الحكومة الأفغانية لم تكن الأولى.. إليك 7 أنظمة صنعتها أو موَّلتها أمريكا ومن ثم تخلت عنها لتتم الإطاحة بها

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/20 الساعة 15:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/20 الساعة 15:14 بتوقيت غرينتش
العقيد فولجنسيو باتيستا، دكتاتور كوبا السابق المدعوم أمريكياً، في واشنطن، إلى جانب الجنرال مالين كريج، رئيس أركان الجيش الأمريكي، قبل أن تتم الإطاحة به عام 1959/ wikimedia commons

أدى الانهيار السريع للحكومة الأفغانية أمام حركة طالبان في أفغانستان، كما هو مُتوقَّع، إلى الكثير من "النحيب" و"صرير الأسنان" في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يقول ديفيد سيلفان، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بمعهد الدراسات العليا في جنيف، في مقالة له بموقع Responsible Statecraft الأمريكي. 

ويقول الكاتب الغربي إن المنتقدين من المسؤولين والجنرالات السابقين في الجيش الأمريكي كديفيد بترايوس وريتشارد هاس، جعلوا القرارات الرسمية حول أفغانستان- كاتفاق ترامب مع طالبان وتحديد بايدن مواعيد نهائية للانسحاب والتمسك بها- أهدافاً للإلقاء لائمة الفشل الأمريكي عليها.

وكما هو مُتوقَّع بنفس القدر، تشير الإدارة الأمريكية الحالية بأصابع الاتهام إلى الإدارة السابقة والحكومة الأفغانية. وكل تلك التحركات الخطابية هي "نغمة قديمة ما تزال رائجة في أدب الأشياء المنهارة"، ويُعَد إلقاء اللوم على الأفغان (غياب التواصل السياسي والفساد والقوات المسلحة المحبطة) تحديداً من الكلاسيكيات: انظروا مثلاً إلى "ورقة الصين البيضاء" التي أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية عن سقوط حكومة شيانغ كاي شيك- المدعومة أمريكياً- على يد "الجيش الأحمر" عام 1949.

رئيس أفغانستان المدعوم من أمريكا أشرف غني خلال هروبه من كابل قبيل سقوطها بيد طالبان، أغسطس 2021/ مواقع التواصل

تاريخ مروّع.. لماذا تفشل الأنظمة المدعومة أمريكياً في كل مرة؟

يضيف سيلفان، أن ما تغفله ممارسات "إعادة التدوير" الأمريكية هما نقطتان: الأسباب التي تجعل هذه الأشكال من الأنظمة المدعومة أمريكياً تفشل، والأسباب التي تجعل واشنطن تستمر في دعمها. 

بادئ ذي بدء، ليست حكومة أشرف غني في أفغانستان هي الحالة الأولى التي يحدث فيها انهيار عسكري سريع: ففي آسيا، بطبيعة الحال، لم يكن هناك فقط سقوط حكومة شيانغ كاي شيك الصينية المدعومة أمريكياً عام 1949، بل كان هنالك بعد ربع قرن من ذلك "لاوس" و"كمبوديا" و"فيتنام الجنوبية"، وما بينهما كانت هناك الهزيمة الفرنسية في الهند الصينية

وفي أمريكا اللاتينية، سقط نظام فولغينسيو باتيستا وتمت الإطاحة به من السلطة في كوبا قبل أن تتمكن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) من تجهيز "قوتها الثالثة". وحدثت قصة مماثلة في نيكاراغوا مع أناستاسيو سوموزا المدعوم أمريكياً. 

موبوتو سيسي سيكو والرئيس الأمريكي جورج بوش الأب في أمريكا، 1989/ wikimedia commons

وفي عام 1997، هُزِمَ موبوتو سيسي سيكو، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية سابقاً، على يد قوات كابيلا. كانت الأنظمة المنهارة في كل هذه الحالات مدعومة على أقل تقدير بشكل كبير بالأسلحة والمعدات الأمريكية، وبالمدربين والمستشارين في كثير من الأحيان. بل اشتبكت قوات برية وجوية أمريكية في العديد من هذه البلدان بالفعل في عمليات قتالية لفترات تراوحت بين بضع سنوات إلى عقد من الزمن أو ربما عقدين من الزمن.

في كل مرة، تنسحب أمريكا ومن ثم تنهار هذه الأنظمة سريعاً

كان النظام في كل موقف من هذه المواقف عاجزاً عن التصدي لهجوم عسكري من جانب القوات المتمردة دون مشاركة قتالية أمريكية فعلية أو بالوكالة، لدرجة أنَّه حين كان يبدأ هجوم جديد وتقرر الولايات المتحدة، لأي سببٍ كان، أنَّها لن تستخدم قواتها أو وكلاءها لإنقاذ النظام مرة أخرى، سرعان ما كان الانهيار يعقب ذلك. 

وكان مراقبو الانهيار يؤكدون المرة تلو الأخرى على الضربة التي تلقتها معنويات القوات الحكومية عقب قرار واشنطن وضع حد لمشاركتها. لكنَّ التركيز على ذلك القرار يعني تجاهل الاعتماد المطلق للنظام على المساعدات الأمريكية الفعلية والمستمرة. فلو كانت واشنطن سحبت القابس قبل أو بعد عام واحد أو عقد، لكانت النتيجة هي نفسها. وبصياغة بسيطة، لم يكن لدى هذه الأنظمة الفاسدة أو العميلة القدرة على النجاة بنفسها في مواجهة الخصوم الداخليين، كما يقول سيلفان.

