وسط أجواء ملبدة يخيم عليها حديث الحرب والانتقام، جاء إعلان غامض عن تعرض سفينة "لحادث خطف محتمل" قبالة سواحل الإمارات وتوجهت أصابع الاتهام نحو إيران، وفجأة قيل إن السفينة "المخطوفة" في أمان وانتهت القصة.
القصة التي تشبه إلى حد كبير أحد أفلام الأكشن، بدأت مساء الثلاثاء 3 أغسطس/آب، عندما ذكرت هيئة التجارة البحرية البريطانية أن "حادث خطف محتملاً" وقع قبالة ساحل الفجيرة الإماراتية.
وصباح الأربعاء 4 أغسطس/آب، أعلنت وكالة الأمن البحري البريطانية أن "عملية الخطف المحتملة" قد انتهت من دون أضرار، بعد أن نشر المصدر تغريدة جاء فيها أن "الأشخاص الذين صعدوا على متن السفينة غادروها وباتت في أمان وانتهى الحادث".
ماذا نعرف عن قصة "خطف السفينة"؟
وما بين الإعلان عن حادث "الخطف المحتمل" ثم إعلان انتهاء "الحادث" دون أضرار، شهدت تلك الساعات أحداثاً وتصريحات واتهامات متبادلة بين الغرب وإيران، وسط تحركات عسكرية مكثفة في منطقة بحر العرب قبالة سواحل عُمان المؤدية إلى مضيق هرمز في مدخل الخليج العربي.
وقال فرانك غاردنر، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية BBC للشؤون الأمنية، إن "التقارير" تفيد بأن ما يربو على تسعة رجال مسلحين صعدوا على متن السفينة "أسفلت برنسيس" لدى اقترابها من مدخل مضيق هرمز، الذي تمر منه نحو خُمس إمدادات العالم البحرية من النفط.
وعلى الفور قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن الوزارة تحقق بشكل عاجل في "التقارير التي تتحدث عن وقوع حادث" لإحدى السفن قبالة سواحل الإمارات، بينما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها على علم بالتقارير لكن من المبكر جداً إبداء رأي في الموضوع، ووصف البيت الأبيض التقارير بأنها "مقلقة للغاية".
وأصدرت منظمة بريطانية تُعنى بمراقبة الشحن التجاري بالسفن وتدعى "عمليات التجارة البحرية في المملكة المتحدة" بياناً حذرت فيه السفن التي تبحر بالقرب من إمارة الفجيرة في خليج عُمان بتوخي الحذر الشديد.
وقبل الحديث عن "احتمال تعرض سفينة أسفلت برنسيس لحادث خطف" بساعات قليلة، ذكرت أربع ناقلات نفط في نفس المنطقة أنها "فقدت السيطرة"، وهو ما يعني عادةً أن السفينة فقدت طاقتها ولا يمكنها القيادة. وذكرت وكالة أسوشيتد برس الأمريكية أن إحدى السفن بدأت في التحرك في وقت لاحق.
وتزامناً مع الإعلان عن حادث "الخطف المحتمل"، شُوهدت طائرة حراسة بحرية تابعة لسلاح الجو العماني تحلق فوق البحر، بحسب بيانات من موقع "فلايت رادار 24 دوت كوم". ويربط خليج عُمان بحر العرب بمضيق هرمز- الذي يعتبر طريقاً دولياً رئيسياً للملاحة.
وشملت التقارير أيضاً خلال تلك الساعات القول إن "مسلحين اختطفوا سفينة، ترفع علم بنما، في خليج عُمان واقتادوها نحو إيران، بحسب خدمة "لويدز ليست إنتلجنس" التي تقدم معلومات خاصة بقطاع النقل البحري.
إيران في قفص الاتهام
صحيفة "ذا تايمز أوف لندن" ذكرت في تقرير لها أن مصادر بريطانية تعتقد بأن السفينة "أسفلت برينسيس" تعرضت للخطف، وأن "العمل جارٍ على افتراض أن الجيش الإيراني أو وكلاء له على متن السفينة".
وفي إشارة إلى تلك التقارير قال وزير الخارجية السعودي لمركز أبحاث أمريكي عبر الإنترنت، إنه يرى أن إيران تتصرف بطريقة سلبية في المنطقة، ومن ذلك تعريض الملاحة البحرية للخطر.
وقال مسؤولون أمريكيون تحدثوا لرويترز -شريطة عدم الكشف عن هويتهم- إن الجيش الأمريكي يفكر في إعادة تمركز سفينة واحدة على الأقل في المنطقة المجاورة للسفينة "أسفلت برينسيس" لتتبعها عن كثب. وأضاف المسؤولون أن هذا أمر مُعتاد ويهدف إلى مراقبة الوضع وليس القيام بأي تحركات عسكرية وشيكة.
ويزيد من حدة وخطورة هذه التقارير والحديث عن "خطف سفينة" وإصدار سفن أخرى في بحر العرب رسائل تفيد "بفقدان السيطرة"، كونها تأتي في خضم أزمة مشتعلة بالفعل بعد تعرض سفينة إسرائيلية لهجوم قيل إنه تم بمسيرة انتحارية (تحمل متفجرات وتم توجيهها عن بُعد للهبوط على متن السفينة والانفجار فيها)، ووجهت إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة أصابع الاتهام لإيران، التي نفت تورطها في الهجوم.
وأبلغت بريطانيا ورومانيا وليبيريا مجلس الأمن الدولي بأنه من "المرجح للغاية" أن تكون إيران قد استخدمت طائرة بدون طيار أو أكثر لتنفيذ هجوم دامٍ على ناقلات نفط الأسبوع الماضي قبالة سواحل عُمان.
