إجلاء العالقين وحماية المطار وداعش.. تعاون أمريكي لافت مع طالبان، فهل يستمر أم ينتهي بالانسحاب؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/02 الساعة 18:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/02 الساعة 18:07 بتوقيت غرينتش
الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي طالبان يترأس وفد الحركة في مفاوضات الدوحة/رويترز

بينما تصور وسائل الإعلام الأمريكية الوضع بأنه كارثي في أفغانستان، خاصة بعد الانسحاب دون إكمال عملية الإجلاء، فإن المسؤولين الأمريكيين يبدون أقل هلعاً، والسبب في ذلك أنهم باتوا يعتمدون على حقيقة أن التعاون بين أمريكا وطالبان سوف يكمل بقايا المهمات الأمريكية في أفغانستان.

فبينما كانت طالبان صارمة في إصرارها على الانسحاب الأمريكي في 31 أغسطس/آب 2021، ورفضت عرضاً تركيّاً لإدارة أنقرة للمطار، فإنها أبدت قدراً كبيراً من التعاون مع أمريكا، وهو تعاون قد يكون مرشحاً للتصاعد.

وفي مواجهة محاولة خلق صورة عن مأساة لأمريكا وللمرأة وللإنسان الأفغاني، بعد سيطرة طالبان، فإن تصريحات المسؤولين الأمريكيين تُظهر على استحياء، أربعة أشياء، أن طالبان تغيرت، حتى لو أن التغير مقداره لا يُرضي الغرب، ولن يرضيه، الثانية أن طالبان تلتزم بتعهداتها كما قال وزير الخارجية الأمريكي، وأن طالبان تريد معاملتها بندية من قبل كل الأطراف فلا هي تريد عزلة كعهدها السابق، ولا تريد تبعية كالحكومة الأفغانية السابقة، وهو ما ظهر في رفضها بكل تهذيبٍ عرض تركيا إدارة المطار عسكرياً، وهي الدولة الإسلامية التي يحكمها حزب ذو جذور إسلامية.

أما النقطة الرابعة فهي أن هناك قدراً لا بأس به من التعاون بين أمريكا وأفغانستان، وهو تعاون لا يتم التركيز عليه في الإعلام الغربي، ويتناوله المسؤولون الأمريكيون باستحياء رغم أن مقدار التعاون قد فاجأهم، ولكنهم اعترفوا بإمكانية استمرار وتوسع التعاون مع الحركة التي حاربوها لسنوات وعملوا على شيطنتها.

كان التزام بايدن بموعد الانسحاب دليلاً على شيئين: ثقة إدارته بفعالية التعاون بين أمريكا وطالبان، والتزام طالبان بتعهداتها وقدرتها على تنفيذها، ولكن أيضاً، هناك نقطة أخرى وهي أن الأمريكيين يعلمون أن عدم التزامهم  باتفاقاتهم مع طالبان قد يعني أن الحركة قد تسارع بالرد.

مظاهر التعاون بين أمريكا وطالبان.. لقاء مع رئيس الاستخبارات

ولكن الواقع أن الانسحاب الأمريكي لم يكن ممكناً إلا بتعاون طالبان على نطاق واسع.

فلقد نسق القادة العسكريون الأمريكيون يومياً مع قادة طالبان خارج مطار كابول الدولي على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، لتسهيل إجلاء أكثر من 124 ألف شخص، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian.

وفي القلب من عملية التعاون بين أمريكا وطالبان كان هناك لقاء بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ويليام بيرنز مع نائب رئيس حركة طالبان ورئيس مكتبها السياسي الملا عبدالغني برادر، بكابول في 23 أغسطس/آب 2021، حسبما أكد مصدران أمريكيان مطلعان، في تصريحات لشبكة CNN، الأمريكية.

الاستخبارات الأمريكية أفغانستان
قوات أمريكية في مطار كابول الدولي/ رويترز

وقال أحد المصدرين إن الاجتماع جاء بتوجيه من الرئيس الأمريكي جو بايدن، مما يعكس وجهة النظر داخل الإدارة بأن الدبلوماسي المخضرم بيرنز هو أحد أكثر الأشخاص ثقة في فريق بايدن.

