يُعَد توقيت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن، الأسبوع المقبل لافتاً، فالأسبوع الماضي فقط كان بعض المحللين يقولون إنَّ بايدن هو أقوى رئيس أمريكي على الإطلاق بعد تمرير مشروع قانون ضخم للبنية التحتية، بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وإنَّ بينيت يجب أن يضع هذا في اعتباره، لكن الآن بعد الفشل الذريع للانسحاب الأمريكي من أفغانستان والصعود القوي لحركة طالبان سيدخل بايدن اللقاء من "موقف أضعف بكثير في المنطقة مما لو كان اللقاء عُقِدَ قبل أسبوعين"، كما تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وصعود طالبان من وجهة نظر الإسرائيليين
تقول الصحيفة إن الأحداث التي وقعت في أفغانستان لم تكن مفاجئة تقريباً بالنسبة للإسرائيليين، بل كانت تاريخاً يعيد نفسه، إذ تعلم إسرائيل بالفعل ما يحدث حين تنسحب من الأراضي، فربما نجح الأمر -في الغالب- بشكل جيد في شبه جزيرة سيناء، لكن في المرتين الأخيرتين من أصل ثلاثة، تولى الخصوم الإسلاميون السيطرة. أولاً حين غادر جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان عام 2000، ثم بعد الانسحاب من قطاع غزة عام 2005.
وفي كلتا هاتين الحالتين بنت إسرائيل كيانات لعزل المقاومة، أولاً "جيش لبنان الجنوبي"، الذي عمل مع الجيش الإسرائيلي، ثم قوات أمن السلطة الفلسطينية التابعة لحركة فتح، التي درَّبتها الولايات المتحدة، ثم سرعان ما سُحِقا على يد كل من حزب الله وحركة حماس على التوالي.
غير أنَّ إدارة بايدن تحركت كما لو أنَّها لا فكرة لديها عما حدث في منطقتنا من العالم، أو -كي نجري مقارنة لا يحبها بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن- في فيتنام.
كان تقدير الاستخبارات الأمريكية الذي نُشِرَ هو أنَّ الأمر سيستغرق من طالبان 90 يوماً من أجل السيطرة على كابول، لكنَّه استغرق من الحركة أقل من أسبوع، درَّبت الولايات المتحدة الجيش الأفغاني للقتال أمام طالبان، لكنَّ الجنود استسلموا للحركة سريعاً.
فضلاً عن ذلك، قالت الولايات المتحدة إنَّها ستمنح تأشيرات هجرة خاصة للأفغان الذين عملوا مع الأمريكيين، لكن لم ينجح إلا جزء ضئيل منهم في الخروج حتى الآن، واحتشد عدة آلاف من الأفغان في المطار بكابول لمحاولة الفرار.
كيف يؤثر ذلك على نظرة إسرائيل تجاه أمريكا؟
تقول جيروزاليم بوست، إن كل ذلك يؤدي إلى تمتع الولايات المتحدة بمصداقية أقل بكثير لفرض المطالب على إسرائيل وقطع الوعود لها.
لا تضغط إدارة بايدن حالياً على إسرائيل لتقديم تنازلات فيما يتعلَّق بالأراضي أو الاستيطان، رغم أنَّها تجاهر بمعارضة بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وتسعى إلى حل الدولتين على المدى الطويل.
وتقول الصحيفة، إنه لطالما سعت الولايات المتحدة -باستثناء إدارة ترامب- لتقديم ضمانات أمنية في مقابل انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية، لكن من الصعب إقناع إسرائيل بذلك، بالنظر إلى ما رأته في التاريخ القريب. فوفقاً للعديد من استطلاعات الرأي، في حين تؤيد أغلبية بسيطة من الإسرائيليين حل الدولتين، يميل عدد أقل منهم إلى القبول بالانسحاب من الأرض، كما أنَّ الانسحاب من غور الأردن هو أمر يرفضه الوسط واليسار، فضلاً عن اليمين السياسي في إسرائيل، بحسب الصحيفة ذاتها.
لم تَرُق لإسرائيل أبداً عروض نشر قوات دولية أو تكنولوجيا المراقبة الأمريكية، مثلما اقترح وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، محل قوات الجيش الإسرائيلي الموجودة على الأرض في غور الأردن، لكنَّ الوضع الحالي في أفغانستان يجعل الضمانات الأمنية الأمريكية أضعف وأقل مصداقية، فمَن ذا الذي يقول إنَّ الولايات المتحدة لن تسئم من ضمان أمن إسرائيل وتتوقف عن الاضطلاع بهذا الدور مهما كانت العواقب؟
انكسار أمريكا في أفغانستان يجعلها ضعيفة بنظر إسرائيل وأقل مصداقية
الأمر نفسه ينطبق على الضمانات الأمنية الأمريكية فيما يتعلَّق بإيران، فإدارة بايدن لا تزال تضغط من أجل العودة إلى اتفاق نووي مع طهران. وتطلب واشنطن من إسرائيل العمل معها بدلاً من إطلاق حملة علنية ضد المفاوضات النووية، قائلةً إنَّها ستعمل على ضمان "ألا تتمكن إيران أبداً من تهديد إسرائيل بالأسلحة النووية".
وقد وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت على تعاون أكبر في هذه المسألة، لكن لا بد أن يجعله الوضع في أفغانستان يُمعِن النظر عند التفكير طويل الأجل بشأن التهديد النووي الإيراني.
تقول جيروزاليم بوست، إن هذا هو السبب الذي يجعل الفلسفة الإسرائيلية الجوهرية بشأن الأمن القومي هي أنَّ إسرائيل بحاجة لأن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها، إنَّ عقد الشراكات أمر مهم وينبغي تنميته، لكن لا يمكن لإسرائيل الاعتماد عليه.
تضيف الصحيفة، أن ضعف الموقف الأمريكي في المنطقة عقب الانسحاب من أفغانستان قد يؤدي إلى جعل إسرائيل أكثر ضعفاً أيضاً، من حيث أنَّ أعداءها قد يختبرونها ليروا ما إن كانت لا تزال قوية حتى في الوقت الذي يتخبَّط فيه أكبر حلفائها الاستراتيجيين.
لكنَّ ذلك قد يُقوِّي موقف إسرائيل في المنطقة، من خلال تشجيع عقد الشراكات مع بلدان الشرق الأوسط الأخرى، التي تملك علاقات قوية مع الولايات المتحدة.
حين يتوجه بينيت إلى البيت الأبيض -أيَّا كان الوقت الذي سيحدث فيه ذلك- فإنَّه سيقابل رئيساً أمريكياً يملك أوراق ضغط أضعف، ومصداقية أقل مما كان قبل أسبوع واحد فقط فيما يخص الشرق الأوسط.
لكن مثلما أشار مصدر مقرب من بينيت، فإنَّ هذا الأخير قد يجد بايدن أيضاً أكثر استعداداً لأخذ مواقف بينيت وحلفاء إسرائيل الإقليميين بصورة أكثر جدية، في ظل سعي الولايات المتحدة لتقليص انخراطها في المنطقة، وفي نفس الوقت تجنُّب تكرار زلاتها، بحسب وصف الصحيفة.