وقال مسؤولون أمريكيون في اجتماعات غير رسمية إنهم يراقبون الوضع عن كثب، لكنهم لا يتوقعون رداً عسكرياً في الوقت الحالي.
إيران تنفي وتندد بـ"الحرب النفسية"
الهجوم على الناقلة ميرسر ستريت التي ترفع علم ليبيريا وهي مملوكة لشركة يابانية وتديرها شركة زودياك ماريتايم الإسرائيلية في بحر عُمان مساء الخميس 29 يوليو/تموز دفع فجأة بالأمور بين إيران والغرب وإسرائيل إلى حافة الهاوية، وقالت الولايات المتحدة وبريطانيا إنهما ستعملان مع شركائهما للرد على الهجوم. وقالت إسرائيل على لسان رئيس الوزراء نفتالي بينيت إن تل أبيب قادرة على الرد بمفردها على "العدوان الإيراني"، بحسب وصفه.
والاثنين 2 أغسطس/آب، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة واثقة من أن إيران شنت هجوماً بطائرة مسيرة على الناقلة التي تديرها إسرائيل وكانت تمر عبر المياه الدولية قرب عُمان، وتوقع "رداً جماعياً".
إيران، من جانبها، نفت أي علاقة لها بالهجوم على السفينة الإسرائيلية، كما نفت أيضاً أي علاقة لها بما وصفتها "المزاعم" بشأن محاولة "اختطاف السفينة أسفلت برنسيس". فقد نفى الحرس الثوري الإيراني صحة التقارير بشأن حادث الخطف، ووصفها بأنها ذريعة "لعمل عدائي" ضد طهران.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن التقارير التي تحدثت الثلاثاء عن حوادث أمنية تتعلق بعدة سفن في هذه المياه تعتبر موضع شك، وحذرت من الجهود الرامية إلى "خلق أجواء كاذبة ضد إيران".
وقالت وكالة أنباء فارس إن أبوالفضل شكارجي، المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، ندد بالتقارير التي تحدثت عن حوادث بحرية وعمليات اختطاف في منطقة الخليج، ووصفها بأنها "نوع من الحرب النفسية وتمهيد الساحة لنوبات جديدة من المغامرات".
كما نقلت وكالة نور نيوز التابعة لجهاز الأمن القومي الإيراني الأعلى عن مسؤول كبير في البحرية قوله إن "حركة السفن التجارية تسير على نحو طبيعي تماماً ولم تبلغ أي مصادر بحرية رسمية أو دول في الخليج عن أي حوادث".
هل تخرج الحرب البحرية عن السيطرة هذه المرة؟
تكشف تلك الأحداث الدرامية وتقارير اختطاف السفينة أسفلت برنسيس من جانب رجال مسلحين ثم مغادرتهم لها بعد ساعات قليلة وانتهاء الحادث دون أضرار عن مدى خطورة "الحرب البحرية السرية" بين إسرائيل وإيران والممتدة منذ سنوات، بحسب تحذيرات المراقبين مؤخراً.
وعلى الرغم من أنه لم تعرف الجهة المسؤولة عن الاستيلاء على السفينة "أسفلت برنسيس"، وعلى الأرجح قد لا يعرف أبداً، لكن محللين يقولون إن أصابع الاتهام قد تتجه لقوات إيرانية.
وقال ألان جونسون، محلل شؤون الشرق الأوسط في BBC، إنه إذا ثبت أن هناك سفينة تم الاستيلاء عليها في خليج عُمان بالفعل، فستكون هناك شكوك باحتمال تورط القوات الإيرانية في الحادث، "فقد سبق لها أن احتجزت سفناً في هذه المنطقة".
والمؤكد هو أن تلك الحرب البحرية ليست فقط من جانب واحد، بمعنى أن سفناً إيرانية تعرضت أيضاً لهجمات وربما كان أكثرها حدة هو تعرض سفينة حربية إيرانية كانت راسية في البحر الأحمر إلى هجوم ضخم في أبريل/نيسان الماضي، ووجهت إيران الاتهام إلى إسرائيل، التي لم تنفِ ولم تؤكد تورّطها، لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلت عن مصادر أمنية أن السفينة الإيرانية كانت تمثل موقعاً عائماً لبحرية طهران في البحر الأحمر يهدد سلامة ملاحة البضائع الإسرائيلية.
وبشكل عام تمتد الحرب البحرية السرية بين إسرائيل وإيران إلى سنوات، ولكنها أخذت تتسع مؤخراً بصورة قال خبراء إنها قد تتسبب في خروج الأمور عن نطاق السرية والمحدودية إلى ما هو أوسع وأخطر، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وكان التوتر في مياه الخليج العربي بين إيران وإسرائيل قد ازداد حدة منذ عام 2018 بعد أن انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين طهران وست قوى عالمية وعاود فرض عقوبات تصيب الاقتصاد الإيراني بالشلل. وتبادلت إيران وإسرائيل الاتهامات بالهجوم على سفن تابعة لكلتيهما في الشهور القليلة الماضية.
وقد يكون تسارع وتيرة الهجمات والحوادث التي تتعرض لها السفن وناقلات النفط مؤشراً على أن الأمور باتت في طريقها للخروج عن السيطرة، بحسب فريق من المحللين، بينما يرى فريق آخر أن حرص إيران والولايات المتحدة على إعادة إحياء الاتفاق النووي خيار استراتيجي، وأن ما يجري حالياً ما هو إلا حلقة أخرى من حلقات "التفاوض الخشن" وليس دقّ طبول حرب لا يريدها أحد.