مع اقتراب موعد الاقتراع بالانتخابات التشريعية والبلدية في المغرب تتجه الأنظار إلى 4 دوائر، ستشهد منافسة قوية بسباق البرلمان بحكم طبيعة المرشحين، والسؤال الأبرز يتعلق بشعبية حزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي.
من المقرر أن يتوجه الناخبون المغاربة إلى صناديق الاقتراع، يوم الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول 2021، لانتخاب برلمان ومجالس بلدية تتنافس فيها الأحزاب للمرة الثالثة منذ عام 2011، وإليكم تفاصيل تلك الانتخابات.
تأتي الانتخابات التشريعية بعد فترة قصيرة من انتخابات الغرف المهنية، التي تراجع فيها حزب العدالة والتنمية -قائد الائتلاف الحكومي- بصورة لافتة، إذ تصدّر حزب التجمع الوطني للأحرار (مشارك في الائتلاف الحكومي) نتائج تلك الانتخابات التي جرت الشهر الماضي، بـ638 مقعداً من أصل 2230.
فيما حلّ حزب "الأصالة والمعاصرة" (أكبر أحزاب المعارضة)، ثانياً بـ363 مقعداً، يليه "الاستقلال" (معارض) بـ360 مقعداً، والعدالة والتنمية ثامناً بـ49 مقعداً.
الانتخابات المغربية في أرقام
كانت الدعاية الانتخابية في المغرب قد انطلقت يوم الخميس، 26 يوليو/تموز الماضي، بينما تُجرى الانتخابات يوم الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول. وتُجرى انتخابات البرلمان وفق نظام القوائم، فيما تجرى المجالس البلدية وفق نمطين، هما: نظام القوائم (اللوائح) في الدوائر التي يسكنها أكثر من 50 ألف نسمة، أما الأقل سكاناً فيطبق فيها الاقتراع الفردي.
ويبلغ عدد الناخبين 17 مليوناً و983 ألفاً و490 (من أصل نحو 36 مليون نسمة)، وفق بيانات رسمية. وتشتد المنافسة على تصدر نتائج الانتخابات التشريعية بين حزبي "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي) و"التجمع الوطني للأحرار"، بقيادة وزير الفلاحة عزيز أخنوش.
كما يبرز في المشهد السياسي كقوة انتخابية كلٌّ من حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال" (معارضان). وللمرة الأولى في تاريخ المغرب، يقود "العدالة والتنمية" الحكومة منذ عام 2011، إثر فوزه في انتخابات برلمانية شهدتها المملكة في ذلك العام ثم في 2016.
وتضم الحكومة المغربية الحالية ائتلافاً من أحزاب "العدالة والتنمية" (125 نائباً بالبرلمان من أصل 395) و"التجمع الوطني للأحرار" (37 نائباً) و"الحركة الشعبية" (27) و"الاتحاد الاشتراكي" (20) و"الاتحاد الدستوري" (23).
"دوائر الموت".. من يحسمها؟
وقبل أيام ثلاثة من يوم التصويت تتجه الأنظار إلى 4 دوائر بالتحديد، ضمن الـ92 دائرة في الانتخابات التشريعية، ستشهد منافسة قوية بسباق البرلمان بحكم طبيعة المرشحين، بحسب تقرير للأناضول. والدوائر الأربع هي الرباط-المحيط، ومراكش المدينة، والحسيمة، والعرائش.
وتعتبر "دائرة الرباط المحيط" (العاصمة) ذات الأربعة مقاعد الأكثر تنافساً وحرارة في هذه الانتخابات التشريعية. وتاريخياً تكون المنافسة في هذه الدائرة قوية، بحكم طبيعة المرشحين الذين يتنافسون فيها، والذين يكونون عادة من أبرز قيادات الأحزاب.
وفي انتخابات 8 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ظفر العدالة والتنمية بمقعدين في هذه الدائرة بعدما حصل على المرتبة الأولى بنيله 44.16% من عدد الأصوات.
ويترشح في هذه الدائرة في الانتخابات الحالية سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية (إسلامي/قائد الائتلاف الحكومي)، فيما سينافسه نبيل بنعبد، الأمين العام للتقدم والاشتراكية (يساري/ معارض)، إضافة إلى إسحاق شارية، الأمين العام لحزب المغرب الحر (غير ممثل في البرلمان).
فيما يقدم "الأصالة والمعاصرة (أكبر أحزاب المعارضة) القيادي الشاب المهدي بنسعيد، والاتحاد الاشتراكي (يسار/ عضو الائتلاف الحكومي) بدر الطناشري الوزاني، رئيس الهيئة الوطنية للأطباء البياطرة (رسمية).
كما يخوض المنافسة مرشحة تكتل "فيدرالية اليسار" مريم بنخويا، ومرشح حزب الاستقلال (محافظ/ معارض) عبد الإله البوزيدي، نائب رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة.
