كان خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد في مدينة "سيدي بوزيد"، مهد الثورة التونسية، بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول، مغايراً وأكثر قوة من خطاباته السابقة، إذ أطلق فيه "صواريخه الدستورية" التي لطالما ما هدّد بها خصومه عندما علّق العمل بالدستور، ما عدا الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات ليضم السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، لصلاحياتها الأصلية ويقطع بالتالي شعرة معاوية مع البرلمان ورئيسه وأحزاب الأغلبية الممثلة فيه.
هذه الجرأة في الخطابة واتخاذ القرارات الفردية و"المطلقة"، بحسب مراقبين، ختمها سعيّد باللحن المكرر في غالبية خطاباته السابقة، وذلك بتوجيه سهام انتقاداته على خصومه "المتآمرين" و"المتربصين" و"الخونة" و"للغرف المظلمة" و"الأطراف الخارجية"، إلى آخره من سيل الاتهامات دون تسميتهم أو تحديدهم بشكل مباشر.
كلمة سعيّد استُقبلت بحماس كبير من أنصاره الذين حضروا لوحدهم دون سواهم لسماع خطابه على غرار ما كان يقوم به في حملته الانتخابية والتفسيرية، وتخللتها حالة اهتياج غير تقليدية في خطابات الرؤساء والمسؤولين لدرجة أنه كان من الصعوبة التركيز مع ما كان يقوله في كلمته، ما ينبئ بما جاء من بعد من قرارات خطيرة وحساسة ألغت غالبية أحكام الدستور ليتم استبدالها بآليات حكم انتقالي تمكنه من إدارة البلاد وتشريع القوانين دون رقابة ومحاسبة من أي سلطة.
وقد صدرت هذه الأحكام ضمن أمر رئاسي عدد 117 لسنة 2021 في أبواب وفصول بالجريدة الرسمية للدولة التونسية بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول 2021 . وجاءت موزعة على 04 أبواب و23 فصلاً.
التخلي عن شعرة معاوية
حركة النهضة بقيادة رئيسها راشد الغنوشي تعتبر أهم طرف سياسي معنيّ بقرارات الرئيس قيس سعيّد بما أنها الحزب الأغلب في مجلس نواب الشعب الذي تم تجميد في 25 يوليو/تموز وتقريباً حله بالقرارات الرئاسية الأخيرة، ومعنية بإقالة حكومة رئيس الوزراء السابق هشام المشيشي الموالية لها، ومعنية أكثر بتغيير طبيعة النظام السياسي الذي يسعى سعيّد لفرضه ولا ترضى عنه حركة النهضة التي تميل أكثر للنظام البرلماني أو البرلماني المعدل.
هذه الحركة الرئاسية "الجريئة" عند البعض و"المتهورة" عند البعض الآخر، حسب التموقع السياسي لكل طرف، قطعت شعرة معاوية التي طالما مدتها حركة النهضة للرئيس سعيد إثر قراراتها الخاصة بتجميد البرلمان، إلا أنه كان دائماً يتخلى عنها إلى أن قطعها نهائياً بقراراتها الأخيرة دون رجعة، ولم يعد هنالك من مجال للمناورة معه أو إيجاد منطقة وسطى للحوار والتفاوض بعد ضمه لكل السلطات لمحفظته السياسية ووضع البرلمان في حالة انحلال، وإن لم يَصدر قرار رسمي واضح ومباشر بذلك، إلا أنه يعتبر نتيجة حتمية لمقدمتين سبقتاه؛ الأولى تجميد نشاطه وإغلاقه أمام النواب والإعلام، والثانية تتمثل في إلغاء كل الامتيازات المالية والمنح والجرايات التي يتمتع بها رئيس مجلس الشعب وباقي النواب ورفع الحصانة عنهم جميعاً.
