يبدأ المصريون في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل تداول عملات نقدية مصنوعة من مادة البوليمر أو "العملات البلاستيكية"، فما قصة تلك العملات؟ ولماذا تلجأ إليها بعض الدول بداية من أستراليا؟
كانت وسائل إعلام مصرية قد نشرت الأحد 1 أغسطس/آب نماذج للشكل الجديد للعملات فئة 10 و20 جنيهاً من العملة البلاستيكية، وقالت "بوابة الأهرام" إن العملة بشكلها الجديد سيتم إصدارها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، من المطبعة الجديدة للبنك المركزي المصري، بالعاصمة الإدارية الجديدة، وهي مصنوعة من مادة البوليمر.
لماذا تغيير العملة الورقية إلى بلاستيكية؟
وكيل محافظ البنك المركزي المصري لدار طباعة النقد قال في تصريحات لموقع مصراوي إن العملة الجديدة تصنع من مادة (البوليمر) وهي ليست بلاستيكية بالمعنى المفهوم ولكنها قريبة الشبه من البلاستيك.
وتتميز العملات البلاستيكية بمواصفات أفضل مقارنة بالعملة الورقية مثل طول مدة عمرها الافتراضي، فهي ليست سريعة التلف أو التشوه، إضافة إلى أنه من الصعب تزويرها، فضلاً عن أنها تصنع من مواد صديقة للبيئة، مقاومة للرطوبة والمياه والميكروبات.
ويرجع الحديث لأول مرة عن إصدار أول عملة مصرية بلاستيكية إلى عام 2018، حين صرح طارق عامر محافظ البنك المركزي بأن هذا التوجه يأتي كخطوة للحفاظ على النقود المصرية من التزوير، مؤكداً في تصريحات صحفية نية مصر إصدار بعض فئات النقود من مادة بلاستيكية باستخدام أحدث تقنية بنكنوت في العالم، في مطبعة البنك المركزي المصري بالعاصمة الإدارية الجديدة؛ وذلك بهدف الحد من تزويرها، والخفض من تكاليف الطباعة الورقية.
وكان من المقرر، طبقاً لعامر وقتها، طرح العملة البلاستيكية الجديدة المصنوعة من مادة البوليمر خلال عام 2020، موضحاً أنها ليست جديدة ومعمول بها منذ عشرات السنوات في بعض الدولة الكبرى.
هل النقود البلاستيك أفضل بالنسبة للمواطنين؟
الواضح أنها ليست نقوداً بلاستيكية بالمعنى الحرفي للكلمة، فالعملات الورقية المتداولة حالياً، في مصر على سبيل المثال، يدخل في تصنيعها خام الكتان، بينما العملات الورقية في الهند يدخل في تصنيعها مواد من القطن، لكن المؤكد أن الفئات النقدية المصنوعة من مادة البوليمر (أو البلاستيك) تكون أقل عرضة للتلف أو الاتساخ.
فعلى سبيل المثال، إذا نسي شخص ما بعض أوراق البنكنوت في ملابسه وتم غسل تلك الملابس، فالأوراق النقدية ستتلف على الأرجح ويخسرها، وهنا تأتي إحدى مميزات العملات البلاستيكية، بحسب تقرير تم نشره في الهند بمناسبة إدخال تلك العملات هناك عام 2017.
لكن بمجرد أن نشرت وسائل الإعلام المصرية صوراً لنماذج الشكل الجديد للعملات البلاستيكية فئة 10 و20 جنيهاً، ثار جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي بسبب ما ردده البعض من رسم "علم المثليين" أو "الرينبو" على العملة فئة 20 جنيهاً.
ومن جانبه أصدر البنك المركزي بياناً قال فيه إن "النماذج المنشورة صورتها قابلة للتطوير"، أي أنها ليست الشكل النهائي، رغم أن الأخبار المنشورة قالت إن الرئيس عبدالفتاح السيسي أُطلع الأحد بالفعل على عينات من البنكنوت الجديد الذي سيتم إصداره مطلع شهر نوفمبر القادم خلال اجتماع مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي.
فقد انتقد مغرد شكل العملة الجديدة وكتب: "20 جنيه عليها علم المثليين و10 جنيه عليها مسجد عبدالفتاح السيسي من بين مئات المساجد الإسلامية والمعالم التاريخية!!". كما انتقدت مغردة صورة فئة الـ20 جنيهاً، وكتبت: "الناس اللي بتقول الألوان على #العمله_الجديده ليست #علم_المثليين وإنما علامة مائية، الفلوس القديمة عليها علامة مائية غير ملونة! هتقول دي عملة بلاستيكية لازم تلون العلامة المائية بتاعتها غير العملات الورقية، فأولاً ليه عملوا عملة بلاستيكية؟ وثانياً يلونوها بأي ألوان، مش لازم دي".
وعلى إثر الانتقادات الواسعة على منصات التواصل الاجتماعي، قال مصدر مسؤول في البنك المركزي المصري لوكالة أنباء الشرق الأوسط، إن "النماذج المتداولة لصور العملات البلاستيكية من فئتي العشرة جنيهات والعشرين جنيهاً هي نماذج مبدئية وليست نهائية وقابلة للتطوير".
هل تسعى مصر للقضاء على الاقتصاد الموازي؟
كما انتشرت أيضاً عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر اجتهادات لتفسير الدافع الحقيقي للحكومة من وراء إدخال العملات البلاستيكية في النظام النقدي في البلاد، وكان أبرز تلك التفسيرات هو سعي الحكومة إلى محاصرة الاقتصاد الموازي، أو جمع الأموال التي يحتفظ بها المواطنون بعيداً عن البنوك هرباً من رقابة الحكومة.
