أعلن "جيش تحرير أورومو" التحالف مع جبهة تحرير تيغراي، وهناك حركات مسلحة أخرى بصدد اتخاذ الموقف نفسه، والهدف إسقاط حكومة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد.
ويبدو أن الهزيمة التي تعرضت لها قوات آبي أحمد في حرب إقليم تيغراي قد شجعت قوميات أخرى على تكثيف تمردها وتشكيل جبهة موحدة هدفها التخلص من الحكومة المركزية، في ظل اتهامات لرئيس الوزراء بتأجيج الصراعات العرقية في البلد الذي يتكون من عشر أقاليم وسكانه منقسمون بين نحو 85 قومية.
وكانت مجلة Foreign Policy الأمريكية قد نشرت تقريراً بعنوان "مشكلات إثيوبيا ليست مشكلات ما بعد استعمارية"، رصد الصراع العرقي الذي تفاقم في الدولة مع وصول آبي أحمد لمنصب رئيس الوزراء، وانعكاسات فوزه في الانتخابات الأخيرة على مستقبل البلاد السياسي والاجتماعي.
والآن لم تعد جبهة تحرير تيغراي هي الجهة الوحيدة التي تخوض تمرداً ضد الحكومة الإثيوبية، بل هناك حركات مسلحة تنتمي لعرقيات مختلفة تسعى لاقتحام العاصمة أديس أبابا أو الانفصال تماماً عنها.
جيش تحرير أورومو
وفي 11 أغسطس/آب الجاري، أعلن جيش تحرير أورومو رسمياً تحالفه مع جبهة تحرير شعب تيغراي، بالرغم من أن المظاهرات العارمة التي قادها الأورومو كانت السبب الرئيسي في سقوط حكم التيغراي وصعود آبي أحمد إلى السلطة في 2018، بحسب تقرير للأناضول.
وينتمي "جيش تحرير أورومو" إلى أكبر عرقية في البلاد، وأغلب أبنائها من المسلمين. ويحتضن إقليم أورومو العاصمة أديس أبابا، ومنه ينحدر رئيس الوزراء آبي أحمد، من جهة أبيه، لكن المعارضة الأورومية تعتبره أقرب لعرقية الأمهرة، التي تنحدر منها والدته وزوجته.
ويضم "جيش أورومو" آلافاً من العناصر المسلحة، وتنتشر معسكراتهم في المنطقة الغربية من إقليم أورومو وأواسط منطقة شيوا (شمال أديس أبابا)، ويسيطرون منذ سنوات على بعض المحافظات الغربية.
وأعلن جيش تحرير أورومو سيطرته على جزء من الطريق الرئيسي شمال مدينة شيوا (350 كلم شمال أديس أبابا)، ما يعني قطعه للإمدادات القادمة من العاصمة إلى جبهات القتال في أمهرة، وهو ما لم تؤكده أو تنفِه الحكومة.
ولم يخفِ زعيم جيش تحرير أورومو رغبته في الإطاحة بحكومة آبي أحمد، قائلاً: "الحل الوحيد الآن هو الإطاحة بهذه الحكومة عسكرياً، والتحدث باللغة التي يريدون التحدث بها". وتصنف حكومة آبي أحمد كلاً من جبهة تيغراي وجيش تحرير أورومو كمنظمتين إرهابيتين، ونددت مؤخراً بإعلان تحالفهما.
ويقاتل جيش تحرير أورومو في منطقة بعيدة عن مناطق تقدم جبهة تيغراي، لكنه وبحسب زعيمه العسكري "يتشاركون معلومات ساحة المعركة، ويقاتلون بالتوازي، وفي الوقت الحالي لا يقاتلون جنباً إلى جنب".
ويعني هذا أن قطع جيش تحرير أورومو الطريق الرابط بين العاصمة وإقليم أمهرة تم بالتنسيق مع جبهة تيغراي، التي تخوض معاركها الرئيسية ضد الأمهرة في أكثر من جبهة، وتسعى لمنع وصول أي دعم عسكري أو إمدادات للجيش الحكومي وميليشياته.
