منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، اندلعت حرب أهلية شديدة التعقيد والمأساوية في إثيوبيا بين إقليم تيغراي، بقيادة النخبة الحاكمة السابقة بإثيوبيا، والحكومة الفيدرالية الإثيوبية والجيش الإريتري، الذي تدخَّل لدعم أديس أبابا. وقد أدت هذه الحرب بالفعل إلى مقتل آلاف المقاتلين والمدنيين وتشريد أكثر من 1.7 مليون شخص.
ووسط التقارير الواردة عن هذه الفظائع والضربات الجوية العشوائية والانتشار في الإقليم والانتكاسات الدراماتيكية بساحة المعركة، شهد هذا الصراع المتصاعد، في أيامه الأولى، هجمات بعيدة المدى بأنظمة صاروخية ومدفعية متطورة مستوردة من الصين، كما تقول مجلة The National Interest الأمريكية. وفضلاً عن ذلك، ظهرت تقارير تفيد باستخدام طائرات بدون طيار مسلحة، لكنها ظلت دون تأكيد حتى هذا الصيف.
ورغم أننا قد نشاهد هذه النوعية من الأسلحة في طليعة سباق التسلح بين الصين وروسيا والولايات المتحدة، تكشف حرب تيغراي كيف تجد الأشكال ذات الأسعار المعقولة من هذه الأسلحة طريقها إلى حروب تدور رحاها بين أطراف أقل ثراءً أيضاً.
كيف وصلت هذه الصواريخ إلى إثيوبيا؟
معظم الأسلحة الثقيلة التي تملكها قوات الدفاع الوطني الإثيوبية (ENDF) من منشأ سوفييتي/روسي وأوكراني، ومن بينها دبابات T-72 وطائرات Su-27 وMiG-23 المقاتلة. لكن الأسلحة التي تشتريها مؤخراً تأتيها من الصين، وتضم نوعين من راجمات الصواريخ الثقيلة 300 ملم: CALT A-200 و Norinco AR2. وكلتاهما مصممة على غرار الراجمة BM-30 Smerch الروسية.
وبإمكان راجمات الصواريخ الثقيلة قذف صواريخ شديدة الخطورة والانتشار، في فترة زمنية قصيرة. وفضلاً عن ذلك، بإمكان الصواريخ الأكبر ضرب أهداف أبعد من خط المواجهة. ويبلغ مدى الراجمة A200 المكونة من 10 صواريخ، نحو 121 كم (75 ميلاً)، فيما يبلغ مدى الراجمة AR2 المكونة من 12 صاروخاً (نموذج مخصص للتصدير من راجمة الجيش الصيني Type 03)، نحو 130 كم (81 ميلاً).
وبإمكان هذه الصواريخ حمل الرؤوس الحربية التقليدية شديدة الانفجار أو القنابل الفراغية شديدة الخطورة أو القنابل العنقودية الصغيرة، وتتوافر منها أيضاً نسخ مزودة بنظام دقيق التوجيه يعتمد على نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية "بيدو".
وبإمكان راجمة الصواريخ A200 حمل صاروخين باليستيين صينيين من طراز M20. ويبلغ مدى صاروخ M20، وهو نموذج مخصص للتصدير من منظومة DF-12 SRBM المتنقلة الصينية، رسمياً 174 ميلاً (280 كم). ومثل صواريخ إسكندر الروسية، بإمكانه نشر تدابير مضادة وتنفيذ مناورات لتحاشي اعتراض الدفاعات الجوية، والجمع بين التوجيه بالأقمار الصناعية والتوجيه الذاتي ينتج عنه متوسط دقة يتراوح بين 30 و50 متراً عند التصويب على هدف معين.
وفي بداية الحرب في نوفمبر/تشرين الثاني، استولت قوات تيغراي على ما لا يقل عن اثنتين من راجمات الصواريخ M20/A200 وراجمة AR2، وعدد من عربات التحميل. وقد أعادت قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية راجمة AR2 أواخر عام 2020 إلى حوزتها، وطالها التدمير في النهاية. ويُزعم أيضاً أن راجمة منظومة M20/ A200 عادت إلى حوزة قوة الدفاع الوطنية الإثيوبية في يوليو/تموز عام 2021.
صواريخ التيغراي فوق إريتريا وأمهرة
وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، نفذت منظومة M20 تمتلكها قوات التيغراي غارات على قواعد جوية في قوندر وعاصمة مقاطعة أمهرة بحر دار إلى الجنوب، على بعد 180 ميلاً (نحو 290 كم) من ميكيلي. وفي الضربة الأولى، دمر صاروخٌ صالةَ الوصول في قوندر، بينما أخطأ صاروخ آخَر المطار في بحر دار. ونُفذ هجومان آخران في نوفمبر/تشرين الثاني. وتُظهر صور الأقمار الصناعية حفرة أحدثها أحد الصاروخين في ساحة خدمات الطائرات بمطار بحر دار.
ورداً على التدخل الإريتري في الحرب، قصفت قوات دفاع تيغراي أيضاً العاصمة الإريترية أسمرة ومدينة مصوع ثلاث مرات في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بأربعة وستة صواريخ أطلقت في 27 و28 نوفمبر/تشرين الثاني على التوالي.
