هل كان حزب الله يعلم بعملية إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان؟ تبدو كل السيناريوهات والإجابات المحتملة التي توصل إليها المسؤولون الإسرائيليون مثيرة للقلق حتى الآن بالنسبة لهم.
ويعزو مسؤولو دفاع إسرائيليون إطلاق ثلاثة صواريخ على مستوطنة كريات شمونة، يوم الأربعاء 4 أغسطس/آب، إلى إحدى المنظمات الفلسطينية النشطة في جنوب لبنان.
ويبدو هذا تفسيراً منطقياً؛ بالنظر لأن فصائل فلسطينية مختلفة كانت مسؤولة أيضاً عن إطلاق صواريخ في السنوات السابقة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه لأول مرة منذ سنوات، تقصف طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي مواقع لحزب الله قرب السياج الحدودي جنوب لبنان، في منطقة مرجعيون، رداً على إطلاق صواريخ أطلقت الأربعاء على مستوطنة كريات شمونة.
وقبل ذلك وفور إعلان الجيش الإسرائيلي أن ثلاثة صواريخ أطلقت من لبنان على الأراضي الإسرائيلية، أول من أمس الأربعاء، رد الجيش الإسرائيلي بنيران المدفعية المتواصلة، حيث ذكر الجيش اللبناني أن 92 قذيفة إسرائيلية أطلقت على لبنان.
ونُسِبِت كذلك عمليات القصف الأربع السابقة التي انطلقت من لبنان هذا العام، ثلاث منها خلال الحرب في قطاع غزة في مايو/أيار، إلى هذه المجموعات الفلسطينية نفسها، التي لا يسميها مسؤولو المخابرات الإسرائيلية عادةً، ويكتفون بالإشارة إليها إشارةً عامةً.
لكن السؤال الأهم هو ما الذي كان حزب الله، الحاكم الحقيقي لجنوب لبنان، يعرفه مسبقاً عن عمليات الإطلاق المخطط لها.
وقد أطلقت صواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان في الماضي أيضاً، في السنوات التي تلت حرب لبنان الثانية في عام 2006، لكن بوتيرة أقل بكثير.
هل كان حزب الله على علم بعملية إطلاق الصواريخ على إسرائيل؟
هناك سيناريوهان لتفسير عملية إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان.
الأول: أنَّ مثل هذه الأمور لا تحدث في جنوب بدون اتفاق مع حزب الله، حتى لو كان بمجرد غض الطرف من قبل الحزب.
الاحتمال الآخر هو أنَّ كثرة إطلاق الصواريخ تعكس الفوضى المتزايدة في لبنان، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية هناك.
هذان التفسيران المحتملان غير مشجعيّن لإسرائيل. فلو كان حزب الله سمح بإطلاق الصواريخ، فهذا يعني أن المجموعة اللبنانية ورعاتها الإيرانيين لم يعُد يردعهم الرد الإسرائيلي.
وإذا كانت إطلاق الصواريخ على إسرائيل قد تمت دون أن موافقة أو معرفة حزب الله -وهو الاحتمال الذي يميل إليه مسؤولو الجيش الإسرائيلي في الوقت الحالي- فهذا يعني أن المسلحين الفلسطينيين يقتربون من الحدود ويفعلون ما يريدون، دون أن يقيدهم أحد. وهذه وصفة مناسبة لتصعيد عنيف على جبهة حساسة وغير مستقرة.
بالنسبة لإسرائيل، فرغم عدائها لحزب الله فإنها ترى فيها خصماً لديه حسابات يمكن التعامل معها، أم إذا تدهورت الأوضاع في لبنان لدرجة خروج المجموعات الفلسطينية الصغيرة عن السيطرة، فإن هذا يعني إمكانية تكرار عمليات إطلاق الصواريخ دون أن يردع الرد الإسرائيلي المتوقع ضد لبنان وحزب الله هذه المجموعات.
