فرصة أخرى تضيع من بين أيدي الليبيين، بعد أن مرّت مهلة 1 أغسطس/آب، التي وضعتها مفوضية الانتخابات كموعد نهائي لاستلام القاعدة الدستورية دون أن يتحقق ذلك، ما يلقي بمزيد من ظلال الشك حول إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها.
وهذه المهلة الثانية التي تحددها مفوضية الانتخابات لاستلام القاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، والتي أخفق ملتقى الحوار ومجلس النواب بالإضافة إلى المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) في الالتزام بها، بعد مهلة 1 يوليو/تموز الماضي.
وفي هذا السياق، قال رئيس مفوضية الانتخابات عماد السائح: "كنا نأمل أن نتسلم القاعدة في الأول من يوليو، لكن هذا لم يحصل، ولهذا غيرنا الخطة العملية لتنفيذ الانتخابات، واستبقنا بعمليات أخرى، مثل تحديث سجل الناخبين وعدد من العمليات التي ليس لها علاقة بالقانون".
وأوضح السائح، في تصريح نقلته صحيفة القدس العربي، عن وكالة الأنباء الألمانية، في يوليو، أن "القاعدة الدستورية هي أساس العملية الانتخابية، وأن المفوضية لا تستطيع أن تنتقل في أي انتخابات ما لم تكن لديها قاعدة تَوَافق عليها جميع الليبيين".
وانطلقت عملية تحديث سجل الناخبين في 4 يوليو، على أن تنتهي في 2 أغسطس، لكن المفوضية مددت العملية أسبوعين آخرين، لتنتهي في 17 أغسطس، وبعدها بيوم واحد فقط، تنطلق عملية تحديث سجل الناخبين في الخارج.
وبلغ عدد المسجلين الجدد إلى 2 أغسطس نحو 380 ألف ناخب، ليرتفع إجمالي الناخبين المسجلين إلى نحو مليونين و720 ألفاً من إجمالي 7 ملايين نسمة عدد سكان ليبيا، ما يكشف أن مئات الآلاف من الليبيين لم يسجلوا أنفسهم بعد في القوائم الانتخابية.
لجنة التوافقات تفشل في تحقيق اتفاق
بعد خيبة الأمل التي خلفها تعثر اجتماع ملتقى الحوار السياسي في التوافق على قاعدة دستورية مطلع يوليو/تموز المنصرم، اجتمعت لجنة التوافقات المنبثقة عن الملتقى ثلاث مرات في 27 و31 يوليو، وآخرها في 2 أغسطس، لكنها فشلت هي الأخرى في تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف.
وخرج أعضاء لجنة التوافقات، الذين اجتمعوا افتراضياً، بنتيجة محبطة مفادها أن "جميع إمكانيات التوصل إلى حل وسط بشأن مقترح واحد قد استنفدت، وطلبوا بالتالي من البعثة إحالة المقترحات الأربعة إلى الجلسة العامة لملتقى الحوار للنظر فيها واتخاذ قرار بشأنها"، بحسب بيان البعثة الأممية.
لكن نقطة الضوء الوحيدة في اجتماع لجنة التوافقات، التي من الممكن أن تفكّ عقدة الاختلاف، تتمثل في اتفاق أعضائها على "آلية للتصويت المتوقع من قبل الملتقى على مقترح واحد أو مقترحات".
ولم توضح البعثة الأممية في بيانها تفاصيل آلية التصويت، لكن في غياب التوافق، يصبح الانتخاب بأغلبية الثلثين أو الأغلبية البسيطة، هو المخرج لحالة الانسداد هذه، مثلما كان الحال بالنسبة لاختيار أعضاء المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة، والتي لم تحسم بالتوافق وإنما بالتصويت على مرحلتين.
فالأعضاء الـ75 لملتقى الحوار، مقسمين إلى 4 تيارات رئيسية، الأول يمثله التيار المدني ويمثل الأغلبية، وتيار اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وتيار حزب العدالة والتنمية (إسلامي)، وتيار سيف الإسلام القذافي.
ويتوافق تيار حفتر والقذافي على عدم وضع شروط للترشح للرئاسيات، بينما يصر التيار المدني وحزب العدالة على ضرورة منع ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين ومرتكبي جرائم ضد الإنسانية من الترشح.