فدفع الجيش الاتحادي بقواته الخاصة إلى جبهات القتال في أمهرة بالشمال من شأنه إضعاف تحصيناته في إقليم أورومو وحول العاصمة، وهذا ما قد يستغله متمردو الإقليم في شن هجمات مباغتة على المنطقة. ولم يستبعد زعيم "جيش أورومو" أن يقاتل مسلحوه مع جبهة تيغراي جنباً إلى جنب "قريباً"، في إشارة إلى إمكانية التحامهم في جبهة واحدة مع اقتراب متمردي تيغراي من معاقلهم في شمال إقليم أورومو.
وهذا التنسيق يشي عن تجاوز الأورومو والتيغراي خلافاتهم القديمة، عندما تحالفوا لإسقاط حكم الديكتاتور مينغستو، لكنهم بعدما حققوا هدفهم في 1991، استأثر تيغراي بالسلطة وتم تهميش الأورومو. وجيش تحرير أورومو يمثل الجناح العسكري للجبهة، التي عاد قادتها من المنفى بعفو من آبي أحمد، في 2018، مقابل تخليهم عن المعارضة المسلحة.
لكن الجناح العسكري انفصل عن الحزب بعدما حدث خلاف عميق مع الحكومة حول دمج قوات الحركة في الجيش الاتحادي، بينما وضعت السلطات زعيم الحزب داؤد أبسا تحت الإقامة الجبرية بالمنزل منذ ثلاث سنوات.
الحزب القومي الديمقراطي العفري
كان زعيم جيش تحرير أورومو، كومسا ديريبا، المعروف أيضاً باسم "جال مارو"، قد قال في مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس: "سيكون هناك تحالفٌ كبيرٌ ضد نظام آبي أحمد علي".
وفي 17 أغسطس/آب الجاري، أعلن الحزب القومي الديمقراطي العفري انضمامه إلى تحالف جبهة تيغراي وجيش أورومو، وطالب الجيش الاتحادي والموالين له في الإقليم بمغادرته.
كما دعا الحزب القوات الخاصة العفرية والشرطة المحلية للانضمام إلى ما سماها المقاومة، لإسقاط حزب الازدهار، الذي أسسه آبي أحمد. وتقف إدارة العفر إلى جانب آبي أحمد، لكن جبهة تيغراي تقول إن الأحزاب المعارضة من العفر طلبت منهم دخول قواتهم إلى إقليمهم.
وحسب موقع "الرواية الأولى" السوداني، فإن الجيش الإثيوبي وميليشيات موالية له من الأورومو والأمهرة حاولوا العبور من إقليم العفر إلى تيغراي، الذين صدوا الهجوم وتقدموا وسيطروا على عدة مديريات في العفر، بمساندة قوية من المعارضة العفرية السياسية والعسكرية.
والحزب القومي الديمقراطي العفري حل نفسه في 2019، وانضم إلى حزب الازدهار الحاكم، لكن على ما يبدو وقع انشقاق داخل الحزب بعد دخول متمردي تيغراي إلى العفر مؤخراً، وحديث عن فرار رئيس الإدارة المحلية إلى أديس أبابا، وانضمام عشرات الآلاف من العفر للقتال إلى جانب آبي أحمد، ما يعني انقساماً بين أبناء الإقليم الواحد. وتجدر الإشارة إلى أن العفر بحسب العديد من المصادر الإعلامية مسلمون من أصول يمنية.
الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول
في 19 أبريل/نيسان الماضي، تمكن مسلحون من حركة بني شنقول من السيطرة بشكل كامل على مقاطعة سيدال بالإقليم، بعد تمرد 200 جندي إثيوبي من بني شنقول، واستولوا على أسلحة للجيش في معارك بالإقليم، وانضم إليهم عدد من الأهالي.
وليس من المستبعد أن تنضم الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول إلى التحالف الذي تشكل بين جبهة تحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو، رغم عدم ثقتها في الأولى، بعد تجربة سابقة. كما أن دعم السودان لحركة تحرير بني شنقول ليس مستبعداً هو الآخر، خاصة بسبب الخلافات بين الطرفين حول سد النهضة.
ففي مايو/أيار الماضي، حذرت الخارجية السودانية إثيوبيا من أنها إذا كانت ترفض جميع "الاتفاقات الاستعمارية"، وتحديداً اتفاق 1902، فيجب أن تعيد إلى السودان السيادة على إقليم بني شنقول، الذي تسكنه أغلبية مسلمة تتحدث اللغة العربية.