ووصف مصدر آخر، الاجتماع بين بيرنز وبرادر بأنه "تبادل للآراء حول ما يجب القيام به بحلول 31 أغسطس/آب، تاريخ نهاية عملية الإجلاء.

وكانت إدارة بايدن على اتصال منتظم مع مسؤولي طالبان طوال عمليات الإجلاء، سواء على الأرض أو في الدوحة، لكن كان هذا هو أعلى تبادل مباشر لوجهات النظر حتى الآن، ويؤكد وجهة النظر داخل الإدارة بأنها بحاجة إلى فهم أوضح لموقف طالبان في العديد من القضايا".

نقل الأمريكيين إلى المطار تحت حماية طالبان

وبعد نهاية الانسحاب الأمريكي، كشفت وسائل إعلام أمريكية، الأربعاء 1 سبتمبر/أيلول 2021، أن واشنطن عقدت "اتفاقاً سرياً" مع حركة طالبان يقضي بأن يقوم أفراد الحركة بمصاحبة الرعايا الأمريكيين إلى بوابات مطار كابول بينما يغادرون أفغانستان، وفقاً لمسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية.

وفق ما ذكره موقع شبكة "CNN" الأمريكية، كشف أحد المسؤولين أن القوات الخاصة الأمريكية فتحت بوابة سرية في المطار وأسست "مركز اتصال"؛ لمساعدة الأمريكيين في عملية الإخلاء.

وقال مسؤولان في البنتاغون، إنه تم إبلاغ الأمريكيين بالتجمع في "نقاط حشد" قريبة من المطار تقوم فيها طالبان بجمع الأمريكيين والتأكد من معلوماتهم الشخصية ومصاحبتهم لمسافة قصيرة إلى البوابة التي يحرسها أفراد القوات الأمريكية الذين كانوا جاهزين للسماح للرعايا بالعبور إلى الداخل وسط جماهير غفيرة من الأفغان الذين كانوا يريدون مغادرة البلاد.

التعاون بين أمريكا وطالبان
عناصر من قوات النخبة "بدري" التابعة لطالبان/ رويترز

كما أوضحت الشبكة أنه كان باستطاعة عناصر الجيش الأمريكي رؤية الأمريكيين بينما يصطحبهم أفراد من الحركة إلى بوابات الطائرات؛ في محاولة لتأمينهم وضمان سلامتهم.

وفضّل المسؤولان عدم الكشف عن هويتيهما؛ نظراً إلى حساسية التنسيق الذي لم يتم كشفه بشكل كامل قبل الآن، بسبب مخاوف أمريكية حول رد فعل طالبان من أن أي أخبار علنية إضافة إلى وجود خطر قيام داعش خراسان بشن هجمات على الأمريكيين في حال علمه بأنهم متجمعون في مناطق معينة، حسبما قال المسؤولان.

كما أكد مسؤولو إدارة بايدن أن الحركة كانت متعاونة خلال فترة الإجلاء، وأشار مسؤولون رفيعو المستوى إلى أن الحركة التزمت بتوفير "رحلة آمنة" للأمريكيين.

قال أحد المسؤولين إن عمليات الاصطحاب حدثت في أوقات متعددة، وكانت إحدى نقاط التجمع وزارة الداخلية الأفغانية المحاذية للمطار، وقد أُبلغ الأمريكيون عبر الرسائل النصية، عن الأماكن التي يجب أن يتجمعوا بها.

وحمت مواطنين أمريكيين من هجوم إرهابي

فيما نقلت قناة "NBC" الأمريكية عن أحد مساعدي عضو بالكونغرس قوله إن طالبان "حمت مواطنين أمريكيين من هجوم إرهابي محتمل قرب مطار كابول".

كما أشار المصدر نفسه إلى أن "طالبان أوقفت حافلة باتجاه مطار كابول قبيل إتمام انسحابنا؛ لاحتمال وجود قنابل".

بينما نقلت عن مسؤولين في البنتاغون قولهم إن مستوى التنسيق والمساعدة التي قدمتها طالبان "تجاوز بكثيرٍ ما تحدث عنه قادتنا علناً".

بريطانيا على خُطى أمريكا

وفتحت بريطانيا محادثات مع حركة طالبان؛ لتأمين "مرور حر" لرعاياها وحلفائها إلى خارج أفغانستان بعد سيطرة الحركة الإسلامية المتطرفة على البلاد. 