تشير روايات مختلفة إلى أن هذه الصواريخ سقطت على مطار أسمرة الدولي ومنشآت عسكرية وبعض الضواحي المحيطة، ولكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات. وبالنظر إلى هذه المسافة القصيرة- نحو 50 ميلاً (80 كم) و75 ميلاً (121 كم) على التوالي من الحدود- فمن الجائز أن هذه الهجمات نُفذت براجمات صواريخ ثقيلة وليس صواريخ باليستية.
قوة الطائرات المسيرة الغامضة في إثيوبيا
استدعت أديس أبابا مروحيات Mi-35 الحربية بأعداد كبيرة ونحو 30 مقاتلة من طراز MiG-23 وSu-27 لتنفيذ ضربات جوية في الحرب. وأفادت تقارير بأن العديد من هذه الهجمات الجوية تسببت في خسائر فادحة بصفوف المدنيين، وكان أكثرها فداحة في 23 يونيو/حزيران، حين تسببت غارة في يوم مزدحم في توغوغا، بمقتل 64 مدنياً وجرح 184 آخرين.
لكن قوات تيغراي تملك بالفعل بعض أنظمة الدفاع الجوي. والخسائر المؤكدة المنسوبة إلى صواريخ إيغلا أرض-جو التي تُحمل على الكتف، تشمل طائرة MiG-23 وأسر قائدها، وطائرة شحن L-100-30، ومروحية من طراز Mi-35.
ولذلك، يبدو أن الطائرات المسيرة تقدم شكلاً أقل تكلفة وخطورة من القوة الجوية. وفي الواقع، يعود تاريخ التقارير التي تفيد بأن قوة الدفاع الوطني الإثيوبية كانت تستخدم طائرات مسيرة مسلحة إلى مرحلة مبكرة من الحرب، حيث زعمت قيادة قوات تيغراي أن طائرات مسيرة صينية الصنع تستخدمها الإمارات تنفذ مهمات لصالح الحكومة الإثيوبية، لكن هذه التقارير لم تُؤكَّد.
لكن جنرالاً في القوات الجوية الإثيوبية أكد أن القوات الجوية تستخدم طائرات مسيرة، لكنها ليست مسلحة. فالشرطة الفيدرالية الإثيوبية، مثلاً، تملك طائرات صينية مسيرة، ومن المعروف أيضاً أن القوات الجوية الإثيوبية تملك طائرات الاستطلاع Aerostar Tactical الإسرائيلية وواندر بي.
وبالنظر إلى علاقة إثيوبيا مع الصين والتكلفة المعقولة للطائرات المسيرة الصينية القتالية، افترض كثيرون أن الصين مصدر هذه الأسلحة، حيث زعمت بعض مصادر الطرف الثالث أن القوات الجوية الإثيوبية تملك طائرات مسيرة مسلحة من طراز CASC CH-4B Rainbow أو Wing Loong II. على أنه لم تتوافر أدلة بصرية تؤكد ذلك.
وأخيراً، في 3 أغسطس/آب، أظهرت مجموعة من الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للحكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، سائراً على مدرج مطار سيمارا وتظهر خلفه طائرة مسيرة مقاتلة كبيرة (UCAV) تبرز من أسفل أجنحتها أجزاء صلبة يبدو أنها تحمل صواريخ. وكشفت صور الأقمار الصناعية، في 2 أغسطس/آب، وجود طائرتين مسيرتين في القاعدة.
وأشار موقع التحقيقات مفتوحة المصدر Bellingcat إلى أن ملف هذه الطائرة المسيرة يُظهر أنها إيرانية من طراز Mohajer-6 UCAV. والصور التي تُظهر الجزأين الخارجي والداخلي لمحطة التحكم الأرضية لهذه الطائرات المسيرة، تتطابق بدرجة كبيرة مع الصور الإيرانية لنظام التحكم في طائرات Mohajer-6.
وطائرات مهاجر-6 أحدث نسخة من عائلة الطائرات المسيرة التي استخدمتها إيران في القتال لأول مرة بمنتصف الثمانينيات، وبإمكانها تنفيذ مهام استطلاع باستخدام مستشعر كهربائي بصري ذي محورين وتنفيذ ضربات باستخدام قنابل انزلاقية دقيقة من نوع Qaem-1. لكن فائدة طائرات مهاجر-6 مقيدة بنطاقها البالغ 124 ميلاً (نحو 200 كم)، وهو ما يحدُّ من وصولها فوق تيغراي. وميكيل، على سبيل المثال، على بعد 155 ميلاً (249 كم) من سيمارا.
على أن حرب تيغراي المستمرة توضح كيف أن الطائرات المقاتلة المسيرة والصواريخ بعيدة المدى تسقط في أيدي مزيد من الأطراف المتحاربة على مستوى العالم، ونشهد استخدامها المتكرر في الحروب. ويمكن القول إن الطائرات المسيرة شكل من أشكال القوة الجوية الأقل خطورة وتكلفة، في حين توفر الصواريخ والمدفعية الصاروخية وسيلة بديلة لمهاجمة الأهداف العسكرية والمدنية البعيدة عن الخطوط الأمامية.