطائرة بدون طيار الإيرانية (شاهد -136) التي لا تُصنّع إلا في إيران فقط".
الطائرات المسيرة الإيرانية في كل مكان
لكن رُصِدت الطائرة بدون طيار الفريدة من نوعها من طراز "جناح دلتا" في أماكن أخرى، لاسيما في اليمن، حيث تمتلك جماعة أنصار الله، أو جماعة الحوثيين، منصة مشابهة جداً يُشار إليها باسم "وعيد". ورفض الطرفان المزاعم القائلة بأنَّ إيران تزود أنصار الله بهذه الأسلحة.
لكن لبعض الوقت، ظهرت أفضل الصور المتاحة للجمهور للطائرة بدون طيار المعروفة باسم "شاهد -136" بعد محاولة أنصار الله الهجوم على القوات المدعومة من السعودية في محافظة مأرب اليمنية، في سبتمبر/أيلول الماضي. استخدمت القيادة المركزية الأمريكية صورة من هذا الحادث في تقييمها الخاص لربط إيران بهجوم "ميرسر ستريت".
كما ظهرت الصورة في تقرير مجلة Newsweek في يناير/كانون الثاني، التي تُظهِر على ما يبدو انتشار مثل هذه الأسلحة في محافظة الجوف اليمنية. وفي نفس اليوم الذي نُشِر فيه هذا التقرير، نشر الحرس الثوري الإيراني مقطع فيديو لطائرة بدون طيار مشابهة، لكن دون اسم، وهي تُستخدَم لضرب دبابة أثناء تدريب. وبُثَت المزيد من لقطات تدريب الطائرات بدون طيار ذات أجنحة دلتا في مايو/أيار.
والآن، اطلعت Newsweek على تحليل جديد للصور، من خبير يتابع الأنشطة الإيرانية في المنطقة، ويرغب في عدم الكشف عن هويته، الذي يوضح أوجه التشابه بين الطائرة بدون طيار التي أُسقِطَت في مأرب وطائرة "وعيد"، المعروضة في معرض "الشهيد القائد"، الذي أقامته جماعة أنصار الله في 11 مارس/آذار.
ومع ذلك، مع تصاعد الاتهامات ضد طهران في أعقاب حادثة ميرسر ستريت، أطلعت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة الشهر الماضي مجلة Newsweek على رسالة سلّمتها إلى مجلس الأمن الدولي زهرة إرشادي، السفيرة الإيرانية ونائبة المندوب الدائم لدى المنظمة الدولية.
وانتقدت إيران في الرسالة استخدام المملكة المتحدة "مصطلحات غير مؤكدة مثل: مرجحة للغاية، وتقييمات أولية وواحدة أو أكثر من الطائرات بدون طيار"، بالإضافة إلى المصطلحات الغامضة مثل "الشركاء الدوليين، لاتهام جمهورية إيران الإسلامية اتهاماً تعسفياً، حسب تعبيرها، بمهاجمة سفينة ميرسر ستريت"، في رسالة لندن الخاصة إلى مجلس الأمن الدولي.
وقالت السفيرة زهرة إرشادي، إنَّ "هذا الادعاء الذي لا أساس له -والذي أثير لأول مرة لأغراض سياسية واضحة من قبل النظام الإسرائيلي مباشرة بعد الهجوم- خاطئ من الناحية الواقعية، وغير مسؤول سياسياً وأخلاقياً؛ وبالتالي فهو مرفوض رفضاً قاطعاً".
وأضافت السفيرة "عقب هذا الحدث مباشرة اتهم المسؤولون الإسرائيليون إيران بالوقوف وراء الحادث، وهذا ما يفعلونه عادة، إنها ممارسة معتادة للنظام الإسرائيلي، وهدفها تحويل انتباه الرأي العام العالمي عن جرائم النظام وممارساته اللاإنسانية في المنطقة. وتحقيقاً لهذه الغاية فإنهم يتهمون الآخرين بارتكاب مخالفات، وفي جميع الأحداث تقريباً في الشرق الأوسط تتهم إسرائيل إيران، وهم يفعلون ذلك مباشرة ودون تقديم أي دليل".
ويمثل هجوم "ميرسر ستريت" أحدث حلقة في حملة غامضة مستمرة في البحر، حيث تهدد الهجمات المتعددة التي استهدفت ناقلات النفط بإشعال التوترات في المياه الاستراتيجية للمنطقة وتعطيل التجارة الدولية.
هجوم أرامكو أثار قلق إسرائيل
ولكن قبل هجوم ميرسر كان هناك هجوم آخر، شكّل نجاحاً كبيراً لإيران في مواجهة منظومة الأسلحة الدفاعية الغربية، وهو الهجوم الصادم الذي استهدف منشأة أرامكو السعودية، في سبتمبر/أيلول 2019، وأوقف 6% من إنتاج النفط العالمي لفترة.