أكدت الحكومة البريطانية، قبل الإجلاء، توجه الممثل البريطاني الخاص لعملية الانتقال في أفغانستان، السير سايمن غاس، إلى الدوحة للقاء قادة طالبان. 

إذ قال متحدث باسم الحكومة، في بيان، إن غاس "يلتقي ممثلين كباراً من طالبان؛ لتأكيد أهمية مرور حر من أفغانستان للمواطنين البريطانيين والأفغان الذين عملوا معنا"، وهو أول تأكيد علني لوجود مساعٍ دبلوماسية بين لندن وطالبان. 

ومن الواضح أن تجربة الانسحاب تدفع إدارة بايدن للتفكير في توسيع التعاون بين أمريكا وطالبان.

والآن حان وقت الانتقال لمحاربة داعش بالتعاون مع طالبان

وتعتبر طالبان فرعَ الدولة الإسلامية في أفغانستان تهديداً، وخاض الاثنان معارك طويلة في السنوات الأخيرة. انتقد قادة الدولة الإسلامية قيادةَ طالبان ووصفوها بالاعتدال المفرط.

 وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، إنه من "الممكن" أن تسعى الولايات المتحدة للتنسيق مع طالبان بشأن ضربات مكافحة الإرهاب في أفغانستان ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أن وزير الدفاع لويد أوستن لايزال متشككاً، حسب صحيفة The Guardian.

ولقد أصبح مدى وطبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وطالبان، بعد أن انتهت الحرب الآن، إحدى القضايا الرئيسية التي يجب حلها.

بدا وزير الدفاع الأمريكي متشككاً على الأقل مثل ميلي، فيما يتعلق باحتمال أن يشير التنسيق في الأيام الأخيرة في مطار كابول إلى علاقة مستقبلية مع طالبان. قال أوستن: "لن أقوم بأي قفزات منطقية في القضايا الأوسع".

وتم نقل الوجود الدبلوماسي الأمريكي في كابول إلى العاصمة القطرية الدوحة. وأشار الرئيس جو بايدن عدة مرات مؤخراً إلى أن طالبان أعداء صريحون لتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، مما يشير إلى وجود مصلحة مشتركة مع الولايات المتحدة.

ووعد بايدن بمزيد من الاستهداف لتنظيم داعش رداً على التفجير الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي، في بوابة مطار كابول، وأسفر عن مقتل أكثر من 150 أفغانياً و 13 من أفراد الخدمة الأمريكية. ونفذ الجيش الأمريكي غارة بطائرة مسيّرة قال إنها قتلت اثنين من مخططي تنظيم الدولة الإسلامية في كوسوفو. كما قتلت نساء وأطفالاً يوم الثلاثاء، وخاطب بايدن، تنظيم داعش قائلاً: "لم ننتهِ معك بعد".

ولدى ميلي تجربة حديثة مع قادة طالبان: فقد التقاهم وجهاً لوجه مرتين في العام الماضي، كان آخرهما في ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ في محاولة لإبطاء هجماتهم على الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.

كيف بدأ التعاون بين أمريكا وطالبان؟

تقول صحيفة The New York Times عن التعاون بين أمريكا وطالبان، إنها علاقة غير حدثت في ساحة المعركة: الدبلوماسيون والجواسيس والمسؤولون العسكريون للولايات المتحدة كانوا يجرون مناقشات تعاونية مع نظرائهم من طالبان، حيث تعمل المجموعة كخط دفاع أمريكي أول في مطار كابول، وهم، يفحصون الركاب بحثاً عن الوثائق، والأسلحة.

اكتسبت هذه العلاقة زخماً بعد أن بدأت أول دفعة من قرابة 6000 جندي، أذن بها بايدن، بالوصول إلى كابول هذا الشهر، اعتقد القادة العسكريون الأمريكيون أنهم سيعملون مع قوات الأمن التابعة للحكومة الأفغانية للمساعدة في نقل الأمريكيين وغيرهم إلى بر الأمان. لكن بحلول  15 أغسطس/آب، عندما اجتاحت طالبان كابول، وفرّ الرئيس أشرف غني من المدينة، توقفت قواته الأمنية عن العمل.