ويأتي هذا التفكير في سياق وجود ما يُعرف بالاقتصاد الموازي في البلاد وسعي الحكومات في مصر إلى السيطرة على تلك الأنشطة والأموال المصاحبة لها من خلال إدراجها في النظام المصرفي، وجعل أغلب التعاملات المالية مهما كانت صغيرة تتم من خلال ماكينات الدفع البنكية كبديل عن التعاملات النقدية المباشرة.
وتبذل الحكومة مؤخراً جهوداً مكثفة في هذا الإطار وتبث وسائل الإعلام المحلية طوال الوقت إعلانات متنوعة لتشجيع المواطنين على اللجوء أكثر للدفع الآلي بدلاً من التعامل النقدي.
لكن من غير الواضح حتى الآن كيف يمكن أن يسهم بدء التعامل بالعملات البلاستيكية كبديل للعملات الورقية في تحقيق هذا الهدف؛ لعدة أسباب، أولها أن العملات البلاستيكية حتى الآن تشمل فقط فئتين هما 10 و20 جنيهاً وليست جميع الفئات الورقية المتداولة حالياً (ربع ونصف وجنيه ورقي و5 جنيهات و50 و100 و200 جنيه).
وثاني تلك الأسباب هو أن التعامل بالعملات الورقية فئة 10 و20 جنيهاً سيظل سارياً إلى جانب العملات البلاستيكية المقرر طرحها نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. لكن السبب الثالث والأهم في هذا السياق هو أن التحول من العملات الورقية إلى العملات البلاستيكية بشكل كامل يتطلب إعادة هيكلة كاملة للنظام المالي، وبصفة خاصة ماكينات الصرف الآلي (ATM)، حتى تصبح متوافقة مع طبيعة العملات البلاستيكية الجديدة.
متى بدأت "موضة" العملات البلاستيكية؟
وتسعى دائماً البنوك المركزية حول العالم إلى استكشاف حلول متجددة تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين فيما يتعلق بالأوراق النقدية، الهدف الأول هو إطالة العمر الافتراضي للأوراق النقدية تخفيضاً للتكلفة، والهدف الثاني هو رفع مستوى الأمان ضد عمليات تزييف العملة. ومن هذا المنطلق تعتبر أستراليا الدولة الرائدة عالمياً في مجال العملات البلاستيكية، التي تبدو وكأنها في طريقها لمزيد من الانتشار.
فقد كانت أستراليا أول دولة تطبع عملات نقدية من مادة البوليمر أو ما بات يعرف إعلامياً باسم "العملات البلاستيكية"، وكان ذلك مطلع عام 1988، حين بدأ طباعة عملة نقدية فئة 5 و10 و20 دولاراً أسترالياً.
وعلى مدار السنوات التالية منذ ذلك الوقت، طورت أستراليا نماذج تلك العملات وأصبحت جميع فئاتها النقدية من نفس النوعية، وشملت مراحل التطوير الأربع تغييرات في الشكل والمواصفات بهدف جعل عملية التزييف شبه مستحيلة وأيضاً سهولة التعرف على الفئة النقدية للعملة، حتى بالنسبة لفاقدي البصر.
والواضح أن تجربة أستراليا قد شجعت دولاً أخرى على أن تتبنى العملات البلاستيكية أيضاً، فحذت حذوها نيوزيلندا وكندا واسكتلندا وفيتنام وبروناي وبابوا نيو غينيا والهند وبريطانيا ودول أخرى.
تطور العملات النقدية حول العالم
وتعود قصة تطور العملات النقدية إلى العصور القديمة من التاريخ البشري المعروف حتى الآن، وقبل أن يتم اختراع العملات النقدية كانت المقايضة هي وسيلة التعامل بين الناس، أي مبادلة شيء بآخر يتساويان في نفس القيمة.
وقد عرفت مصر القديمة لأول مرة التعامل بالعملات المعدنية بدلاً من نظام المقايضة في العصر الفرعوني في القرن الثالث قبل الميلاد، وصنعت نقوداً من معادن كالذهب والفضة والقصدير والنحاس والحديد والبرونز. وتم سك العملات الذهبية للمرة الأولى باسم الملك "تاخوس" المصري في عام 350 قبل الميلاد.
وظل تداول العملات الذهبية والفضية في مصر سارياً حتى عام 1834، حين أصدر محمد علي والي مصر مرسوماً ينص على إصدار عملة مصرية تستند إلى نظام المعدنين (الذهب والفضة)، لتصبح العملة الرسمية المستخدمة في التعاملات، وبموجب هذا المرسوم أصبح سك النقود في شكل ريالات من الذهب والفضة حكراً على الحكومة فقط.
وفي عام 1898 دخلت مصر عصر النقود الورقية لأول مرة في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، بعدما أعطى فرماناً بإصدارها في صورة سندات ورقية من البنك الأهلي المصري؛ ليبدأ بعدها البنك في إصدار أوراق النقد لأول مرة في 3 أبريل/نيسان عام 1899.
ولا تختلف قصة تطور العملات النقدية حول العالم كثيراً عن مثيلتها في مصر قديماً وحديثاً، حيث استخدمت المعادن كالقصدير والبرونز والحديد والذهب والفضة في سك العملات في الصين قديماً وفي أوروبا وأيضاً في الأمريكتين، بحسب تقرير لـ"بي بي سي".