5 تريليونات دولار أنفقتها الولايات المتحدة في حربي أفغانستان والعراق، بدون أي نتيجة تعود على شعبي البلدين، بل النتيجة تدهور الأوضاع في هذين البلدين وازدياد خصوم أمريكا قوة.
فأين ذهبت هذه الأموال، التي لم يستفِد شعبا العراق وأفغانستان منهما شيئاً، وما هي الجهات التي اقتنصت أغلبية هذه الأموال؟
كم إجمالي المبالغ التي أنفقتها الولايات المتحدة في أفغانستان؟
تضاربت تقديرات الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه حول حجم النفقات الأمريكية في أفغانستان منذ غزوها قبل 20 عاماً، حيث تراوحت بين تريليون إلى تريلونَي دولار في أفغانستان.
ويشير تقرير لموقع شبكة هيئة الإذاعة البريطاني (BBC[HF1]) إلى أنه بين عامَي 2010 و2012، عندما كان لدى الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف جندي في البلاد لبعض الوقت، ارتفعت تكلفة الحرب إلى أكثر من 100 مليار دولار سنوياً، وفقاً لأرقام الحكومة الأمريكية.
مع تحويل الجيش الأمريكي تركيزه بعيداً عن العمليات الهجومية وتركيزه بشكل أكبر على تدريب القوات الأفغانية، انخفضت التكاليف بشكل حاد إلى حوالي 45 مليار دولار في السنوات الأخيرة.
وفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في أفغانستان (من أكتوبر/تشرين الأول 2001 حتى ديسمبر/كانون الأول 2020) 825 مليار دولار، مع إنفاق حوالي 130 مليار دولار أخرى على مشاريع إعادة الإعمار.
تم إنفاق أكثر من النصف على بناء قوات الأمن الأفغانية، بما في ذلك الجيش الوطني الأفغاني وقوات الشرطة.
وتم تخصيص ما يقرب من 36 مليار دولار للحوكمة والتنمية، في حين تم تخصيص مبالغ أصغر أيضاً لجهود مكافحة المخدرات وللمساعدات الإنسانية.
وهذا يرفع التكلفة الإجمالية، استناداً إلى البيانات الرسمية، إلى حوالي 955 مليار دولار بين عامَي 2001 و2020، وهو ما يقرب من تقدير أقل بمقدار تريليون دولار من قبل بايدن.
أما الرقم 2 تريليون دولار الذي أشار إليه الرئيس بايدن فهو يستند إلى دراسة حديثة أجرتها جامعة براون، والتي تتضمن الفائدة على الديون المستخدمة لتمويل الحرب والنفقات مثل رعاية المحاربين القدامى.
تشمل هذه الدراسة أيضاً الإنفاق في باكستان، والذي استخدمته الولايات المتحدة كقاعدة للعمليات المتعلقة بأفغانستان، وتستمر حتى السنة المالية 2022 بناءً على الأموال المطلوبة.
ووجد أن تكاليف الحرب (والالتزامات المستقبلية) في أفغانستان من 2001 إلى 2022 تبلغ 2.3 تريليون دولار.
كانت هناك دول أخرى أيضاً جزءاً من وجود القوات الأجنبية في البلاد، بما في ذلك أعضاء آخرون في حلف الناتو.
أين ذهبت هذه الأموال التي أُنفقت في حربي أفغانستان والعراق؟
كان الجزء الأكبر من الأموال التي أنفقت في أفغانستان على ما يوصف بعمليات مكافحة التمرد، وعلى احتياجات القوات مثل الطعام والملبس والرعاية الطبية والأجور والمزايا الخاصة.
ولكن هناك قطبة مخفية في هذه النفقات في حربَي أفغانستان والعراق على السواء، وهي المتعاقدون وشركات قطاع صناعة الدفاع الأمريكية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
فلقد فاق عدد المتعاقدين العسكريين الخاصين عدد القوات الأمريكية الموجودة على الأرض خلال معظم الأوقات في النزاعين، وفي مقابل نزيف الخسائر البشرية والمادية، ارتفعت أسهم صناعة الدفاع الأمريكية.
إذ تقول الصحيفة البريطانية إنه بينما تتشاجر واشنطن حول ما تم تحقيقه، إن وجد، فلقد تبين أنه بعد 20 عاماً وإنفاق ما يقرب من 5 تريليونات دولار على "الحروب الأبدية"، هناك فائز واحد واضح هو: صناعة الدفاع الأمريكية.
في العراق وأفغانستان، اعتمد الجيش الأمريكي بدرجة غير مسبوقة على متعاقدين من القطاع الخاص للدعم في جميع مناطق العمليات الحربية تقريباً. قام المقاولون بتزويد الشاحنات والطائرات والوقود والمروحيات والسفن والطائرات بدون طيار والأسلحة والذخائر بالإضافة إلى خدمات الدعم من تقديم الطعام والبناء إلى تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجستية.
فاق عدد المتعاقدين على الأرض عدد القوات الأمريكية في معظم سنوات النزاعات. بحلول صيف عام 2020، كان لدى الولايات المتحدة 22562 متعاقداً في أفغانستان – ما يقرب من ضعف عدد القوات الأمريكية.
التمويل الطارئ وسيلة الإنفاق
تمت تغذية جيوب ملاك صناعة الدفاع بنفس الطريقة التي تمويل بها الحروب من خلال الإنفاق الطارئ.
فلقد استخدم الكونغرس التمويل "الطارئ" و"الطارئ" الذي تحايل على عملية الموازنة العادية.