انهيار القوات الأفغانية دفع الأمريكيين للتعاون مع طالبان/رويترز

في ذلك اليوم التقى الجنرال كينيث ماكينزي جونيور، قائد القيادة المركزية الأمريكية، قادة طالبان، وطلب منهم عدم التدخل في عملية الإجلاء. أخبر مسؤولو طالبان الجنرال ماكينزي أن الأمن يتدهور في كابول، وأن عليهم التحرك بسرعة لتأمين المدينة.

في ذلك الاجتماع، عرضت طالبان إقامة نظام اتصال لمناقشة المسائل الأمنية، وفقاً لمسؤول أمريكي مطلع على الاجتماع.

خلال الأسبوعين الماضيين، كانت هناك محادثات دورية بين مسؤول طالبان، المسؤول عن الأمن في كابول، والقادة العسكريين الأمريكيين، وقال المسؤول الأمريكي إن هذه المحادثات تعكس علاقة ضرورة براغماتية. كانت المحادثات العسكرية عبارة عن محادثات تكتيكية، وكان لا يتوقع أن تستمر بعد انتهاء مهمة الإجلاء، ولكن يبدو أن الأمريكيين باتوا يفكرون في تمديدها.

ونفى مسؤولون أمريكيون بغضب، تقارير عن تسليمهم لقوائم طالبان الخاصة بالأفغان العالقين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى المطار. قال مسؤول أمريكي إنه سُمح لمقاتلي طالبان عند نقاط التفتيش بمراجعة البيانات مع اقتراب الحافلات من تطويق الحركة، لكن ليس للاحتفاظ بالقوائم.

حتى مع استمرارهم في العمل مع طالبان بعد هجوم المطار، لم يأمن الأمريكيون للحركة، إذ قال مسؤولان أمريكيان إن وكالة المخابرات المركزية فجّرت قاعدة إيجل، وهو موقع في ضواحي كابول كان يستخدم طوال الحرب لتدريب قوات مكافحة الإرهاب الأفغانية، لإبقاء أسرار الموقع الذي كان يشمل معتقلاً خارج أيدي طالبان، كانت العملية مثالاً على مدى تعقيد العلاقة بين الولايات المتحدة وطالبان.

ولكن قال مسؤولون عسكريون أمريكيون إن تلك العلاقة يبدو أنها فشلت بشكل مذهل، عندما تمكن إرهابيون تابعون لـ"داعش" من المرور عبر نقاط تفتيش تابعة لـ"طالبان" حول المطار، وفجّروا تفجيراً انتحارياً قتل 13 جندياً أمريكياً وعشرات المدنيين الأفغان.

وبعد التفجير، قال الجنرال ماكينزي، إن الجيش الأمريكي طلب من طالبان إجراء تعديلات على طوقها الأمني ​​وإغلاق طرق محددة حددتها الولايات المتحدة على أنها مصادر للتهديدات.

وأضاف: "نحن نفعل كل ما في وسعنا للاستعداد لتلك الهجمات، وهذا يشمل التواصل مع طالبان، وسنواصل التنسيق معهم وهم يمضون قدماً في هذا الشأن".

بعد اكتمال الإجلاء، قد يقع جزء كبير من الاتصالات المنتظمة مع طالبان على عاتق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث يتم تكليفها بمهمة التعامل مع الشركاء والحكومات التي لديها مشكلات مع واشنطن في جميع أنحاء العالم، حيث تعمل وكالة المخابرات المركزية في الخفاء، لذا يمكن حماية مناقشاتها مع طالبان بسهولةٍ أكبر عن الرأي العام الأمريكي.

هل تعترف أمريكا بـ"طالبان"؟

في مقابل التعاون بين أمريكا وطالبان بالمجال الميداني، فإن البيت الأبيض قال إنه لن يتعجل في الاعتراف بالحكومة التي تعتزم حركة طالبان تشكيلها في أفغانستان بعد سيطرتها على البلاد.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، الثلاثاء الماضي، للصحفيين، إنّ وضع العقوبات على حركة طالبان يتوقف على سلوكها.