وهذه النقطة الجوهرية التي فجّرت الخلاف داخل ملتقى الحوار، إلى جانب نقاط أخرى أقل جدلية.
ومن الصعب إيجاد منطقة وسطى بين الطرفين لأن ترشح حفتر وسيف الإسلام مسألة لا تقبل النقاش بالنسبة لأنصارهما، بينما الطرف الآخر يرفض بشكل مطلق أيضاً تفصيل قاعدة دستورية على مقاس شخصين يتهمهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
والتصويت لن يكون فاعلاً إذا تم وضع عتبة فوق الـ60%، كما يقترح البعض، في ظل الانقسامات بين التيارات الموجودة داخل الملتقى، لذلك فالتصويت وفق عتبة 50% +1، من شأنه أن يكون أكثر واقعية، لكنه لن يحمل صفة التوافق، وقد يصعب على الطرف الآخر القبول بنتائجه، أو ستسعى الأقلية لعرقلة التصويت.
عقيلة صالح يسعى لتجاوز ملتقى الحوار
في الوقت الذي تحضر فيه البعثة الأممية لعقد جولة جديدة لملتقى الحوار، فاجأ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الجميع بدعوته لعدم عقد اجتماع آخر للملتقى، متوقعاً فشله.
وقال صالح، في حوار مع رويترز: "لدينا إعلان دستوري، لسنا بحاجة إلى الالتفاف وإضاعة الوقت. لا مساومة".
وحذر من إمكانية العودة إلى المربع الأول وتكريس الانقسام واحتمال ظهور حكومة موازية في الشرق، في حال تأجلت الانتخابات.
وهذا التحذير يتضمن تهديداً بتشكيل حكومة موازية في حال لم يتم الاستجابة لمطالب صالح وحفتر، والمتعلقة بتسهيل ترشح الأخير للرئاسيات، وتخصيص حكومة الوحدة ميزانية لميليشياته، وإتمام اتفاق توزيع المناصب السيادية على الأقاليم الثلاثة، وعلى رأسها منصب محافظ البنك المركزي، الذي وقع من نصيب الشرق.
وسعى صالح للمناورة من خلال تشكيل لجنة برلمانية تضم فقط نواباً موالين له، وحاول التحالف مع رئيس مفوضية الانتخابات، الذي يوجد على خلاف مع مجلس الدولة.
حيث عقدت اللجنة البرلمانية اجتماعاً مع رئيس مفوضية الانتخابات في روما، دعت له البعثة الأممية، التي وإن وافقت على الحضور إلا أنها شددت على ضرورة إشراك مجلس الدولة طبقاً للاتفاق السياسي.
وعرضت اللجنة البرلمانية مشروعي قانوني الانتخابات الرئاسية والتشريعية على الجلسة العامة للمناقشة، كما تحرك مجلس الدولة من جهته لإعداد نفس القانونين، ما قد يؤدي إلى جولات أخرى من النقاش يسعى فيها مجلس النواب إلى تهميش مجلس الدولة باعتباره مؤسسة استشارية، بينما يصر الأخير على أنه شريك أساسي في إعداد القوانين طبقاً للاتفاق السياسي.
إذ سبق لصالح أن أشار عند اعتماد مجلس النواب لحكومة الدبيبة، في 10 مارس/آذار 2021، إلى أنها ستصبح بعد 24 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام حكومة تصريف أعمال.
وبالنظر إلى عدم اعتماد مشروع الميزانية، في الوقت الذي لم يبقَ لحكومة الوحدة سوى أقل من 5 أشهر لانتهاء ولايتها، فإنه من الواضح وجود رغبة لابتزازها أو إفشالها من قبل رئيس مجلس النواب وحليفة حفتر.
ويتجلى هذا المخطط من خلال تأكيد المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، الأحد، أنه سيتم إدراج ميزانية خاصة لميليشيات حفتر في الميزانية العامة للدولة، ويتزامن ذلك مع موافقة حفتر على فتح الطريق الساحلي الرئيسي بين الشرق والغرب، الجمعة.
