ظاهرة غريبة انتابت سوق ألعاب الفيديو وهي عودة مطوري هذه الألعاب إلى تصنيع النسخ القديمة الكلاسيكية من إنتاجهم، بعدما أشيع أنها عفى عليها الزمن، ليس فقط بسبب رغبة الأجيال الكبيرة في الحنين إلى ذكريات الماضي، بل بسبب طلب الأجيال الصاعدة لهذه الألعاب دون معرفة السر وراء هذا الأمر.
فهذا العام وحده، أصدر مطورا ألعاب الفيديو المخضرمان، غاري كيتشن وديفيد كرين، لعبة جديدة لمنصة الألعاب Atari 2600، رغم توقف إنتاج منصة الألعاب منذ بضع وثلاثين عاماً.
وبحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية لا يقتصر الأمر عليهما فقط، إذ تصنّع الشركات مثل Limited Run Games وStrictly Limited Games شرائط جديدة للألعاب القديمة، بل ألعاب جديدة لم تُطرح من قبل، لمحركات الألعاب التي تسبق عصر الهاتف الذكي. يقول جوش فيرهيرست، رئيس شركة Limited Run بولاية كارولينا الشمالية: "لم يمت سوق تلك المنصات، بل هناك الكثير من الطلب عليها، وهو في تزايد مستمر".
العودة للألعاب القديمة
سجلت أسعار الألعاب القديمة أعلى مستوياتها في السنوات الأخيرة، وأبرز دليل على ذلك ما شهدته المزادات من أرقام قياسية لأسعار عدد من الألعاب الكلاسيكية القديمة، مثل بيع نسخة من لعبة Super Mario 64 بحالة ممتازة مقابل 1.5 مليون دولار. مورّدو الألعاب القديمة شحيحون، والطلب متزايد؛ ولا يقتصر الطلب على كبار السن الذين يريدون الألعاب التي تذكّرهم بشبابهم وطفولتهم، بل أيضاً من أشخاص لم يولدوا حتى عندما كان محرك الألعاب Sega Mega Drive يغزو الأسواق. يقول فيرهيرست: "تريد الأجيال الجديدة العودة إلى الماضي وتجربة الألعاب الكلاسيكية التي لم يعاصروها. يولد هواة جمع الألعاب القديمة في كل يوم".
بالنسبة لجوش فيرهيرست، يعد إنتاج شرائط جديدة للألعاب طريقة توفير تلك الألعاب للأشخاص غير القادرين على دفع تلك الأرقام الفلكية التي يدفعها هواة جمع الألعاب الكلاسيكية. وضرب مثالاً بلعبة Shantae على محرك الألعاب Game Boy Color، أول إصدار من تلك السلسلة التي أصبحت تحظى بشهرة كبيرة الآن. تُباع النسخة الأصلية من تلك اللعبة النادرة بحوالي 600 دولار، بينما تنتج Limited Run شرائط جديدة للعبة بمقابل أقل بكثير.
ولكن لماذا قد تشتري شرائط ألعاب بينما مئات الألعاب الكلاسيكية أصبحت متوفرة للشراء رقمياً على محركات الألعاب العصرية، بل يمكنك لعب الكثير منها مجاناً من خلال برامج المحاكاة المشكوك في قانونيتها؟!
يقول دينيس ميندل، رئيس شركة Strictly Limited Games في شتوتغارت، ألمانيا: "يتعلق الأمر بالأصالة. منصة الألعاب الأصلية هو ما يهم فعلاً، إذ توفّر إحساساً ملموساً بالامتلاك. في اللعبة الرقمية، يشتري المستهلك ترخيصاً للعب اللعبة بدلاً من امتلاكها بشكل مباشر. بينما شرائط اللعبة الأصلية من الشركة لا يمكن تحديثها رقمياً، وعندما تشتريها، لا يمكن أن تُحرم من حقوق لعبها في أي وقت من الأوقات".
وهناك أيضاً عامل الجذب غير المتوقع للوسائط المادية، وهو ما عبّر عنه فيرهيرست عندما قال: "يتوق الأطفال الذين نشأوا في العصر الرقمي لبعض من هذه الأشياء المادية، لذا أصبحت تلقى رواجاً فيما بينهم، لأنها مختلفة عمّا اعتادوا عليه".
لا تكتفي الشركات بإنتاج شرائط جديدة لألعابها الكلاسيكية المعروفة، بل أصبحت تطرح ألعاباً جديدة للأجهزة القديمة، وأعادت طرح بعض الألعاب التي لم تحقق النجاح المنتظر عند طرحها للمرة الأولى منذ وقت طويل.