كما قال مسؤول أمريكي إنه يصعب الاعتراف بأي حكومة تشكلها طالبان، دون إطلاق الحركة مواطناً غربياً محتجزاً لديها، وأضاف: "إن الولايات المتحدة ضغطت على حركة طالبان لإعادة مارك فريريتشز، الأمريكي المختطف في أفغانستان، وإن قضيته ستؤثر على شرعية أي حكومة مقبلة تقودها الحركة".

وسبق أن قال حلف الناتو إنه لا اعتراف بطالبان "إذا استولت على أفغانستان بالقوة، وذلك قبل سيطرة الحركة على العاصمة إثر هرب الرئيس السابق أشرف غني".

ولكن اليوم بات شرط الاعتراف مرتبطاً بحقوق المرأة وسلوكيات طالبان في مسألة إجلاء بقية العالقين.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إن الاعتراف الدبلوماسي بـ"طالبان" على أنها "النظام الجديد" في أفغانستان سيعتمد على تصرفات الحركة، مشدداً على أن المملكة المتحدة ستتعامل مع طالبان ليس على أساس ما تقوله، ولكن وفقاً لما تفعله، مشيرا إلى أن هذا الاعتراف مرتبط على وجه الخصوص بـ"الممر الآمن للعالقين"  وحقوق المرأة، وداعياً إلى تنسيق دولي في مسألة الاعتراف وألا تنفرد دول بعينها بالقرار، أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فلقد اقترحت تواصلاً مع طالبان دون اعتراف.

وإضافة إلى التعاون مع أمريكا، والاتصالات مع دول الجوار وروسيا، فإن الوكالات الأممية تتعاون مع الحركة، مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، التي أبدى أحد مسؤوليها بأفغانستان تفاؤلاً حذراً إزاء العمل مع مسؤولي حركة "طالبان" بعد تعبيرهم عن الدعم لتعليم الفتيات.

على غرار العراق

تعتبر واشنطن أفغانستان ملاذاً محتملاً للإرهابيين الدوليين، ومركزاً للمنافسة الجيوسياسية ضد أكبر خصومها الصين وروسيا، وموقعاً لكارثتين تلوحان في الأفق -حكم طالبان والانهيار الاقتصادي- ويمكن أن تمتد كل من الكارثتين إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، حسب تقرير لصحيفة The New York Times.

وإذا كانت الولايات المتحدة، الآن، بدون قوات أو حلفاء بأفغانستان، ترغب في احتواء داعش، فستحتاج إلى معلومات استخباراتية على الأرض وقوات صديقة.

في المقابل، قد تحتاج طالبان، التي لاتزال تجاهد من أجل تعزيز سيطرتها على العديد من المناطق النائية بالبلاد، إلى القوة الجوية الأمريكية؛ للمساعدة في هزيمة داعش.

وقال مسؤولون عملوا في الحملة الأمريكية ضد أفغانستان، إن هذا المزيج بين القوة الصلبة على الأرض والقدرات الجوية الأمريكية الساحقة كان ضرورياً لهزيمة تنظيم داعش في العراق، وكان الأمريكيون يعملون بشكل غير مباشر في العراق مع الحشد الشعبي الموالي لإيران ضد داعش، والآن تختبر واشنطن وطالبان بالفعل التنسيق الهادئ، الضمني في الغالب، وفقاً للصحيفة الأمريكية.

تقول الصحيفة: "حتى لو تمكن المسؤولون الأمريكيون من التحقق من كل قائمة أهداف، فإن أي غارات جوية ستكون في خدمة سيطرة طالبان التي أمضت واشنطن عقوداً تحاربها، ويمكن إعادة توجيه كل جندي من مقاتلي طالبان تم تجنيبه من محاربة داعش في خراسان، لقمع جماعات المعارضة الأقل تطرفاً".

قد يكون السؤال في النهاية هو ما إذا كانت واشنطن تفضل أفغانستان مقسمة بسبب الحرب الأهلية -الظروف نفسها التي أنتجت طالبان ثم داعش خراسان- أو دولة واحدة تحت سيطرة طالبان التي قد تكون معتدلة في السلطة أو لا.

ماذا عن العلاقة المستقبلية بين أمريكا والحركة الأفغانية؟

لدى طالبان حافز للتعاون. إنهم يريدون تأمين الشرعية الدولية ومحاولة تجنب العزلة التي عانوا منها في التسعينيات، عندما كانوا في السلطة آخر مرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وحث قادة طالبان، الحكومات الدولية على الاحتفاظ بسفاراتهم في أفغانستان، بل أبدى قادتها في تصريحات إعلامية، استغرابهم سحب أمريكا سفارتها من كابول.

