نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً حول تبعات إعلان الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، الشهر الماضي يوليو/تموز، أن حركته لن تشارك في الانتخابات العراقية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ويقول الموقع إن العديد من منافسيه يرون فرصةً لهم في ذلك، لكن البعض الآخر كان "أكثر حذراً" بشأن التأثيرات التي سيُحدِثها انسحاب تحالف "سائرون".
الصدر.. أنا أو الفوضى
فبالنسبة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وقوى سياسية أخرى، يثير قرار الصدر تساؤلاتٍ حول قدرة العراق على إجراء الانتخابات من الأصل، حسبما قال مسؤولون وسياسيون ومُحلِّلون لموقع Middle East Eye البريطاني. وقالوا إن هناك مخاوف جدية من أن يتزعزع الوضع الأمني في الأسابيع المقبلة، وإن الفراغ السياسي الذي يخلِّفه الصدر قد يسبِّب الفوضى.
وأشار الصدر إلى ضرورة "إنقاذ الوطن الذي أحرقه الفاسدون ولا يزالون يحرقونه"، حين كان يعلن انسحاب مرشحيه رسمياً، لكنهم توقَّفوا جميعاً عن حملته الانتخابية وأعلنوا أنهم سوف يذعنون لقرار الصدر. ولدى رجل الدين الشيعي أتباعٌ مُخلِصون يصلون إلى 5 ملايين من المؤيِّدين- ومن المتوقَّع ألا يصوِّت الكثير منهم.
ويسيطر تيار الصدر على واحدةٍ من أكبر الجماعات شبه العسكرية في البلاد، وحوالي نصف المناصب الحكومية العليا والمتوسطة، وفي حال جرت الانتخابات، فقد يرى أنصاره أنها تحدٍّ للصدر نفسه، وهو ما يخشى المسؤولون أنه قد يؤدِّي إلى اندلاع أعمال عنفٍ ومظاهراتٍ في بغداد والمحافظات الجنوبية.
الانتخابات العراقية.. ارتباك سياسي سببه الصدر
وقال مسؤول عراقي كبير مقرب من الكاظمي لموقع Middle East Eye، تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته: "من الناحية الفنية، نحن أكثر استعداداً لإجراء انتخاباتٍ من أيِّ وقتٍ مضى، ولكن سياسياً، هناك ارتباك".
وأضاف: "إذا أُجرِيَت الانتخابات في موعدها، 10 أكتوبر/تشرين الأول، ستكون ناجحةً من الناحية الفنية، لكنها ستكون كارثيةً من الناحية السياسية بسبب غياب القوى الكبرى".
وقال: "الصدريون موجودون في القوى السياسية الكبرى التي لا يمكن تجاهلها أو المُضي قدماً من دونها، على الأقل لحماية نتائج العملية الانتخابية وضمان استقرار البرلمان والحكومة المقبلة وتمثيلهما للجميع".
الصدريون: "حرب قذرة تشن علينا"
جاء إعلان الصدر بعد يومين فقط من حريقٍ مدمِّر استهدف مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية؛ مما أدَّى إلى مقتل 64 شخصاً على الأقل وإصابة العشرات بجروح.
وسبق الحريق قصف العشرات من أبراج الكهرباء، ما أدَّى إلى انقطاعٍ شبه كاملٍ للكهرباء في عدة محافظات لعدة أيام، مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف إلى قرابة الـ50 درجة مئوية.
يسيطر التيار الصدري على وزارتيّ الصحة والكهرباء، وأثارت تلك الكوارث سيلاً من الانتقادات في المحطات التلفزيونية وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة لخصوم الصدر، الذين ألقوا باللوم على التيار في تلك الحوادث، قائلين إنها ناجمة عن الفساد والاستهتار بحياة الناس والافتقار التام للمساءلة.
سرعان ما صار يُنظَر إلى الرفض المفاجئ من جانب الصدر للانتخابات على أنه ردٌّ على هذا النقد العنيف، وهو أمرٌ وصفه زعيمٌ صدريٌّ بارز بأنه "حربٌ قذرة شنَّها الخصوم على الشعب لإحراجه هو وأتباعه". وقال للموقع البريطاني: "قرَّرَ الصدر الانسحاب من الانتخابات لوقف إراقة الدماء".
وزعم الزعيم الصدري أن "الهجوم الإعلامي علينا كان غير مسبوق، وأصبح الصراع الانتخابي دموياً وقذراً. استهدف خصوم الصدر الأبرياء لإسقاطنا سياسياً". وأضاف: "قرَّرنا الانسحاب لوقف هذا النزيف وفضحهم وإثبات للناس أننا لا نملك السيطرة على ما يجري".