قيس سعيّد لم يقطع شعرة معاوية مع حركة النهضة فقط، بل مع أغلبية الطبقة السياسية في تونس سواء كانوا معارضين له أو داعمين له في ما سمّوه "تصحيح المسار" الذي انطلق في 25 يوليو/تموز بتأويل شخصي للفصل 80 من الدستور التونسي، واعتبره خصومه انقلاباً على الدستور اكتملت معالمه إثر الخطاب الأخير الذي ألقاه في محافظة سيدي بوزيد.
ومن بين داعميه الذين تخلى عنهم ولم يعد يسمع لمشورتهم ولم يشركهم في مشروعه السياسي نجد الناشط السياسي والأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي الذي كان داعماً قوياً للرئيس سعيّد واقترح عليه سيناريو مشابهاً للسيناريو الحالي.
يقول عبو في رد فعل على تجاهل الرئيس له: "تم الاستنجاد برئيس حوله كثير من نقاط الاستفهام لضرورة وضع حد لفساد سياسي أغلق كل أبواب التقدم أمام تونس (…) فقام هذا الشخص بدل ضرب منظومة الفساد التي عجز أمامها لأسباب قد نكتشفها يوماً باستغلال هذه الحاجة المُلحَّة (الحاجة لمحاربة الفساد) بأقبح أشكال الانتهازية، معلناً سيطرته على الدولة لخدمة مشروع تافه موجه لجزء من التونسيين القابلين للاستغباء".
ولم يكتفِ عبو بذلك، بل أشار بوضوح لانحراف الرئيس سعيّد عن مبادئ الدستور الديمقراطية التي تحكم بالبلاد عندما توجه بالخطاب إلى أنصار الرئيس، عبر تدوينة على فيسبوك، بالقول: "سيكتشفون حال تردي أوضاع البلاد أنهم كانوا ضحايا وأنهم السبب في تجرؤ قيس سعيّد على دستور البلاد وديمقراطيتها الوليدة التي كانت تحتاج إلى تخليصها من الفساد لا إلى توجيهها نحو مشروع غامض لشخص غامض لا مشروع له إلا البحث عن شعبية عبر بث الوهم".
هذا الموقف تقاطع فيه معه حزب التيار الوطني الديمقراطي الذي كان من بين أهم الأحزاب المساندة لقرارات سعيّد، إلا أنه تراجع عن دعمه له بعد ما اعتبره استفراداً من الرئيس بقرارات مصيرية في تاريخ البلاد، رافضاً "استغلال رئيس الجمهورية للإجراءات الاستثنائية لمغالطة التونسيات والتونسيين وفرض خياراته السياسية الفردية كأمر واقع، وذلك على حساب الأولويات الحقيقية وعلى رأسها مقاومة الفساد ومجابهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والصحية…".
بنود قرارات قيس سعيّد
تقوم قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد المثيرة للجدل على التالي:
– مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.
– تدابير خاصة بممارسة السلطة التشريعية تخول لرئيس الدولة إصدار تشريعات في شكل مراسيم غير قابلة للنقض.
– التدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية تسمح للرئيس بجمع صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة وتجميع كامل السلطة الترتيبية بين يديه.
– إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين والتي وضعت لمراقبة تشريعات البرلمان بدل المحكمة الدستورية التي لم يتم إرساؤها منذ سنة 2014.
– مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبيانين الأول والثاني المتعلقة بالحريات وحقوق الانسان وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع التدابير الاستثنائية التي اتخذها.
– تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات الدستورية لتغيير النظام السياسي وتعديل القوانين الانتخابية بالاستعانة بلجنة من الخبراء الدستوريين يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
لا مكان لمنطقة رمادية
موقف الرئيس قيس سعيّد السلبي من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وقراره باستبعادهم من أي مرحلة انتقالية أو تأسيسية ليس جديداً. إذا لم يضع فرصة إلا وهاجم الطبقة السياسية التي دائماً ما يصفها بالانتهازية والخذلان، وقد ظهر موقفه المعادي للمنظومة الحزبية والسياسية في البلاد خلال اجتماعه الأخير وحتى الأحزاب والمنظمات الداعمة مما فاقم حالة التململ ودفعهم لاتخاذ مواقف واضحة من قرارته الأخيرة، (ما عدا حركة الشعب ومنظمة أنا يقظ) معتبرين أن ما قام به قيس سعيّد انقلاب على الدستور والديمقراطية مكتمل الأركان.
