بعد أن أصبح استيلاء حركة طالبان على العاصمة كابول ومن ثم السلطة كاملة حتى قبل أن الانسحاب الأمريكي مسألة ساعات، ما احتمالات أن يمتد صراع النفوذ بين السعودية وإيران إلى أفغانستان؟
وأعلنت حركة طالبان، الأحد 15 أغسطس/آب، أنها تتفاوض مع حكومة الرئيس أشرف غني لتلسيم العاصمة كابول دون قتال، بعد أن كان مسؤول بحلف شمال الأطلسي قد قال الأسبوع الماضي إن انسحاب الحلف مستمر، مضيفاً لـ"رويترز": "مهمة الدعم الحازم (لحلف شمال الاطلسي) مستمرة وسحب قواتنا مستمر".
وأضاف: "لا يوجد حل عسكري للصراع، ويجب على طالبان أن تفهم أن المجتمع الدولي لن يعترف بها مطلقاً إذا رفضت العملية السياسية وحاولت الاستيلاء على البلاد بالقوة… وعليها أن توقف هجماتها وأن تشارك في محادثات السلام بحسن نية".
ومنذ أن أعلن الرئيس جو بايدن الانسحاب نهائياً من أفغانستان بنهاية أغسطس/آب الجاري، بعد عقدين من الغزو الذي لم يحقق شيئاً، أصبح الصراع بين الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب، وحركة طالبان مثار قلق من دول الجوار، ومنها إيران.
وتملك أفغانستان حدوداً يبلغ طولها نحو ألف كيلومتر مع إيران وتاريخاً من العلاقات المضطربة، وهو ما قد يجعل من الساحة الأفغانية جبهة بارزة جديدة في مستقبل التنافس بين الجمهورية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، عنوانه "هل تتحول أفغانستان إلى جبهةٍ جديدة في صراع النفوذ السعودي الإيراني؟".
لماذا تمثل أفغانستان تلك الأهمية لإيران؟
في معرض التوضيح لأهمية الجبهة التي قد تشكِّلها أفغانستان للجمهورية الإيرانية، قال وزير الخارجية الإيراني المنتهية ولايته، محمد جواد ظريف، إن "إيران إذا لم تنجح في إدارة أمورها جيداً وجعلت من نفسها عدواً لحركة طالبان، فأنا أعتقد أن بعض الدول العربية الخليجية والولايات المتحدة ستحاول تمويل وتوجيه طالبان لاستهداف طهران وإضعافِها وصرف انتباهِها بعيداً عن العراق وغيره من الدول العربية. إن أكبر تهديد لنا تشكيل نظام سياسي مناهض لإيران في أفغانستان".
ومن جهة أخرى، فإن المشكلات المحتملة لإيران مع أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان أو دولة مجاورة في حالة حرب أهلية، تطرح نوعاً من التشابه المغري مع ما تواجهه السعودية مع الحوثيين في اليمن من معاناةٍ برعاية إيرانية. وقد كانت السعودية، قبل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان في عام 2001، إحدى ثلاث دول فقط اعترفت بسيطرة طالبان على البلاد، وكان دافعُها إلى ذلك الرغبةَ في إثارة الاضطرابات على حدود إيران، بحسب تقرير الموقع الأمريكي.
ومع ذلك، فقد تغير الكثير ليس فقط في العقدين الماضيين، ولكن أيضاً في السنوات القليلة الماضية عما كانت عليه الأمور عندما كانت السعودية وبعض مسؤولي إدارة ترامب، مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون، تراودهم فكرة العمل على إطلاق حركات تمرد عرقية داخل إيران. كما أن أفغانستان ليست اليمن وطالبان مختلفة تماماً عن الحوثيين.
ماذا تريد طالبان في هذه المرحلة؟
أحد الشواهد على ذلك هو سعي طالبان، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى طمأنة جيران أفغانستان بأنهم يسعون إلى التعاون ولن يدعموا أي اتجاهات متشددة خارج حدود بلادهم. وقد استضافت إيران، الشهر الماضي، محادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية انتهت بإصدار بيانٍ مشترك دعا إلى تسوية سياسية سلمية، وصرَّح بأن "الحرب ليست هي الحل"، وإن كان ذلك لم يمنع استمرار الحرب القائمة منذ ذلك الحين.
ومن جهة أخرى، تدرك القيادة السعودية جيداً أنه ليس مرجحاً السيطرة على حركة طالبان أو التحكم في قراراتها، وأبرز مثال على ذلك وعد الحركة قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، بعدم السماح لأسامة بن لادن -زعيم تنظيم القاعدة- بتخطيط أو تنظيم هجمات من الأراضي الأفغانية، ثم الرفض اللاحق لتسليم بن لادن الذي كان مواطناً سعودياً.