عملية اختيار الهدف لم تكن عشوائية
وتقول الصحيفة الإسرائيلية يجب الانتباه إلى مسألتين أخريين، اللتين يمكن أن تكونا مصادفة لكن تحملان أهمية رمزية في عملية إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
أولاً: هذا هو أول إطلاق نار على كريات شمونة، أكبر مستوطنة في منطقة إصبع الجليل، منذ سنوات عديدة. وأياً كان من اختار فعل ذلك، فإذا كان على علم بتاريخ إطلاق صواريخ الكاتيوشا على كريات شمونة منذ نهاية الستينيات وما بعدها، وبالتالي فقد اختار هدفاً كبيراً وذا رمزية.
ثانياً، صادف يوم الأربعاء، 4 أغسطس/آب، الذكرى الأولى لانفجار ميناء بيروت الضخم، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، ولا يزال لبنان يواجه صعوبة في التعافي من الدمار الهائل الذي أحدثه. قد يكون اختيار التوقيت مرتبطاً أيضاً بمحاولة صرف الأجندة الداخلية داخل لبنان عمّا يحدث في بيروت إلى الوضع على طول الحدود الجنوبية.
ما العلاقة بين ما يحدث في لبنان والتوتر البحري في الخليج؟
يتزامن إطلاق الصواريخ على إسرائيل من جنوب لبنان، في ثاني حادث من نوعه خلال أسبوعين، مع وقت تتصاعد فيه التوترات في الخليج العربي بين إسرائيل وإيران.
إذ أصابت طائرة انتحارية بدون طيار، يعتقد أنها إيرانية، في يوم الجمعة 30 يوليو/تموز، سفينة ذات ملكية إسرائيلية غير مباشرة بالقرب من الساحل العُماني. وقُتِل اثنان من أفراد الطاقم: أحدهما روماني والآخر بريطاني.
واتهم وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، يوم الأربعاء، اثنين من كبار قادة القوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني بالمسؤولية المباشرة عن الهجوم. ووقع حادث غريب يوم الاثنين، 2 أغسطس/آب، بالقرب من ساحل الإمارات العربية المتحدة. فقد تأخر وصول عدد من السفن للخليج بعد اصطدام إحداها بلغم في البحر.
وبعدها، ذكرت إحدى السفن أنَّ مسلحين إيرانيين قد صعدوا على متنها واختطفوها. ثم أُفرِج عن السفينة صباح الأربعاء في ظل ظروف لم تتضح بعد بالكامل.
من المغري ربط كل هذه الأحداث ببعضها البعض: إيران تُصعِّد من تحركاتها ضد إسرائيل والغرب وتسمح لحزب الله، الذي يوجه مجموعات فلسطينية نيابةً عنها، ببدء استفزازات مماثلة على الحدود الإسرائيلية اللبنانية.
لكن الحقيقة هي أن المخابرات الإسرائيلية ما زالت تفتقر إلى تفسيرٍ مقنع كافٍ للعلاقة بين الأحداث في الخليج ولبنان، حسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية.
والواضح أن التوترات الإقليمية تصاعدت في الآونة الأخيرة مع تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي هذا الأسبوع واحتمال استئناف المحادثات النووية بين إيران والغرب نهاية الشهر الجاري في فيينا.
وتفترض الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن جيرانها، والإيرانيين، يختبرون ردود أفعالها ويأملون في رؤية كيف ستواجه حكومتها الجديدة التحديات. ومثل هذه التوقعات يمكن أن يشجع على رد عسكري أكثر صرامة، على المدى القصير أو في وقت لاحق. لكن يجب أن نتذكر التجربة المُكتسَبَة من فترة التصعيد في لبنان، وبشكل أكبر من قطاع غزة؛ وهي أنه يمكن حدوث عملية عسكرية كبيرة، وحتى حرب، نتيجة التراكم التدريجي للحوادث، دون أن تنوي الأطراف المعنية حدوث ذلك بالأساس على الإطلاق.