لتتوضح بالتالي الرؤية بين مواقف أنصار الرئيس أو حزبه غير المعلن الذين يعتبرون أن ما قام به سعيّد منذ 25 يوليو لليوم هو "تصحيح مسار" و"استجابة للمطالب الشعبية" بالتغيير السياسي وبين من يرى في القرار الرئاسي الأخير الذي نشر في الجريدة الرسمية للدولة التونسية بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول "انقلاباً" واضحاً وصريحاً على الدستور والديمقراطية.
وتجدر الإشارة إلى أن سعيّد صرح مرارًا وتكرارًا قبل وأثناء حملته الانتخابية لعام 2019 بأن جميع الكيانات التي تربط بين الشعب والدولة -أي الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وحتى الهيئات العامة والدستورية المستقلة- تديم الفساد وتزور إرادة الشعب.
ويقول رامي الصالحي، رئيس مكتب المغرب العربي للشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان، إن سعيّد لا يؤمن بأهمية المجتمع المدني والسياسي وسيسعى لتقليص دورهم وتأثيرهم. "ويتجاهل سعيد الدور المحوري الذي تلعبه المنظمات الوطنية في إنقاذ البلاد فعليًا، كما حدث في عام 2013، بعد اغتيال الزعيمين السياسيين شكري بلعيد ومحمد براهمي. حيث كان يمكن للبلاد أن تدخل مرحلة من الفوضى الشاملة بدون قيادة أربع منظمات مجتمع مدني كبرى، وهي: الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وعمادة المحامين التونسيين، ورابطة حقوق الإنسان، التي قادت تونس من خلال حوار وطني شامل وصعب، تُوّج بإيجاد خارطة طريق سياسية التزمت بها جميع الأطراف. وحصل الرباعي الراعي للحوار إثرها على جائزة نوبل للسلام عام 2015 في حدث استثنائي".
بين الانقلاب وتصحيح المسار
تجميع قيس سعيّد للسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بين يديه وإلغائه للهيئات الدستورية (هيئة مكافحة الفساد، الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين..) وتكليف نفسه بصياغة دستور جديد للبلاد، كل تلك عوامل جعلت الاستقطاب يشتد بين من يدعم الرئيس في قرارته ومن يعارضه. كما أن الفرز السياسي أصبح واضحاً الآن بعد انقشاع الضبابية التي كانت تخيم على مواقف بعض الأطراف والشخصيات الفاعلة من برنامج سعيّد السياسي. وتحول تاريخ خطابه 21 سبتمبر/أيلول 2021 لمسبار سياسي توضحت فيه بشكل أساسي المواقف المساندة والمواقف المناوئة للرئيس، ولم يعد التردد والارتباك يحكم على مواقف فئة من التونسيين.
في هذا السياق، يقول غازي الشواشي النائب في البرلمان عن الكتلة الديمقراطية، في تدوينة على موقع فيسبوك إن "من ينقلب على دستور البلاد يفقد شرعيته وتستوجب مقاومته". هذا الموقف لأحد داعمي قرارات 25 يوليو لم يكن استثناء. فالعديد من المواقف لأحزاب وشخصيات سياسية اجتمعت حول تجريم قرارات الرئيس قيس سعيّد الأخيرة واعتبرتها انقلاباً على الدستور والشرعية نجد من بينهم حزب التكتل الديمقراطي الذي يرأسه مصطفى بن جعفر والحزب الجمهوري وحزب آفاق تونس.
من جانبه، يرى فوزي عبد الرحمان، وزير التشغيل الأسبق في حكومة يوسف الشاهد، والذي لم يكن معترضاً على قرارات الرئيس في 25 يوليو، في تشخيصه للوضع السياسي الحالي أن "هذا النظام يسمى في القاموس السياسي: نظام حكم فردي واستبدادي وهو يشرع للاعتباطية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا يبشر إلا بالظلم والقهر والاحتراب بين أفراد الشعب الواحد".