القوى الشيعية وملء الفراغ الذي خلفه الصدر
بافتراض أن الانتخابات ستمضي قُدُماً، فإن غياب مرشحي الصدر سيدعم كلَّ خصوم الصدر من الشيعة. وهم يتوقَّعون الحصول على المزيد من المقاعد، خاصةً في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة، مثل بغداد ووسط العراق وجنوبه.
سيكون ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، العدو اللدود للصدر، ومُرشَّحو الفصائل المسلَّحة المدعومة من إيران أكبر المستفيدين من مقاطعة الصدر للانتخابات.
والآن، يخطِّطون للاستفادة من الوضع الحالي والحملة في مناطق الصدر التي لم يجرؤوا من قبل على الاستفادة منها، حسبما قال سياسيون ومراقبون لموقع Middle East Eye البريطاني.
وقال الزعيم بتيار الصدر: "المالكي والموالون (الأحزاب المدعومة من إيران) هم أكبر المستفيدين من انسحابنا. إنهم يسعون حالياً لإجراء الانتخابات بدوننا". وأضاف: "لكنهم لم ينجحوا، وإلا فسيكون عليهم مواجهة ما سيحدث. لا انتخابات بدون الصدريين، ولا برلمان ولا حكومة. الشارع لن يهدأ ولن يجرؤ الكاظمي على إجراء انتخابات من دون مشاركتنا".
وبدأ المُرشَّحون الصدريون، الذين يشعرون بالاستياء من عدم قدرتهم على الترشُّح للبرلمان لكنهم قلقون من التحدُّث علانيةً ضد زعيمهم، في الترويج لفكرة تأجيل الانتخابات حتى أبريل/نيسان، ليضمنوا مشاركتهم.
في غضون ذلك، يصرُّ خصوم الصدر على إجراء الانتخابات في موعدها، بحجة أن الصدر لا يقاطع الانتخابات بجدية، وأنه من المُرجَّح أن يعكس اتجاه القرار في أيَّةِ لحظة. في عام 2014، لعب رجل الدين الشيعي نفس الحيلة قبل انتخابات ذلك العام، لكنه تراجع عن قراره بعد شهرين.
"حيلة يفعلها الصدر كل مرة في كل انتخابات"
إلى جانب ذلك، يجادل خصوم الصدر بأن هناك حماساً شعبياً هائلاً لانتخابات أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وقد وُضِعَ بالفعل الإطار القانوني لإجراء الانتخابات.
وقال قيادي بائتلاف دولة القانون إن "تراجع الصدر عن قراره بمقاطعة الانتخابات لن يكون غريباً أو جديداً، لأنه فعل ذلك عدة مرات خلال السنوات الماضية". وأضاف: "لم يقدِّم مرشَّحوه طلباتٍ رسمية إلى مفوَّضية الانتخابات لسحب ترشيحهم. إذا كان الصدر جاداً بشأن قراره، فسوف يطلب منهم الانسحاب رسمياً".
خلال العام الماضي، روَّج الصدر وأتباعه لفكرة أن الانتخابات القادمة سوف تشهد انتزاع حركته 100 من 329 مقعداً في البرلمان، وحتى أن يصبح أحدهم رئيساً للوزراء. وجادلوا بأنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فسوف تُزوَّر الانتخابات.
ويعتقد القيادي بائتلاف دولة القانون أن هذا الخوف لن يتحقَّق فعلياً، لكنه أوقف الصدر تماماً. وقال: "سواء ندم على قراره أم لا، فقط خسر الرهان وأثبت أنه وأتباعه غير قادرين على الفوز بنصف عدد المقاعد التي وعدوا بها".
وقد استفز خصوم الصدر تأكيدات الزعيم الشيعي بأنه على وشك أن يصبح رئيساً للوزراء. لذلك، عندما ضربت الكوارث قطاعاتٍ تحت سيطرة التيار الصدري، سرعان ما ربط معارضوه هذه الكوارث بفساد التيار الصدري وإهمالهم.
وحين انسحب، قال معارضوه إنه لم ينسحب إلا لأن مرشَّحيه كان من المُتوقَّع أن يفوزوا بـ32 إلى 34 مقعداً فقط في البرلمان، وهو رقمٌ أقل بكثيرٍ من ذلك الذي توقَّعه الصدر نفسه.
وقال زعيمٌ بارز في حركة الحكمة إن قرار الصدر بمقاطعة الانتخابات كان بمثابة "تكتيكٍ للتهرُّب من وعوده وحفظ ماء الوجه". وخلف الكواليس، لا يُخفِي قادة التيار الصدري أنهم يراهنون على الفوضى والعنف، الذي يعتقدون أنه سيندلع في الشوارع قبل الانتخابات ويجبِر الحكومة وخصوم الصدر على تأجيل الانتخابات.