وتبقى دائرة "مراكش المدينة" ذات الثلاثة مقاعد أبرز الدوائر التي ستشتد فيها المنافسة بين الأحزاب الكبيرة. وفي المرة السابقة فاز العدالة والتنمية بمقعدين اثنين بعد نيله 53.28% من مجموع الأصوات، لكن يتوقع أن يواجه صعوبة كبيرة في هذه الانتخابات.
ويترشح باسم العدالة والتنمية عمدة المدينة العربي بلقايد، الذي سيكون في منافسة مع مرشح الحزب السابق الذي فاز بهذه الدائرة في 2016 يونس بنسليمان، الذي يترشح باسم التجمع الوطني للأحرار (ليبرالي/ عضو الائتلاف الحكومي).
كما رشح الأصالة والمعاصرة رئيسة مجلسه الوطني (برلمان الحزب) فاطمة الزهراء المنصوري، التي فازت بالمقعد الثالث في الانتخابات السابقة. وضمن المرشحين الكبار أيضاً يبرز عبد العزيز الدريوش، الذي يرشحه حزب الاستقلال، والمحامي خالد فتاوي، الذي يرشحه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يسار/ عضو الائتلاف الحكومي).
كما تعتبر دائرة الحسيمة (شمال) إحدى دوائر الموت بحكم طبيعة المرشحين المتنافسين على مقاعدها الأربعة. وفي انتخابات 2016 سيطر "الأصالة والمعاصرة"، حين فاز بمقعدين اثنين بواقع 51.61% من عدد الأصوات.
وحافظ الحزب على المرشح نفسه، الذي كان على رأس القائمة "محمد الحموتي"، الذي يتولى منصب "رئيس اللجنة الوطنية للانتخابات في الحزب"، لكن يتوقع أن يواجه منافسة قوية هذه المرة.
ومن أبرز المرشحين الأقوياء في هذه الدائرة رئيس فريق حزب الاستقلال بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) نور الدين مضيان، الذي ظفر بمقعد في هذه الدائرة، ثم وزير الاتصال السابق عن الحركة الشعبية (وسط، عضو الائتلاف الحكومي) محمد الأعرج، الذي يأمل تكرار فوزه السابق.
وضمن المرشحين أيضاً مرشح العدالة والتنمية نبيل الأندلسي، المستشار البرلماني السابق (بالغرفة الثانية)، الذي يحاول الظفر بمقعد للحزب في هذه الدائرة لأول مرة، وأيضاً مرشح التجمع الوطني للأحرار بوطاهر البوطاهري، ومرشح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبدالحق أمغار.
وتبقى دائرة العرائش (شمال) واحدة من أهم الدوائر التي ستشتد فيها المنافسة للظفر بمقاعدها الأربعة. وتسلط عليها الأضواء بعد ترشح الأمين العام لحزب الاستقلال نزار بركة بها، في محاولة لتكرار ترشح الأمين العام الأسبق عباس الفاسي، الذي فاز بأحد مقاعدها في انتخابات 2007 وعُين وزيراً أولاً.
وفي انتخابات 2016، فاز بالمرتبة الأولى في هذه الدائرة رئيس بلدية مدينة القصر الكبير محمد السيمو، الذي ترشح باسم الحركة الشعبية قبل أن يدخل السباق الانتخابي هذه السنة باسم "التجمع الوطني للأحرار". ويوجد ضمن المنافسين القيادي بالعدالة والتنمية سعيد خيرون.
ماذا عن فرص العدالة والتنمية؟
أما في الشق التحليلي الخاص بتلك الانتخابات التشريعية والبلدية، فإن حظوظ حزب العدالة والتنمية تسيطر على حديث الانتخابات، إن جاز التعبير، كون الحزب هو القائد للائتلافات الحكومية على مدى العقد الماضي كاملاً، ونظراً للملفات الكبرى ذات التأثير التي تشهدها الانتخابات هذه المرة.
وتضم الحكومة المغربية الحالية، ائتلافاً من أحزاب "العدالة والتنمية" (125 نائباً بالبرلمان من أصل 395) و"التجمع الوطني للأحرار" (37 نائباً) و"الحركة الشعبية" (27) و"الاتحاد الاشتراكي" (20) و"الاتحاد الدستوري" (23).
وبعد تراجع حزب العدالة والتنمية المغربي بالانتخابات المهنية التي جرت مؤخراً، رأى خبير أن هذا قد يكون مؤشراً على تراجع الحزب بالانتخابات التشريعية والبلدية المرتقبة، فيما قال قيادي بـ"العدالة والتنمية" إن حظوظ الحزب ما زالت جيدة.