أثار هذا الهجوم قلق إسرائيل بشكل جدي.
وأدعى الحوثيون أنهم منفذو هذا الهجوم، ولكن الجهات السعودية والغربية والإسرائيلية تتشكك في هذا الادعاء، لأن هذا الهجوم الذي نُفذ بواسطة خليط من صواريخ كروز والطائرات المسيرة، يُعتقد أنه أعقد من أن ينسقه الحوثيون، إضافة إلى بعد المسافة بين شرق السعودية واليمن، مقابل قربها من إيران وجنوب العراق.
وبصرف النظر عمن استخدم الطائرات المسيرة في هجوم أرامكو، فإن الهجوم يشير إلى تطور قدرات إيران أو حلفائها بشكل كبير في مجال الطائرات بدون طيار.
مركز أبحاث إسرائيلي لفت النظر في ذلك الوقت إلى إمكانية استخدام إيران الطائرات دون طيار لاستهداف إسرائيل، مشيراً إلى أن إيران قد تستخدم الهجمات الحوثية ضد السعودية والإمارات، كتدريب ربما لاستهداف إسرائيل.
والأسوأ بالنسبة إلى إسرائيل هو التهديد الذي يشكله نموذج هجوم أرامكو على مفاعل ديمونة، بحسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
واستُخدِم في الهجوم 20 صاروخاً جوالاً وطائرة من دون طيار، ويتطلب شن مثل هذه العملية درجة عالية من دقة التنسيق والتواصل الآني، والملاحة، واختيار الهدف.
وسيلة فعالة لإخفاء الآثار
ولا يزال من الصعب توجيه اللوم في هجمات مثل تلك التي ضربت ميرسر ستريت، حتى عند استعادة الحطام، إذ لا ترغب الدول والكيانات المحتملة الأخرى في تحمل مسؤولية مشاركتها في مثل هذه العمليات، ويمكن لمعظمها بكفاءة إخفاء بصمات أصابعها في البحر والبر، حيث ظهرت هجمات طائرات بدون طيار مجهولة في أماكن مثل العراق.
وفي هذا الصدد، قال مسؤول عسكري أمريكي سابق وخبير طائرات بدون طيار لمجلة Newsweek: "بصراحة، أفكر في الأمر على أنه فن، في المرة الأولى التي يرسم فيها الرسام لوحة لا أحد يعرف من رسمها".
وقال المسؤول السابق "ثم يصبحون أكثر شهرة وربما يصبح أسلوبهم أوضح، وبعدها تُنسَخ الأعمال؛ ما يجعل من الصعب معرفة ما إذا كانت أصلية وحقيقية أم لا، وهو ما يتطلب حينها مهارة دقيقة لمعرفة الاختلافات الدقيقة".
وعلى هذا المنوال، فإنَّ هجمات الطائرات المسيرة لها أسلوب وتوقيع يمكن تكراره.
واسترسل المسؤول السابق: "ثم ركِّب التشبيه بحقيقة أن ما تسعى إليه حقاً هو من استخدم الطائرات المسيرة وليس من الذي صنعها؛ لذا حتى لو كنت تعلم أنَّ هناك احتمالاً كبيراً أنَّ إيران هي الصانع فمن مصلحتهم بيعها لأكبر عدد ممكن من الناس، حتى يتمكنوا من استخدامها بمزيد من العشوائية أو إخفاء آثارهم".
وأشار المسؤول العسكري السابق، في تحليله للمقارنة بين الطائرات المُسيَّرة المستخدمة في هجوم ميرسر ستريت، في يوليو/تموز، وعرض أنصار الله لها قبل أشهر في مارس/آذار، إلى أنهما "نفس الطائرة بنسبة 80%".
وحدّد آخرون أيضاً ارتباطاً بين الاثنتين، لكن مع وجود اختلافات رئيسية.
وقال خبير في الأسلحة الإيرانية واستخبارات المصادر المفتوحة، يحمل اسم مهدي لمجلة Newsweek: "تستخدم إيران تقنيات أرخص وأسهل لوكلائها، التي تسهل عليهم استخدامها وتوفر أيضاً فرصة أكبر لإمكانية إنكار مسؤولية طهران".
وأضاف أنَّ الطائرتين المُسيَّرتين اللتين شوهدتا في الصور "من الواضح أن لهما تصميماً مشابهاً، لكنهما ليستا متماثلتين".
وأوضح: "شاهد-136 تستخدم محركاً من نوع فانكل، لكن الطائرة "وعيد" تستخدم محركاً ترددياً تقليدياً".
ويتفق الخبير، الذي شارك التحليل في البداية مع Newsweek، مع رأي مهدي.
وقال ذلك الخبير: "أعتقد أنَّ طائرتي وعيد وشاهد 136 هما في الأساس نفس الطائرة بدون طيار. قد يكون لديهما محرك مختلف لكنهما متماثلتان".