ويقول أيضاً تعليقاً على المشروع السياسي للرئيس: "نحن على أبواب خطر داهم (…) وهو الإفلاس المالي والاقتصادي وخطر داهم أكبر وهو الإفلاس الحضاري، والذي خطونا خطوات جدية باتجاهه".
اللافت في هذا الإطار أن حركة النهضة التي كانت تسعى للحفاظ على شعرة معاوية مع الرئيس وتستعمل لغة دبلوماسية لينة في بياناتها مستبعدة مصطلح "انقلاب" من أغلبية بيانتها بعد 25 يوليو أصدرت مؤخراً بياناً صعدت فيه اللهجة ضد الرئيس قيس سعيّد بشكل غير مسبوق، حيث اعتبرت أن القرار الرئاسي الذي صدر بالرائد الرسمي بتاريخ 22 سبتمبر/أيلول "تعليقاً فعلياً لدستور الجمهورية وتعويضاً له بتنظيم مؤقت للسلطات ونزوعاً واضحاً نحو حكم استبدادي مطلق وانقلاباً سافراً على الشرعية الديمقراطية وعلى مبادئ الثورة التونسية وقيمها".
بالمقابل، يسعى أنصار الرئيس وداعموه من داخل النخبة السياسية والخبراء الدستوريين إلى طمأنة الرأي العام حول مصير البلاد بعد إجراءات الرئيس، وبأنها لا تمس منظومة حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية التي جاءت بها "ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول" كما يحلو للرئيس تأريخها.
يقول أمين محفوظ، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، وأحد المرشحين للجنة التي ستساعد الرئيس في صياغة التعديل الدستوري الجديد، في تعليقه على المخاوف من الانقلاب على حقوق الإنسان: "لا خوف على الحقوق، وخاصة منها حقوق المرأة، والحريات". ويضيف في تصريح لإذاعة محلية: "يجب أن تهدف مشاريع هذه التعديلات (الدستورية) إلى التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء، ويقوم على أساس الفصل بين السلط والتوازن الفعلي بينها، ويكرس دولة القانون، ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف ثورة 17 ديسمبر 2010 في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ويعرضها رئيس الجمهورية على الاستفتاء للمصادقة عليها"، على حد تعبيره.
وجهة الرئيس الأخيرة
بعد خارطة الطريق الأخيرة التي أطلقها الرئيس قيس سعيّد في محافظة سيدي بوزيد، ووثقها في أبواب وفصول في جريدة الرائد الرسمي، لم يعد من مجال للشك أن الرئيس متجه بشكل ثابت وواثق نحو تأسيس الجمهورية الثالثة، ليسير على خُطى الجنرال الفرنسي الشهير شارل ديغول الذي نجح سنة 1958 في القيام باستفتاء على تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي لنظام شبه رئاسي مدشناً بذلك عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة.
لكن الفرق بين التعديلين والجمهوريتين: جمهورية سعيّد المنتظرة وجمهورية ديغول الخامسة (تأسست منذ 63 عاماً)، هو أن رؤية سعيّد للنظام الرئاسي تقوم على احتكار أهم وأغلب الصلاحيات التنفيذية للحكم بما فيها صلاحيات رئيس الحكومة ليصبح في موقع الوزير الأول المنفذ لتوجيهات الرئيس، مثلما جاء في الفصلين 18 و19 من التدابير الاستثنائية المضمنة في الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021، في حين أن الجمهورية الخامسة التي أسسها الجنرال ديغول تقوم على نظام شبه رئاسي متناصف يحتفظ فيه رئيس الدولة بحقيبة الدبلوماسية والدفاع والأمن القومي، ويتقاسم الصلاحيات التنفيذية مع رئيس الحكومة التي يمارسها هذا الأخير بشكل مستقل عن إرادة الرئيس، خصوصاً إذا كان رئيس الحكومة لا ينتمي للعائلة السياسية للرئيس.