فحفتر كان بحاجة ماسّة إلى الأموال لدفع أجور ميليشياته ومستحقات شركة فاغنر الروسية بالإضافة إلى المرتزقة الأفارقة، وهذا ما دفعه للتنازل عن غلق الطريق الساحلي مقابل الحصول على ميزانية خاصة لتسديد "ديونه"، رغم أنه يرفض الخضوع لسلطة المجلس الرئاسي، القائد الأعلى للجيش، ولا حتى لرئيس الحكومة وزير الدفاع.
سيف الإسلام يخلط الأوراق
ظهور سيف الإسلام القذافي لأول مرة منذ إطلاق سراحه في 2017، من شأنه خلط أوراق حفتر، على اعتبار أن الجزء الأكبر من أنصار القذافي يدعمون الأخير.
وفي حال ترشح سيف الإسلام للرئاسيات، فإن ذلك سيضعف بشكل كبير حظوظ حفتر في الفوز بالرئاسة، لذلك سبق وأن حاول اغتياله.
وفي الوقت الذي يدافع رئيس مجلس النواب عن ترشح حفتر رغم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في طرابلس وغيرها، ورفضه التنازل عن جنسيته الأمريكية وبذلته العسكرية، إلا أن صالح يعارض ترشح سيف الإسلام للرئاسيات، لما يمثله من خطر على حظوظ اللواء المتقاعد.
والإثنين، قال صالح، خلال ردّه على مداولات النواب: "أي شخص مطلوب للجنائية الدولية لا يحق له الترشح لرئاسة الدولة"، في إشارة إلى سيف الإسلام.
ومحاولة اغتيال سيف الإسلام ومنعه من الترشح تشي بحالة من القلق في صفوف معسكر حفتر، واحتمالات انقسامه أو تفككه أو على الأقل فقدانه لفرصته في الفوز بالانتخابات.
وسيف الإسلام وإن كان يملك أنصاراً كثيرين مازالوا يحنون لعهد والده، إلا أنه لا يملك قوة عسكرية يمكنها حمايته من ثوار المنطقة الغربية أو من حفتر نفسه.
فالقبائل التي تدعمه سواء القذاذفة أو المقارحة أو الورفلة، تم نزع أسلحتها الثقيلة، باستثناء تلك التي انضوت تحت سلطة حفتر، والذي عادةً ما يصفي أي ضابط يحاول التمرد عليه أو يشق صفوف ميليشياته.
وقد تكون روسيا، وذراعها فاغنر، الوحيدة القادرة على حماية سيف الإسلام داخل ليبيا، ومساعدته على إعادة تجميع أنصاره وتسليحهم، وهذا أكثر ما يقلق حفتر، الذي أصبح فجأة من أكثر المطالبين بإخراج المرتزقة بدون استثناء من البلاد.
والصورة الإجمالية في ليبيا ضبابية وتميل للسواد بالنظر إلى وصول الفرقاء الليبيين إلى نقاط حرجة من التنازل يصعب بعدها تقديم تضحيات أكثر؛ لأن ذلك قد يعني هزيمة الطرف الذي يتنازل في هذه المرحلة.
وإذا لم تمارس الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مزيداً من الضغوط على أطراف الصراع فقد يستحيل بعدها إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها، بينما أصبحت الانتخابات الرئاسية محل شك، بالنظر إلى تصريحات رئيس مفوضية الانتخابات.
وفشل تنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر، وهو الاحتمال الأرجح في ظل هذه الظروف الحالية، سيتيح لعقيلة صالح البقاء في منصب رئيس مجلس النواب لسنوات أخرى، وسيعمل على تشكيل حكومة جديدة في الشرق.
كما أن حفتر سيحاول السيطرة مجدداً على طرابلس، لكن الدعم العسكري التركي لحكومة الوحدة يحول بينه وبين أي نصر محتمل، لذلك يريد إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة قبل الانتخابات وليس بعدها.
وفي حال استمرار توازن الرعب بين الشرق والغرب، وعدم إجراء الانتخابات في موعدها فسيؤدي ذلك إلى تكريس الانقسام، أما إذا اختل التوازن لصالح أحد الأطراف فمن المرجح أن تندلع الحرب مجدداً.