بعد إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، الثلاثاء 24 أغسطس/آب 2021، يرى مراقبون أن ذلك كان منتظراً، بسبب تصعيد الأزمة القائمة بين البلدين في الآونة الأخيرة، بحسب ما نشرته "فرانس برس". لكن يرى آخرون أن هذه العلاقات كانت مقطوعة أصلاً منذ سحب الجزائر سفيرها من الرباط، على خلفية تصريح موفد المغرب في الأمم المتحدة حول منطقة القبائل. فهل هذه القطيعة ستنحصر بين الحكومتين أم سيتضرر منها شعبا البلدين أيضاً؟ وهل بالإمكان أن يؤدي هذا الوضع الجديد إلى اندلاع مواجهة في المنطقة؟
الجزائر: "أعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة"
بَنت الجزائر قرار القطيعة الدبلوماسية مع الرباط على عدد من الأسباب استعرضها وزير الخارجية رمطان لعمامرة في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، اعتبر فيه أنه "ثبت تاريخياً، وبكل موضوعية، أن المملكة المغربية لم تتوقف يوماً عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر" في 1962، حسب تعبيره.
ولم تتأخر الرباط كثيراً في الرد، إذ أعربت بعد ساعات عن "أسفها لهذا القرار غير المبرر تماماً". واعتبرت وزارة الخارجية المغربية، في بيان، أن القرار كان "متوقعاً بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة…"، مشددةً على رفضها ما سمَّته "المبررات الزائفة".
وسبق أن أعلن المغرب، من جانبه، قطع علاقاته مع الجزائر سنة 1976 بعد اعتراف الجزائر بقيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". ولم تُستأنف العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية.
"خصومة بين الحكومتين"
مع هذا القرار، من المفترض أن تنتقل العلاقات بين البلدين الجارين إلى وضع جديد، ستتعطل بموجبه كل أشكال التعاون الممكنة بينهما، خاصة في المجال الأمني والسياسي، إلا أن الإعلامي الجزائري علي بوخلاف ينوه في حديث لوكالة "فرانس 24″، إلى أن "التعاون كان متوقفاً منذ مدة، عندما سحبت الجزائر سفيرها في الرباط قبل أسابيع".
لكن هذه القطيعة الدبلوماسية لا تبدو كُلية، فهي "خصومة بين الحكومتين"، يقول الباحث والصحفي خالد الغرابلي، باعتبار أن البعثة القنصلية لكل بلد تواصل عملها في تدبير شؤون رعاياها بالوتيرة المعهودة نفسها.
وهذا الأمر شدد عليه وزير الخارجية الجزائري لعمامرة في مؤتمره الصحفي، بأنَّ "قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني أن يتضرر المواطنون الجزائريون والمغاربة. القنصليات تباشر عملها بصفة طبيعية".
وأضاف: "نطمئن المواطنين الجزائريين في المغرب والمغاربة بالجزائر بأن الوضع لن يؤثر عليهم. قطع العلاقات يعني أن هناك خلافات عميقة بين البلدين لكنها لا تمس الشعبين". فيما لم يستبعد بوخلاف "فرض التأشيرة على المغاربة الراغبين في الدخول إلى الجزائر".
من جانبها، أوضحت الخارجية المغربية أن المملكة "ستظل شريكاً موثوقاً ومُخلصاً للشعب الجزائري، وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبنّاءة".
"مراجعة جذرية للعلاقات المغربية الجزائرية"
تتعارض مقاربات البلدين في التعاطي مع قضايا المنطقة الساخنة وعلى رأسها قضية "الصحراء الغربية"، ما يعرقل حصول تقارب بين الحكومتين وبناء مفهوم متقدم للتعاون المشترك.
لتجاوز هذا الوضع، "تريد الجزائر مراجعة العلاقات جذرياً" حسب بوخلاف، في إطار ما سماه "مفاوضات أو محادثات أكثر شفافيةً وأكثر علانيةً وصريحة، لمناقشة جميع الإشكالات بين البلدين".
وتراكُم الخلافات دون أن تنبثق آليات مشتركة من الطرفين لاحتوائها وإجهاض مفعولها السلبي على العلاقات بينهما، يزيد من تعقيد وضعها أكثر مع توالي السنوات، فيما يعتبر الباحث المغربي تاج الدين الحسيني في حديث للوكالة الفرنسية، أن المملكة بادرت في 2018 بالدعوة إلى استحداث لجنة ثنائية لتدارس جميع الملفات، كما أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، دعا الرئيسَ عبدالمجيد تبون إلى "العمل معاً، في أقرب وقت يراه مناسباً، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك".
لكن التحرك المغربي في الأمم المتحدة تجاه القبائل أغضب الجارة. ولم تتقبل الجزائر "قيام أحد المفوضين للمملكة بانحراف خطير جداً وغير مسؤول، من خلال التطرق إلى ما سماه (حق تقرير المصير لشعب القبائل الشجاع)"، في دعم لحركة استقلال منطقة القبائل التي صنفتها الجزائر كمنظمة إرهابية.
وسحبت الجزائر، على خلفية ذلك، في 16 يوليو/تموز، سفيرها في الرباط للتشاور. وجاء التدخل المغربي رداً على إثارة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، قضية الصحراء الغربية في اجتماع لحركة عدم الانحياز.
ما الذي سيترتب على هذه الأزمة؟
يظل النزاع حول قضية الصحراء الغربية سبباً رئيسياً في توتر العلاقات بين الجارتين منذ عقود. فالجزائر تدعم جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم، فيما يعتبره المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه ويتعهد بمنحه حكماً ذاتياً تحت سيادته. ولا يبدو أن أياً منهما مستعد للدخول في حرب ضد الآخر بسبب هذا النزاع، كما يؤكد ذلك بوخلاف ومعه العديد من المراقبين.
فهذه القطيعة الدبلوماسية والخلافات العميقة بين الطرفين، هي حقاً أزمة كبرى، لا تثقل كاهل البلدين فقط؛ بل حتى المنطقة ككل في بناء فضاء مغاربي، يشكل قوة انطلاقة جديدة لمشاريع كبرى تعود بالنفع على شعوبها. لكن من المفترض أن تتولد عنها قرارات كبرى في خدمة مصالح البلدين.
وفي هذا السياق، يوضح بوخلاف أن "العلاقات سيصيبها فتور وتشنُّج، والأمر سينتهي بالدخول في مفاوضات جدية، ستصل لحلّ المشاكل العالقة، ربما ستكون برعاية جهة معينة كدول المنطقة، الجامعة العربية أو دول الخليج أو دول صديقة"، ولربما تكون فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، التي دعت الأربعاء إلى "الحوار بين دول المنطقة لترسيخ الاستقرار والازدهار فيها".