لماذا تكرر أمريكا أخطاءها في كل مرة بدعم أنظمة هشة كنظام أشرف غني؟

يضيف الكاتب: أتصور أنَّ هذه الملاحظة ستُقابَل بتشكيك من المنتقدين الذين يقللون من أهمية مثل هذا النمط. فمن ناحية، قد يقللون من أهمية غياب الدعم الداخلي للأنظمة المدعومة أمريكياً، من خلال الإشارة إلى أنَّ "المتمردين" في أفغانستان وغيرها يتلقون أيضاً المساعدة من الخارج. الإجابة هي نعم، هذا صحيح، وفي هذا الصدد، يحصل الكثير إن لم يكن معظم الأنظمة التي تواجه "حركات تمرد" على مساعدة خارجية، لكنَّ عدداً من تلك الأنظمة لديه دعم داخلي أكبر بكثير من أشباه غني وسوموزا في هذا العالم. 

ثانياً، قد يقول المرء إنَّه لا يوجد نمط معين هنا، فأفغانستان فريدة من نوعها، إنَّها "مقبرة الغزاة"، على مدى قرنين من الزمن على الأقل. ربما، لكن لماذا إذاً حدث الشيء نفسه في الصين والكونغو وكوبا وكمبوديا؟

الرئيس الأمريكي أيزنهاور والرئيس الكوبي المخلوع فولجينسيو باتيستا في بنما في يوليو 1956/ wikimedia commons

إذا واجهنا الحقيقة، فإنَّ السؤال الحقيقي هو السؤال الثاني المطروح أعلاه: لماذا تواصل الولايات المتحدة دعم الدول التابعة من هذا النوع، بل أيضاً تسعى للحصول على أخرى جديدة؟ وللإجابة عن هذا السؤال، انظروا إلى السياقات التي بدأت فيها تدعم هذه الأنظمة المذكورة أعلاه (بمجرد تقديم الدعم، تصبح مغالطة التكاليف الغارقة أكثر قوة داخل البيت الأبيض ووزارة الخارجية والدفاع، أكثر حتى من أكثر المقامرين يأساً في لاس فيغاس). 

وفي بعض الحالات (الصين والكونغو وفيتنام الجنوبية ولاوس)، جرى التعامل مع النظام كجزء من صراع سياسي-عسكري أكبر. وفي حالات أخرى (نيكاراغوا وكمبوديا)، تحالف النظام مع الولايات المتحدة عقب الإطاحة بحكومة سابقة. ولا تزال هناك حالات أخرى (كوبا وأفغانستان) بُني النظام فيها في الحقيقة كجزء من احتلال عسكري.

أنظمة من ورق

ولنتذكر في هذا السياق الأخير الوضع في خريف عام 2001: كانت الولايات المتحدة قد أطاحت بطالبان بمساعدة العديد من أمراء الحرب. وبالنظر إلى السجل الحافل لكلتا المجموعتين، فإنَّ إنهاء العمليات العسكرية الأمريكية عند هذه المرحلة، أو قصرها على تورا بورا، كان ببساطة سيكون بمثابة عودة إلى الوضع الراهن السابق. من ثَمَّ، جمعت الولايات المتحدة ببساطة النخب السياسية غير المهزومة في البلاد وحولتها إلى حكومة، وهي عملية قامت بها أكثر من 12 مرة في مناطق أخرى على مدار القرن الماضي.

لكن ما لا يبدو أنَّه حدث هو أي نوع من التقييم لاحتمالية الفشل. لكن بالطبع لم يكن هناك ما يدعو للتفكير في الفشل، لأنَّه لم يكن هناك خيار آخر على الطاولة: لم ينادِ أحد بإنهاء القتال الأمريكي أو تقييده جغرافياً، ولا إلى تسوية تفاوضية مع طالبان. بعبارة أخرى، تحركت الولايات المتحدة تلقائياً لإنشاء نظام من ورق محل عدو مُنغِّص وكفؤ للغاية.  

يختتم الكاتب مقالته بالقول، إنَّ أحد الانتقادات الشائعة لأولئك الذين ينادون بسياسات اقتصادية تتعامل مع جانب العرض هي أنَّ إجابتهم في كل الحالات- من التضخم المفرط إلى حالات الكساد الكبرى- هي تخفيض الضرائب. لكن أولئك الذين يركزون على جانب العرض مرنون بشكل إيجابي مقارنةً بنظرائهم في مجال السياسة الخارجية. 

"هناك نظام نحبه ربما يواجه خطراً خارجياً من نوعٍ ما؟ حسناً، خذوه تابعاً. هناك نظام يواجه معارضة داخلية؟ خذوه تابعاً. تمت الإطاحة بنظام عدو؟ خذوا خليفته تابعاً. وفي ظل هذه الظروف، فإنَّ بناء تابع، مثل أفغانستان، في ظل الاحتلال هو أمر مُتوقَّع. في الواقع، كلما كان الوضع أسوأ، زادت احتمالية أن يكون هذا هو رد واشنطن. وإذا أردنا أن نتعلم شيئاً من التدخل في أفغانستان، فلا ينبغي أن يكون ذلك متعلقاً بالتكتيكات أو التوقيت. بل يجب أن تفكر الولايات المتحدة في كيف يمكن لحكومتها أن تفصل نفسها عن الأنظمة الأخرى التابعة والعاجزة عن العمل بمفردها، والأهم، كيف تقنع مسؤوليها المُعيَّنين والمُنتَخبين بتجنُّب الدخول في علاقات أخرى مثل هذه".

تحميل المزيد