وليس المقصد هنا استبعاد أن تتحول أفغانستان إلى جبهة جديدة لصراعات الشرق الأوسط، التي لا تشمل فقط السعودية وإيران، بل القول إن الاحتمال الأرجح بشأن أفغانستان هو أن تتحول إلى جبهة للصراعات، وإن كان الغالب ألا تكون فيها المعارك عن طريق الوكلاء كما غيرها وأن يهيمن عليها طابع الصراعات الاقتصادية والثقافية التي ستبدو فيها التحالفات مختلفةً اختلافاً كبيراً عما كانت عليه في الماضي.
ومع ذلك، فإن أحد العوامل الحاسمة في تحديد الكيفية التي ستكون عليها النزاعات هو موقف طالبان حيال المجموعات العرقية والدينية غير المنتمية إلى العرقية البشتونية التي ينتسب إليها معظم مقاتلي طالبان.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في الشؤون الأوراسية أناتول ليفن، إنه "إذا عادت أفغانستان إلى الوضع الذي كانت عليه قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما كانت طالبان في حالة حرب مع الهزارة الشيعة والأوزبك الأتراك، فمن المؤكد أن إيران وتركيا ستصطفَّان في الجبهة المقابلة لحركة طالبان، خاصة إذا استأنفت السعودية دعمها للحركة بوصفها أداةً لمهاجمة إيران. أما التصور المثالي، فيقول إن الإجماع الإقليمي كان يستطيع أن يضغط بنجاح على طالبان لاحترام الحكم الذاتي لمناطق الأقليات".
ماذا تريد السعودية من أفغانستان؟
وفي المقابل، قد يصعب على الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى لإقناع المجتمع الدولي بأن المملكة قطعت علاقاتها بالتفسيرات المتشددة من الإسلام، أن يدعم حركة طالبان التي ينظر إليها أعداؤها والغرب على أنها حركة متشددة. كما أنَّ دعم بن سلمان لحركة طالبان سيُعقِّد جهود ولي العهد السعودي لإبراز بلاده على أنها منارة لنسخة معتدلة ومتسامحة من العقيدة الإسلامية، كما سيضر بعلاقاته مع الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، فإن إستراتيجية القوة الناعمة الدينية التي يقدمها الأمير محمد قد تكون أنجع سبيلاً. وثمة شواهد تشير إلى حجم التغير الحاصل في هذا السياق، فبعض المنظمات الغربية غير الحكومية، مثل مؤسسة كونراد أديناور الألمانية، باتت تطرح السعودية بوصفها نموذجاً قد تحذو حذوه طالبان.
جاء ذلك في ندوة عبر الإنترنت استضافها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية (KFCRI)، حيث قالت إلينور زينو، المديرة القُطرية لمؤسسة كونراد أديناور في أفغانستان، إن "السعودية تطورت تطوراً استثنائياً في السنوات العشر أو العشرين الماضية. وقد رأيت بأُم عيني مدى ما بلغوه من انسجام بين الحياة العصرية وحقوق المرأة وتعليمها وإصلاحات قوانين العمل والحفاظ في الوقت نفسه على قيمهم الإسلامية. وهي بلا شك، نموذج جدير بأن تحتذيه طالبان".
مع ذلك، يُستبعد أن تكون الخطوات التي اتخذتها السعودية حتى الآن لكبح جماح طالبان وتمهيد الطريق أمام حلٍّ سلمي للصراع الأفغاني، قد جعلت المملكة أقرب إلى الحركة الأفغانية. وشهد "مؤتمر إعلان السلام في أفغانستان" الذي نظمته السعودية بمكة المكرمة في يونيو/حزيران، وحضره علماء مسلمون أفغان وباكستانيون ومسؤولون حكوميون، إدانةً من الحاضرين لأعمال العنف الأخيرة باعتبارها "لا مبرر لها"، وأكدوا أنه "لا يمكن تسميتها جهاداً".
وقد صرَّح يوسف بن أحمد العثيمين، الأمين العام لـ"منظمة التعاون الإسلامي"، التي تهيمن عليها السعودية، في المؤتمر، بالقول إن أعمال العنف التي تقودها طالبان بلغت حدَّ "الإبادة الجماعية ضد مسلمين".
على الرغم من هذا الخطاب، فإن الميل الذي أبدته إيران لاستيعاب حركة طالبان مع تولي الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي منصبه، قد يجعلنا نشهد في ضربٍ من المفارقة، دعمَ الجمهورية الإيرانية والمملكة السعودية كلتيهما لجماعةٍ لها تاريخ في معاداة الشيعة إذا وصلت طالبان إلى السلطة في كابول.
ويلخص مهدي جعفري، وهو لاجئ أفغاني شيعي في بلجيكا، الأمر بالقول إن الإيرانيين "لديهم الكثير ليربحوه من الاتفاق مع طالبان، أما الهزارة الشيعة فهم طرف أوهن بكثير من أن يُراهَن عليه في هذه الحرب. إيران دولة قبل أن تكون مؤسسة حكم دينية، ومن ثم فهم سيختارون أولاً ما في مصلحة بلدهم قبل أن ينظروا إلى ما قد يفيد الشيعة عموماً".