وتشكلت الحركة الشعبية لتحرير بني شنقول في 1963 ثم أعيد تأسيسها في 1986، وتطالب بتقرير مصير الإقليم الذي كان تابعاً للسودان ولكن بموجب اتفاقية 1902، بين الحبشة (إثيوبيا) وبريطانيا التي كانت تحتل السودان، تم ضم بني شنقول إلى إثيوبيا مقابل عدم بناء الأخيرة سدوداً على النيل الأزرق.
وسبق للحركة أن تحالفت مع جبهة تحرير شعب تيغراي، ضد حكم منغستو هيلا مريام، وشاركت في القتال بألف مسلح، وبعد سقوطه حصل الإقليم على الحكم الذاتي في 1992، وأيضاً على ميليشيات معترف بها تسمى "الجيش الأحمر".
لكن جبهة تيغراي، التي استحوذت على الحكم ما بين 1991 و2018، فككت "الجيش الأحمر" وضمت عناصره للجيش الاتحادي، وسجنت قادته السياسيين. وفي عهد آبي أحمد، انضمت حركة بني شنقول لدعوات السلام، لكن فيما بعد سجن العديد من قادتها السياسيين، حسب القيادي في الحركة جعفر عباس.
وتُشيّد أديس أبابا سد النهضة في إقليم بني شنقول، وتتهمها الحركة الشعبية بتهجير قبيلة الجمز، وتغيير ديمغرافية المنطقة، وقيام ميليشيات من الأمهرة بحرق بيوت أفراد من القبيلة، عارضوا بناء السد على أراضيهم.
الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين
تعد إحدى الحركات المرجح أنها قد تنضم إلى تحالف جبهة تيغراي وجيش أورومو، بالنظر إلى أن عدوهم واحد وهو حكومة آبي أحمد.
وينشط متمردو الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين في إقليم الصومال الإثيوبي (شرق)، المتنازع عليه مع الصومال، والذي بسببه اندلعت حرب أوغادين بين البلدين، عامي 1977 و1978. وتسعى الجبهة للانفصال بالإقليم عن إثيوبيا أو الانضمام إلى الصومال.
لكن في خطوة من شأنها التأثير على قرار جبهة تحرير الصومال الغربي بالانضمام إلى التحالف المسلح المناوئ لآبي أحمد، أو التزام الحياد، هاجمت ميليشيات من إقليم العفر قرية "غاربا إيسى" بمنطقة سيتّي، في إقليم الصومال الإثيوبي، المتنازع عليه بين الإقليمين.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن ميليشيات العفر ارتكبت مذبحة، في 26 يوليو/تموز الماضي، راح ضحيتها المئات من المدنيين.
وكانت جبهة تحرير أوغادين وقعت اتفاق سلام مع حكومة آبي أحمد عند وصوله إلى الحكم في 2018، وتم حذف اسمها من قائمة الجماعات الإرهابية، عقب هجوم كبير شنته في 2007 ضد منشأة نفطية بالإقليم يديرها صينيون.
ولم تعلن جبهة تحرير أوغادين بعد استعدادها للتحالف مع تيغراي، خاصة أنها خسرت معظم قواعدها الخلفية في الصومال وفي الأقاليم التي تشكلت به.
وما يجمع الحركات الثلاث (جيش تحرير أورومو، وجبهة التحرير الصومال الغربي، والحركة الشعبية لتحرير بني شنقول) أنها ذات غالبية مسلمة، وتسعى للانفصال عن إثيوبيا، أو الانضمام إلى الصومال أو السودان.
وفي حال تحالفت هذه الجماعات الثلاث مع جبهة تيغراي، وانضم إليهم إقليم العفر، وحصلوا على دعم بعض دول الجوار، فإن الوضع في أديس أبابا يصبح حرجاً أكثر فأكثر، وقد يحتاج آبي أحمد للبحث عن تحالفات داخلية وخارجية لمنع تفكك بلاده.
وهذا ما يفسر دعوة آبي أحمد للتعبئة العامة، حيث استجاب له كل من إقليم الأمهرة وإقليم الأمم والقوميات والشعوب الجنوبية، وإقليم سيداما (جنوب) الذي تشكل في 2019، أما إقليما العفر وأورومو فهما منقسمان بين داعم للحكومة أو مساند للمتمردين.