تمثِّل الاحتجاجات الإيرانية، التي امتدَّت طيلة أكثر من أسبوعٍ، على ندرة المياه اختباراً للرئيس القادم إبراهيم رئيسي، الذي سيتولَّى منصبه الأسبوع المقبل وسط تحدياتٍ متزايدة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية الطاحنة والمفاوضات النووية المتوقِّفة مع الغرب.
تركَّزَت الاحتجاجات، التي بدأت قبل نحو أسبوعين في محافظة خوزستان الجنوبية الغربية الغنية بالنفط، على اتهام الحكومة الإيرانية بتحويل المياه للتنقيب عن النفط، وخدمة المحافظات الأخرى، وإبعاد العرب في المنطقة عن الأرض. وهتف المتظاهرون "نحن عطشى"، فيما هتف البعض الآخر ضد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والجمهورية الإسلامية، بحسب تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
وقالت إيران يوم الثلاثاء، 27 يوليو/تموز، إنها اعتقلت عدداً من الأشخاص على حدودها الغربية، واتَّهمتهم بتهريب بنادق ومسدسات وقنابل يدوية لاستخدامها في أعمال شغب في المدن و"عمليات إرهابية"، بحسب التلفزيون الحكومي.
تراجع حكومي
في الوقت نفسه، استخدم قادة إيران نبرةً أكثر تصالحية مع المتورِّطين في احتجاجات المياه. اعترف خامنئي والرئيس حسن روحاني بمشكلة نقص المياه في خوزستان، وقالا إن الإيرانيين لهم حق قانوني في الاحتجاج.
وقال خامنئي يوم الجمعة، 23 يوليو/تموز: "إنه لأمر مؤلم حقاً أن نرى الناس يصلون إلى نقطةٍ أصبحوا فيها غير راضين عن نقص المياه ونظام الصرف الصحي، رغم كلِّ الأشخاص المخلصين الذين يعيشون في تلك المقاطعة، وكلِّ الموارد الطبيعية الوفيرة في تلك المنطقة، وجميع المصانع العاملة هناك".
وبحسب منظمة العفو الدولية، قُتِلَ ثمانية متظاهرين على الأقل في سبع مدن مختلفة.
وأكَّدَت وسائل إعلام رسمية مقتل أربعة أشخاص، وألقت باللوم في ذلك على "البلطجية" و"مثيري الشغب".
وبينما شهدت إيران احتجاجاتٍ منتظمة على مدار نصف العقد الماضي، تعكس الاضطرابات الحالية في خوزستان (الأهواز) عمق التحديات التي تنتظر إبراهيم رئيسي، بينما يستعد لتولي منصبه بعد تنصيبه في 5 أغسطس/آب المقبل.
ودفعت الأزمة الاقتصادية العميقة بالعديد من العائلات الإيرانية إلى الفقر، وقلَّصَت من قوتهم الشرائية بعد خفض قيمة العملة. وتفاقمت المصاعب الاقتصادية بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاقية النووية الدولية التي أُبرِمَت عام 2015 مع إيران. ووصلت المفاوضات مع إدارة الرئيس الحالي بايدن لإحياء الصفقة إلى طريقٍ مسدود.
اختبار إقليمي لرئيسي أيضاً؟
ويواجه الرئيس القادم توتُّراتٍ إقليمية، لا سيما بشأن احتمال إحياء الاتفاق النووي، الذي عارضته إسرائيل والمملكة السعودية. وتعرَّضَت إيران خلال العامين الماضيين للعديد من الهجمات المدمِّرة على منشآتها النووية، وتحمِّل إسرائيل مسؤولية هذه الهجمات، فيما ترفض إسرائيل أن تعلِّق على هذه المزاعم.
وفي الداخل، يواجه رئيسي أزمة ثقة بعد فوزه في الانتخابات، التي قاطعها الإيرانيون غير الراضين عن حكم البلاد. ويُعرَف رئيسي، وهو مسؤولٌ قضائي كبير منذ فترةٍ طويلة، بنهجه القاسي في التعامل مع المعارضة السياسية.
وتدل مشكلات خوزستان على مآزق أعمق تواجه إيران والشرق الأوسط. ويرجع نقص المياه الذي أشعل الاحتجاجات جزئياً إلى تغيُّر المناخ والجفاف والعواصف الرملية، لكن سنواتٍ من سوء الإدارة الحكومية ضاعفت مشكلات المقاطعة وقوَّضَت سُبُل عيش سكانها.
وحذَّرَ خبراء البيئة منذ عقودٍ من أن مشاريع التنمية في خوزستان تتسبَّب في أضرارٍ بيئية قد تؤدِّي إلى نقص المياه. وأدَّى بناء السدود الكهرومائية وتحويل المياه إلى المقاطعات المجاورة إلى تفشي العطش في خوزستان.
وقال مجتبى يوسفي، النائب البرلماني عن خوزستان، الأسبوع الماضي لوسائل إعلامٍ محلية، إن أكثر من 700 قرية في المحافظة تفتقر إلى مياه الشرب، وإن ماشية المزارعين تموت من العطش.
اضطرابات في كل إيران
وتزيد الاحتجاجات في خوزستان من حِدَّة الاضطرابات في أنحاء إيران، التي تعاني من انقطاعاتٍ طويلة في التيار الكهربائي هذا الشهر، فيما تلقي الحكومة اللوم في ذلك على الحرارة المرتفعة.
ودخل عمال النفط والبتروكيماويات من حوالي 100 شركة في معظم شهر يوليو/تموز في إضراباتٍ عن العمل، بسبب تدني الأجور وظروف العمل غير الآمنة لمن لديهم عقود مؤقَّتة.
خوزستان أيضاً موطنٌ لأقليةٍ عرقية عربية وجماعات انفصالية. وفي 2018، قَتَلَ مُسلَّحون 25 شخصاً في هجومٍ على عرضٍ عسكري في عاصمة خوزستان، الأهواز. واتَّهَمَت إيران السعودية والإمارات بتمويل المهاجمين.
وفي الاضطرابات الحالية بشأن المياه، يقول نشطاءٌ في المنطقة إن السلطات ردَّت بالعنف وبقطع الإنترنت- وهو تكتيكٌ أصبح روتينياً. وألقى المتحدِّث باسم وزارة الخارجية، سعيد خطيب زاده، يوم الثلاثاء، باللوم جزئياً في نقص المياه على العقوبات الأمريكية، التي قال إنها حالت دون نقل التكنولوجيا إلى قطاع المياه في خوزستان.