من المنتظر أن يطرح سعيّد تصوره للجمهورية الثالثة على الاستفتاء الشعبي حسب أحكام الفصل الثالث من دستور سنة 2014 الذي يقول إن "الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين (النواب) أو عبر الاستفتاء"، ليسقط بذلك الفرضية الثانية لتعديل الدستور حسب الفصلين 143 و144 التي تقول بأن كل مبادرة لتعديل يقترحها رئيس الدولة تعرض على المحكمة الدستورية ومجلس نواب الشعب للمصادقة عليها قبل أن تصبح سارية المفعول، وهو الخيار الذي تلتف حوله أغلبية الطبقة السياسية من معارضي الرئيس.
وأمام هذا الجدل الفكري والسياسي الذي يرافق مسار تغيير الدستور وغموض برنامج سعيد السياسي والتنموي ما بعد تثبيت جمهوريته الثالثة، إذا ما نجح الاستفتاء الشعبي، تبدو المقاربة الأيديولوجية "الشعبوية"، بحسب خصوم الرئيس، فضاء للإصلاح السياسي والتبشير بنموذج تنموي جديد، في أعين مريديه.
في هذا الاطار، يقول القيادي بحركة الشعب عبد الرزاق عويدات في تصريح للجزيرة: "نحن الآن في مسار سياسي جديد سيتم بموجبه مراجعة منوال تنموي قائم منذ 1986، ويمهد الطريق نحو جمهورية ثالثة بنظام سياسي وانتخابي جديد، ومنوال اقتصادي واجتماعي مختلف عن سابقيه يلبي طموح الشعب".
السيناريوهات المتوقعة
العديد من السيناريوهات المحتملة للأزمة السياسية وارد حدوثها في المرحلة القادمة من تاريخ البلاد بناء على التطورات الأخيرة التي لمسناها في النقاش العام حول قرارات الرئيس الأخيرة والشارع السياسي المتغير بحسب مدى تقدم الرئيس في برنامجه بتعديل أو إلغاء الدستور والولوج للجمهورية الثالثة.
السيناريو الأول: يواصل الرئيس قيس سعيّد في تنفيذ خارطة الطريق التي رسمها لنفسه من خلال تعيين رئيس حكومة ووزراء وكتاب دولة، والذهاب نحو استفتاء على الدستور بالموازاة مع حراك الشارع السياسي، ولجوء خصوم الرئيس من أحزاب برلمانية ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات حقوقية وسياسية للتظاهر في الشارع تنديداً بالانقلاب الدستوري"، ومواصلتهم حشد الرأي العام الداخلي والمجتمع الدولي للوقوف إلى جانبهم والضغط على سعيّد من أجل التراجع والحوار.
السيناريو الثاني: تطور الصراع والمشاحنات بين أنصار الرئيس وخصومه من خلال تكثيف المظاهرات والاعتصامات والمظاهرات المضادة، وتطور التحركات الاحتجاجية السلمية إلى مواجهات عنيفة في الشارع بين أنصار الطرفين المتنازعين، وسقوط البلاد في الفوضى، مما يتطلب تدخل الجيش وعسكرة الفضاء العام واللجوء للأحكام العرفية، وما يعنيه ذلك تولّي المؤسسة العسكرية لمقاليد الحكم وتعليق الديمقراطية والحريات وإغلاق قوس الثورة.
السيناريو الثالث: أن يقبل قيس سعيّد بمقترحات حركة النهضة وحلفائها بفتح الأبواب لحوار وطني حول الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، يلعب فيه الاتحاد العام التونسي للشغل دوراً مهماً كوسيط لإدارة الحوار بين الطرفين مثلما حصل في سنة 2013.
ويتم من خلال ذلك تحديد الأولويات المطروحة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي من الانهيار وعودة مجلس الشعب لسالف النشاط، ومناقشة نواب البرلمان لمقترحات الرئيس بتعديل الدستور والقانون الانتخابي، والاتفاق حول إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال للنظر في مقترحات الرئيس بتغيير النظام السياسي وتجاوز الأزمة بأقل الأضرار.