عمر الشرقاوي، محلل سياسي، رأى أنه لأول مرة يشهد منحنى حزب العدالة والتنمية تراجعاً بعدما عرف صعوداً خلال الانتخابات (البرلمانية والبلدية) الماضية. وفي حديثه للأناضول أوضح الشرقاوي، الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمدينة المحمدية، أن أولى المؤشرات تتعلق بعدد الترشيحات التي عرفت تراجعاً بالنسبة للحزب مقابل ارتفاعها لدى أحزاب أخرى، خصوصاً حزب التجمع الوطني للأحرار.
وتابع: "التجمع تقدم بنحو 26 ألف ترشيح بالانتخابات التشريعية والبلدية مقابل 9 آلاف للعدالة والتنمية"، مضيفاً: "كلما ارتفع عدد الترشيحات ارتفعت أسهم النجاح في الانتخابات، خصوصاً أن عدد المصوتين في الانتخابات البلدية سيؤثر إيجاباً على الانتخابات التشريعية".
وأوضح الشرقاوي وجهة نظره بالقول إن طبيعة مرشحي العدالة والتنمية لن تساير الانتخابات، باستثناء النواة الصلبة للحزب (في إشارة إلى القياديين)، حيث إن الحزب تقدم بأسماء مغمورة".
وبحسب الشرقاوي، فإن النظام الانتخابي سيؤثر على جميع الأحزاب، بما فيها البيجيدي (يطلق على العدالة والتنمية اختصاراً). "وما يزيد الطين بلة هو الصراع الداخلي للعدالة والتنمية"، بحسب الشرقاوي، مضيفاً أن هذا الصراع "أصبح ظاهراً للعيان، خصوصاً الصراع على الترشح ببعض المناطق".
ولفت إلى أن "العدالة والتنمية سيدفع ضريبة السلطة، بعد 10 سنوات من قيادة الحكومة وعدد من البلديات…"، موضحاً أن: "ولايتين للعدالة والتنمية ستخلقان مزاجاً عقابياً لدى الناخبين، خصوصاً أنه لم يفِ بوعوده الانتخابية، بالإضافة إلى عدد من القرارات السياسية التي اتخذها الحزب وأثرت على شعبيته".
وتوقع الشرقاوي أن يفقد حزب العدالة والتنمية "نحو 800 ألف صوت بسبب تلك القرارات، بالإضافة إلى فقدان داعمين منتمين له بسبب التطبيع وقانون القنب الهندي وقانون فرنسة التعليم".
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقع رئيس الحكومة المغربية أمين عام الحزب سعد الدين العثماني، على اتفاق بين بلاده وإسرائيل، لاستئناف العلاقات. كما تمت المصادقة على مشروع قانون تقنين القنب الهندي (مخدر الحشيش) في الأغراض الطبية والصناعية، خلال ولاية العدالة والتنمية رغم رفض الكتلة النيابية للحزب له.
كما تمت المصادقة على مشروع قانون لإصلاح التعليم، من بين بنوده تدريس عدد من المواد بالفرنسية، وهو ما لقي معارضة عدد من الجمعيات. واعتبر الشرقاوي أن الحزب سيدخل للانتخابات "وهو خاسر لكل الأوراق، وهو ما يمكنه من احتلال المرتبة الرابعة أو الثالثة في أحسن الأحوال".
وجهة نظر معاكسة
أما عبد العزيز أفتاتي، القيادي بالعدالة والتنمية، فقد قال للأناضول إن حظوظ حزبه وافرة للفوز بالانتخابات التشريعية، رغم ما وصفه بـ"استفحال المال الانتخابي"، مضيفاً أن "العدالة والتنمية من الأحزاب القليلة التي تشتغل وفق قواعد سياسية واضحة، ويعمل على التواصل والإقناع، سواء قبل الانتخابات أو خلال الحملة الانتخابية…".
وتابع: "الجديد في هذه الانتخابات هو الحزب (لم يذكره) الذي يستعمل المال بشكل كبير… وهو ما يجعلنا في مواجهة دائمة مع الفساد". وعن تراجع حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المهنية الأخيرة أوضح أفتاتي أن استعمال المال أيضاً في هذه الانتخابات هو ما يفسر تراجع حزبه.
وبخصوص تواري بعض القياديين عن المشهد إبان الانتخابات، مثل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية السابق، ومصطفى الرميد، القيادي بالحزب، قال أفتاتي إن "الرميد له ظروف صحية قاهرة منعته من المشاركة في الحملة، وبنكيران يرجع له القرار".
ووصف أفتاتي حصيلة العدالة والتنمية بالإيجابية، سواء الحكومية أو في البلديات، بالإضافة إلى تحقيقه للعدالة الاجتماعية، داعياً إلى احترام خيار الشعب في الانتخابات عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وأبرز أن البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية لا يزال قوياً رغم النقاشات التي تُثار أحياناً بين مناضليه المستعدين دائماً لمواجهة خصوم الديمقراطية.