المعوقات التكنولوجية
فقد طرحت شركة Strictly Limited لعبة Ultracore لمحركات الألعاب Mega Drive في عام 2019، اللعبة التي طورتها الشركة السويدية Dice (المشهورة الآن بسلسلة ألعاب Battlefield). ويُذكر أن لعبة Ultracore ألغى الناشر إصدارها في عام 1994 قبل طرحها مباشرة. أنتجت الشركة 2000 شريط للعبة بيعت كلها فور طرحها تقريباً. يقول ميندل: "لم نحسن تقدير قوة وقيمة الألعاب الكلاسيكية القديمة في ذلك الوقت".
وطرحت Limited Run ايضاً ألعاباً جديدة لأنظمة ومحركات الألعاب القديمة، مثل لعبة GALF ولعبة Jay and Silent Bob: Mall Brawl على منصة الألعاب NES. يقول فيرهيرست: "يحب المطورون الأجهزة القديمة لأنها تسمح بتطوير الألعاب من خلال فريق يضم شخصين أو ثلاثة أشخاص فقط، ولا تشترط أن تكون اللعبة عملاقة أو معقدة، وتظل ممتعة وجذابة لمن يلعبها".
بالنسبة لغاري كيتشن، كانت العودة للعمل على منصة Atari 2600 تمثّل تحدياً له لتطوير أفضل لعب ممكنة للنظام. عمل كيتشن في شركة Activision في أوائل ثمانينات القرن الماضي، وأسس في وقت سابق من هذا العام، مع شقيقه دان وديفيد كرين، شريكه المؤسس في Activision، شركة Audacity Games. وأصدرت الشركة مؤخراً لعبة Circus Convoy، التي استغرق تطويرها ثلاث سنوات. يقول غاري: "إنها لعبة ممتازة، عملنا على كل تفاصيلها للوصول إلى المثالية، ولم يكن هناك من يتعجل خطانا". وعبّر غاري عن مدى ابتهاجه بردود الفعل على اللعبة، يقول: "تلقيت الكثير من الرسائل على شاكلة (لا يمكنني إخبارك بمدى أهمية اللعبة بالنسبة لي، كأنني عدت طفلاً في العاشرة، أنتظر وصول شريط اللعبة الجديدة في البريد)".
لماذا انتعش سوق الألعاب الكلاسيكية؟
وأكّد كيتشن أن الأمر يتعلق بالشغف أكثر مما يتعلق بالمال، فهوامش الربح في إنتاج شرائط ألعاب محركات الألعاب القديمة محدودة، وعادة ما يكون حجم الإنتاج نفسه صغيراً، يتراوح من 2.000 إلى 10.000 وحدة. يقول فيرهيرست إن شركة Limited Run تعمل مع مورد موثوق لإنتاج ألواح دارات مطبوعة مخصصة ووحدات حقن بلاستيكية لإصداراتها، وهي عملية ليست رخيصة أبداً. يقول: "التكلفة الفعلية للوحدة الواحدة قد يتراوح بين 30 دولاراً وأربعين دولاراً، بينما أقصى ما يمكن للمستهلك دفعه مقابل شريط الألعاب الواحد 55 دولاراً. ولا تنسَ أننا نتقاسم هذا المبلغ مع جهة منح التراخيص البرمجية للألعاب. وفي نهاية الأمر، تجد أننا نجني دولارين فقط ربحاً عن كل وحدة، لذا فهي بالتأكيد ليست مربحة".
وذكر فيرهيرست أن شرائط الألعاب المستنسخة تُباع بسعر أقل كثيراً، ولكنها عادة ما تُصنع من مواد رخيصة قد تتسبب في إتلاف محرك الألعاب أو حتى في مخاطر اشتعال حرائق. وأضاف أن مطوري الألعاب لا يحصلون على أي أموال من الشرائط المستنسخة. ويتفق معه ميندل في ضرورة توفير الدعم لمطوري الألعاب لاستدامة السوق. إذا حصل المطورون على أموال مقابل كل شريط جديد يُباع للمستهلك، قد يبدأ التفكير في تطوير إصدار جديد من اللعبة التي تحظى باهتمام كبير أو تطوير لعبة جديدة قائمة عليها.
يعتقد مندل أن هناك مسؤولية اجتماعية تتمثل في الحفاظ على هذه الألعاب والأنظمة القديمة حتى يتمكن الناس من تقدير كيفية تطوّر الألعاب، بنفس الطريقة التي يقدر بها عشاق السينما أفلام تشارلي شابلن. يقول فيرهيرست: "بمنتهى البساطة، يحب البشر امتلاك شيء ملموس. يحبون شعور فتح الصندوق، والنظر في دليل الاستخدام، وتجميع الأجزاء، والاستمتاع بالنتيجة. إنها تجربة كاملة من المتعة بالنسبة لهم".