تتباين الآراء في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حول كيفية الرد على الهجوم الإيراني بطائرات مسيرة في 31 يوليو/تموز 2021 على ناقلة النفط "ميرسر ستريت" في المياه الدولية قبالة سواحل سلطنة عُمان؛ مما أسفر عن مقتل فردين هما القبطان الروماني وأحد أفراد الطاقم البريطاني.
يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية إنه من الواضح أن الولايات المتحدة لم تكن هدفاً مباشراً للهجوم الإيراني. لكن واشنطن، إلى جانب القوى البحرية الأخرى، هي "الضامن النهائي" لحرية الملاحة في محيطات العالم- وهي مصلحة أمريكية حيوية. وتتقاسم الولايات المتحدة مع الدول الأخرى مسؤولية حماية هذا المبدأ الأساسي وردع أي اعتداءات أو انتهاكات جسيمة له.
في الوقت نفسه، فإن الهجوم على ناقلة النفط بالطبع هو جزء من الحملات الأوسع التي تشنها إيران في المنطقة عبر ساحات متعددة ضد الولايات المتحدة، أحياناً بشكل منفصل ضد أمريكا وحدها وأحياناً أخرى ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وسيكون من غير الحكمة فصل الهجوم على ناقلة النفط أو الحملات الإيرانية بالمنطقة عن المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة وقوى أخرى حول إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، كما تقول المجلة.
هل لا تزال إدارة بايدن مهتمة بالخيار الدبلوماسي مع إيران؟
لا شك أن هناك نقاشاً جارياً في واشنطن حول هذه الروابط وكيف سيؤثر أي رد على الهجوم الإيراني على محادثات العودة إلى الاتفاق النووي. إن قرار الولايات المتحدة بتحديد إيران باعتبارها الجاني الرئيسي في تلك الحادثة في الأول من أغسطس/آب 2021، والوعد "برد مناسب" على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، يعكس مرحلة مهمة في الجدل حول كيفية تصرف واشنطن في هذا الموقف.
هناك بعض المسؤولين الرئيسيين في إدارة بايدن يعتقدون أن تحديد إيران علناً باعتبارها المسؤول الرئيسي عن الحادث هو خطوة أمريكية رئيسية في حد ذاتها. من خلال هذا الاتجاه من التفكير، فإن أي دور أمريكي في الرد على الهجوم الإيراني من خلال استهداف الأصول الإيرانية- بشكل علني أو خفي، من خلال العمل العسكري أو الحرب الإلكترونية أو غير ذلك من الوسائل- سيشكل عودة إلى المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران والتي كانت آخر مشاهدها عقب مقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020 رداً على الهجمات الإيرانية على أهداف أمريكية في العراق.
وفقاً لهذا المنطق، فإن أي تصعيد من هذا القبيل من شأنه أن يخاطر بتوصيل تأكيد للقيادة الإيرانية بأن واشنطن ليست مهتمة بالدبلوماسية الجادة ولا يمكن الوثوق بها. لتجنب هذا الخطر، يفضل مؤيدو هذا النهج أن تقوم إسرائيل ببعض الرد المناسب على الهجوم الإيراني مع تصفيق الأمريكيين على ذلك وقصر جهود الولايات المتحدة على الإعلانات الدبلوماسية بدلاً من انخراطها في أي عمل.
على الجانب الآخر، يرى بعض كبار المسؤولين الأمريكيين أن توجيه أصابع الاتهام لإيران علناً باعتبارها الجاني في هجوم ناقلة النفط سيزيد التوقعات برد أمريكي أكثر حسماً. ويرى هذا الجانب أنه إذا لم يُقابل الهجوم الإيراني المميت على السفن المدنية برد قوي، فستفقد الولايات المتحدة قوتها الرادعة.
في ظل هذا الاختلاف في الآراء بشأن الرد الأمريكي المناسب على الهجوم الإيراني، ليس هناك وضوح أيضاً بشأن تأثير الرد الأمريكي الفعال على المفاوضات النووية مع إيران. وبعيداً عن عرقلة صفقة محتملة مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي، فإن رد الولايات المتحدة على الهجوم من شأنه أن يزيل أحد الأسباب الرئيسية وراء توقف المحادثات. في الوقت الحالي، هناك أربعة أسباب على الأقل لعدم التوصل إلى اتفاق مع إيران، على الرغم من التزام الرئيس الأمريكي جو بايدن العلني بالتوصل إلى اتفاق.