تبدو العلاقة حتى الآن من جانب واحد، قدمت طالبان كثيراً من الخدمات خلال الانسحاب الأمريكي دون مقابل، ولكن لا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير، تريد الحركة الاعتراف الدولي والأمريكي، وإلغاء العقوبات وفك التجميد على الأرصدة الأفغانية، وحبذا لو حدث استمرار لشكل من أشكال التدفق المالي على البلد المفلس الذي اعتمد لعقدين، على الدعم الغربي.

وأكدت حركة طالبان، التي تسعى بشدة للحصول على دعم خارجي بالفعل، رغبتها في بناء علاقات مع واشنطن.

وعلى الرغم من شراسة المعارك التي خاضتها طالبان، يبدو أن الحركة تدرك أن حكم دولة فقيرة مزقتها الحرب تحدٍّ مختلف تماماً تحتاج من أجله إلى دعم اقتصادي ودبلوماسي.

فربما يكون أسوأ ما سيحدث لأفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم، ليس وضع حقوق الإنسان أو النساء، بل الوضع الاقتصادي، فالسيناريو المؤكد دون تدخل أمريكي: الانهيار الاقتصادي، وحتى المجاعة، حسب تقرير The New York Times.

بالنسبة لواشنطن، هناك مناطق رمادية بين احتضان أو عزل طالبان، والدول الصديقة لأمريكا التي لها مصالح في أفغانستان، مثل تركيا أو قطر، تلمّح بالفعل إلى رغبتها في الحفاظ على أو حتى تعميق مصالحها التجارية في البلاد، ومن المرجح أن تسعى للحصول على موافقة أمريكية ضمنية على الأقل.

تجدر الإشارة إلى أن واشنطن لم تعترف بحكومة فيتنام حتى عام 1995، وذلك بعد 20 عاماً من الانسحاب الأمريكي من هناك، لكن السنوات الفاصلة تضمنت سلسلة من الاتفاقات، ومالت التنازلات الأمريكية إلى تقوية البراغماتيين الفيتناميين على حساب المتشددين.

ومع ذلك، لا تزال فيتنام دولة ديكتاتورية الحزب الواحد التي تتخفف ببطء شديد، لكن فيتنام وأمريكا بينهما الآن تجارة واسعة ويجمعهما القلق من الصين، فهل يحدث ذلك مع طالبان؟

 ويخشى العديد من الأفغان الموالين للغرب، من أن الاعتراف الأمريكي، حتى بشكل غير مباشر، يمكن أن يؤخذ على أنه شيك على بياض لكي تحكم المجموعة كيفما تشاء.

ومع ذلك، حتى بعض المعارضين بشدة لانسحاب أمريكا من أفغانستان يحثون على فكرة التواصل مع طالبان.

وكلما طالت المهلة التي تفرضها الولايات المتحدة حتى الاعتراف بحكومة طالبان، زاد حافز الحركة للتعاون، لكن إذا انتظرت واشنطن طويلاً أكثر مما ينبغي، فقد تملأ قوى أخرى الفراغ الدبلوماسي، حسب الصحيفة الأمريكية.

المشكلة أن استمرار حالة التعاون بين أمريكا وطالبان مع حالة اللااعتراف والحصار على أفغانستان، قد يعني غرق البلاد في كارثة اقتصادية، وإذا استمرت الدول الغربية في فرض شروط لا تستطيع طالبان تنفيذها، خاصةً أن الحكومة الأفغانية الموالية للغرب لم تستطع أن تُغير الواقع الاجتماعي الأفغاني المحافظ، فإن الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق قد تهدد حكم الحركة وقد تدفعها إلى التخلي عن محاولة الحصول على القبول الدولي والغربي.

فتركيبة طالبان قد تعني أن التعنت معها قد يدفعها للرد، والأهم أن تدهور الأوضاع في أفغانستان قد يعني تشدد الحركة لقمع التذمر المتوقع، وإطلاق موجات من الهجرة بل واحتمال عودة الإرهاب مجدداً.

تحميل المزيد