خلال العقد الأول من الصراع، استخدمت الولايات المتحدة مخصصات الطوارئ، والتي عادة ما تكون مخصصة للأزمات لمرة واحدة مثل الفيضانات والأعاصير. كان الإشراف المفصل على الإنفاق ضئيلاً. ولأن هذا النوع من الإنفاق مستثنى من توقعات الميزانية وتقديرات العجز، فقد مكن الجميع من الحفاظ على التظاهر بأن الحروب ستنتهي قريباً.
في العام المنتهي في يونيو/حزيران 2020، استحوذت الشركات الخمس الكبرى على ما يقرب من ثلث مبلغ 480 مليار دولار الذي التزم به البنتاغون لمقاولي الدفاع. في حين أن جزءاً بسيطاً فقط من هذه المبيعات كان مخصصاً للعراق وأفغانستان، كان الصراع مربحاً للغاية لجميع مقاولي الدفاع الرئيسيين.
طائرات أمريكية بلا فائدة
على سبيل المثال، قامت شركة لوكهيد مارتن بتصنيع مروحيات بلاك هوك المستخدمة، على نطاق واسع في أفغانستان، بعد أن تم وقف تمويل شراء طائرات ميل مي 24 التي كان يستخدمها الجيش الأفغاني استجابة للعقوبات الأمريكية على روسيا، علماً بأن طائرات بلاك هوك الأمريكية ثبت أن الفنيين الأفغان كانوا لا يجيدون إصلاحها عكس الطائرات الروسية، كما أن أقل صلاحية في العمل في جبال أفغانستان الشاهقة مقارنة بالمروحيات الروسية ميل مي 24.
باعت شركة بوينغ الطائرات والمركبات القتالية البرية، فازت شركة Raytheon بالعقد الرئيسي لتدريب القوات الجوية الأفغانية. ونورثروب جرومان وجنرال دايناميكس زودتا المعدات الإلكترونية ومعدات الاتصالات.
كسب الآلاف من المقاولين من الباطن حول العالم أموالاً من بيع نظارات الرؤية الليلية والمحركات وأكياس الرمل ومعدات الاتصالات وجميع أنواع الأشياء في المجهود الحربي. وكانت شركات النفط العالمية من المستفيدين الرئيسيين من الحرب، لأن البنتاغون هو أكبر مشترٍ للوقود في العالم.
هدر ونهب موثق
ليس من المستغرب أن الكثير من النفقات في زمن الحرب كانت مهدرة للغاية. المفتشون العامون لأفغانستان والعراق، ولجنة التعاقد في زمن الحرب، والمفتش العام للبنتاغون، جميعهم وثقوا الهدر والربح والفساد و"الإنفاق الوهمي" (الأموال التي تُنفق على الأنشطة التي تبين أنها لم تكن موجودة على الإطلاق).
وفي تقرير للكونغرس الأمريكي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، قدرت هيئة الرقابة المسؤولة عن الإشراف على جهود إعادة الإعمار في أفغانستان أن حوالي 19 مليار دولار قد ضاعت بين مايو/أيار 2009 وديسمبر/كانون الأول 2019، فقد نتيجة الهدر والاحتيال وسوء الاستخدام على مر السنين، حسب تقرير "BBC".
وفقاً لمحللين حكوميين، كانت النتيجة النهائية لمشاركة القطاع الخاص على نطاق واسع في العراق وأفغانستان هي زيادة تكلفة العمليات الحربية مادياً. تم إنفاق الكثير من أموال إعادة الإعمار البالغة 145 مليار دولار على مشاريع مشكوك فيها بميزانيات بدت مفرطة، أو ببساطة لا يمكن حسابها. العديد من هذه المشاريع، التي دمرت الآن وتداعت.
قد يكون الوجود الأمريكي على الأرض قد انتهى الآن، لكن لا يزال يتعين على أمريكا استيعاب الثمن الباهظ. تم دفع تكاليف الحروب بالكامل من الأموال المقترضة بدلاً من زيادة الضرائب، وهي الأولى في تاريخ الجيش الأمريكي، ولا تزال الولايات المتحدة مدينة بمبلغ 2 تريليون دولار من استحقاقات قدامى المحاربين في المستقبل.
سوف تتفاقم هذه المخلفات المالية بسبب الحاجة إلى استبدال ما تم تدميره أو تركه وراءنا، ودفع ثمن الأسلحة والمعدات التي تم شراؤها خلال العشرين عاماً الماضية من الإنفاق الدفاعي السريع. سيستمر إرث الإنفاق الدفاعي لما بعد 11 سبتمبر/أيلول في التهام ميزانية الولايات المتحدة لسنوات قادمة.
الأسوأ التكلفة البشرية التي تكبدها الأفغان
منذ بدء الحرب ضد طالبان في عام 2001، قُتل أكثر من 3500 من قوات التحالف، من بينهم أكثر من 2300 جندي أمريكي، وقتل أكثر من 450 جندياً بريطانياً، وأصيب 20،660 جندياً أمريكياً أثناء القتال.
لكن أرقام الخسائر هذه تتضاءل أمام الخسائر في الأرواح بين قوات الأمن الأفغانية والمدنيين الأفغان، حسب تقرير bbc.
وقال الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني في 2019 إن أكثر من 45 ألف عنصر من قوات الأمن الأفغانية قتلوا منذ أن أصبح رئيساً قبل خمس سنوات.
قدرت أبحاث جامعة براون في عام 2019 الخسائر في الأرواح بين الجيش الوطني والشرطة في أفغانستان بأكثر من 64100 منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001، عندما بدأت الحرب.
ووفقاً لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة أفغانستان (أوناما)، فقد قُتل أو جُرح ما يقرب من 111 ألف مدني منذ أن بدأت في تسجيل الخسائر المدنية بشكل منهجي في عام 2009.