لكن ما هي أسباب عدم التوصل إلى اتفاق حتى الآن؟
السبب الأول هو أن المشاكل المالية لإيران قد تقلصت كثيراً. فقد أدى الارتفاع الحاد والمستمر مؤخراً في أسعار النفط وحجم صادرات الخام الإيراني إلى منح طهران مليارات الدولارات من الإيرادات غير المتوقعة، مما قلل من الحاجة الاقتصادية الملحة لاتفاق نووي من شأنه أن يزيل العديد من العقوبات الحالية.
ثانياً، تدرك إيران أن الفوائد الاقتصادية للعودة إلى اتفاق 2015 ليست كبيرة. فحتى مع وجود صفقة جديدة، من المرجح أن تخشى العديد من البنوك والشركات العالمية من ممارسة الأعمال التجارية في إيران. لذا فإن الحافز للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، رغم أنه حقيقي، ليس جوهرياً كما يُعتقد عموماً.
ثالثاً، بينما تتأرجح الدبلوماسية، تحرز إيران تقدماً هائلاً في برنامجها النووي، حيث وصلت في غضون أسابيع مما يعتبره بعض الخبراء "اختراقاً نووياً"- للقدرة على بناء قنبلة.
ورابعاً، كانت طهران ووكلاؤها يختبرون البيت الأبيض بقوة- سواء من خلال الهجمات على سفن النفط في الخليج أو عبر الهجمات بالوكالة التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران على أهداف أمريكية في العراق- دون أن يعلموا تحديداً ما هو الخط الأحمر لواشنطن وكيف سترد. كان الرد الأمريكي الأكثر شيوعاً حتى الآن هو ضرب مواقع الميليشيات الموالية لإيران في شمال شرق سوريا، وهو ما يبعث برسالة إلى طهران مفادها أن الولايات المتحدة تتجنب الصراع وليس ردعه. وحتى يجري توضيح هذه الرسالة، من المرجح أن تواصل إيران تصعيد هجماتها.
ما خيارات أمريكا أمام هذا المأزق الذي وضعتها فيه إيران؟
تقول فورين بوليسي إن الرد الأمريكي الفعال على هجوم ناقلة النفط ميرسر ستريت سيؤثر على حسابات إيران بشأن هذه القضية الرابعة. مثل هذا الرد قد يشمل العمل المنسق مع الشركاء لاستهداف القواعد البحرية للحرس الثوري الإيراني، أو المصانع التي تجمع أو تنتج أجزاء الطائرات الإيرانية المسيرة، أو المنشآت التي تدعم تصدير الأسلحة إلى وكلاء إيران في العراق أو اليمن أو سوريا أو لبنان. بدلاً من ذلك، بدعم من الشركاء ومشاركتهم، قد ترغب واشنطن في استهداف مجموعة أوسع من الأهداف الإيرانية للتأكيد على قدراتها على الردع ولجعل طهران غير متأكدة من التحركات الأمريكية المستقبلية.
وتضيف المجلة الأمريكية: لا يجب على الولايات المتحدة وشركائها- الذين قد يتنوعون من بريطانيا، المتضررة بشكل مباشر من هجوم ميرسر ستريت، إلى إسرائيل ودول الخليج- التملص من تقديم رد الفعال. فمثل هذا الرد من شأنه أن يعزز الردع في هذه الساحة.
على الجانب الآخر، يرى البعض في إدارة بايدن الجانب الآخر من القضية، حيث يرون أن الرد الفعال على الهجوم الإيراني سيخيف نظام طهران ويؤكد للمرشد الأعلى ورئيسه الجديد أن الولايات المتحدة قوة معادية لا يمكن الوثوق بها. لكن من المرجح أن تنظر إيران إلى تقاعس الولايات المتحدة عن الرد على أنه دعوة لمزيد من الاختبارات، مما يزيد من احتمالية وقوع هجمات أكثر فتكاً من تلك التي وقعت ضد ميرسر ستريت، الأمر الذي يعيق في النهاية المفاوضات الدبلوماسية.
في النهاية، تخلص المجلة إلى أن "المسار الفعال للعودة للمفاوضات الدبلوماسية مع إيران لن يأتي إلا عبر رد فعال على الهجوم الإيراني ضد ناقلة النفط ميرسر ستريت".