لطالما تمتّع صفوان ثابت بصيتٍ ذائع لكونه أحد أكثر رجال الأعمال نجاحاً في مصر، بعد أن حوّل شركة العائلة الصغيرة إلى أكبر وأبرز منتجي الألبان في الدولة العربية التي ضربتها الاضطرابات السياسية والاجتماعية على مدار العقد الماضي.
ولكن الآن، باتت غيمةٌ ضخمة تُخيّم حول مستقبل شركة جهينة للصناعات الغذائية، بينما يقبع مؤسس المجموعة ورئيسها (75 عاماً) داخل سجن طرة سيئ السمعة في القاهرة، عقب اعتقاله في ديسمبر/كانون الأول على خلفية اتهامات بتمويل جماعة إرهابية والانضمام إليها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
وتعلق آمال الشركة، التي يستثمر فيها العديد من مديري الصناديق العالمية، في أن يتمكّن سيف الدين ثابت- نجل صفوان- من إعادة السفينة إلى مسارها. ولكن في فبراير/شباط، واجه الابن نفس مصير والده بنفس التهم، لتجد المجموعة نفسها في مأزق.
وفي الوقت ذاته، وسّع الجنرال السابق والرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي من وجود الجيش في كافة مجالات الاقتصاد، ليخنق القطاع الخاص، بينما تجد الشركات أنفسها مضطرةً للتعامل ومنافسة أقوى مؤسسات الدولة، وفقاً للصحيفة البريطانية.
ما حقيقة علاقة صفوان ثابت بالإخوان؟
يرى أصدقاء عائلة ثابت أنّ الأب وابنه كانا ضحيتين للقمع الذي استهدف في البداية أعضاء ومؤيدي الحركة الإسلاموية- التي تولّت السلطة بشكلٍ مؤقت بعد انتفاضة عام 2011 الشعبية، لكنه امتد لاحقاً ليصير حملةً موسعة ضد كافة أشكال النقد والمعارضة.
وهم يقرون بأنّ والد صفوان ثابت وجده كانا عضوين بارزين في "الإخوان المسلمون"، لكنهم يصرون على أن رجل الأعمال ليست له علاقة على الإطلاق بالجماعة، وليس مهتماً من الأساس بأي نشاطٍ سياسي. ولم يخضع آل ثابت للمحاكمة بعد. كما لم ترد الحكومة المصرية على طلبات التعليق.
الأزمة بين جهينة والدولة المصرية قديمة كما يقول باحث اقتصادي مطلع رفض التصريح باسمه لحساسية الوضع، مضيفاً أن الجانب الأكبر من تفاصيلها غامض وغير مفهوم ولا يعرفه أحد، سواء في الأجهزة الأمنية أو داخل شركة جهينة نفسها.
وأضاف الباحث لـ"عربي بوست" أن التناقضات في مواقف الدولة من جهينة ومؤسسها تبدو عصية ليس فقط على الفهم ولكن على التصديق أيضاً، فقد رأينا كلنا صفوان ثابت وهو يجلس بجوار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حفل الإفطار الشهير في فندق الماسة عام 2014، وهو الحفل الذي تبرع فيه ثابت -الذي يمتد نسبه لأمه الى حسن الهضيبي المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، الذي تولى منصبه عقب مقتل مؤسس الجماعة حسن البنا- بمبلغ 50 مليون جنيه لصالح صندوق تحيا مصر.
وفي يناير/كانون الثاني 2017 تم إدراج اسم صفوان ثابت على قائمة الإرهابيين إلى جانب قيادات الجماعة لمدة ثلاث سنوات بحكم قضائي من محكمة الجنايات، أيدت خلاله المحكمة اتهامه و1533 آخرين بعدة اتهامات منها تمويل الجماعات الإرهابية واحتكار الشركات والمؤسسات للبضائع بهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني.
ورغم كونه تحت التحفظ وقائمة الإرهاب، تبرع ثابت مجدداً بمبلغ 15 مليون جنيه عام 2018 لصالح حملة القضاء على فيروس سي، وحصل نجله سيف، على درع التميز من هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، واللواء محمد أمين إبراهيم، أمين صندوق تحيا مصر.
الأمر الغريب هنا -كما يقول الباحث- أن صفوان ثابت من ناحيته لم يقم بأي محاولات للضغط على الدولة أو الاستقواء بالخارج في مواجهة حملات ترهيبه، مثلما لم يحاول تهريب أمواله أو الهرب خارج مصر، أو حتى تهريب أحد من أفراد أسرته، وكأن هناك سراً ما يحكم العلاقة بين الطرفين أو استناداً على جهاز سيادي أو أمني ما يجعل صفوان ثابت مطمئناً على مصيره مهما ظهر تجني الدولة عليه!
الأمر ليس علاقة بالسياسة.. شرط واحد لكي تنجو الشركة
لكن هذه العلاقة تغيرت بشكل واضح منذ أعلن الدكتور طارق سليمان، رئيس قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة، أنه ولأول مرة يصدر قرار وزاري بتنظيم تراخيص مراكز تجميع الألبان طبقاً للمواصفات القياسية، والتعاون مع وزارة الإنتاج الحربي لتصنيع معدات تجميع الألبان محلياً.
هذا القرار جاء بعد شهر تقريباً من توجيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بسرعة الانتهاء من إنشاء 200 مركز متطور لمراكز تجميع الألبان في جميع أنحاء البلاد. ولم يكد يمر أسبوعان على تلك القرارات حتى تم القبض على صفوان ثابت.
يقول مصدر مسؤول بشركة جهينة، إنه "كان من الممكن أن نصدق أن القبض عليه بسبب شائعات تمويله لجماعات الإخوان، لو لم يتزامن القبض عليه مع مشروع مراكز الألبان، والأهم من ذلك هو التضييق على الشركة من قبل الجهات الأمنية مما يعني أن المقصود هو شركة جهينة نفسها".
وقال اثنان من أصدقاء العائلة لصحيفة Financial Times البريطانية إنّ رجال الأمن حذروا سيف قبل أيام من اعتقاله بأنّه سيقابل مصير والده إلّا في حال "وقّع على أوراق تنازل عن الشركة". لكن سيف أجاب بأنّه ليس مخوّلاً بالتوقيع نيابةً عن العائلة أو المستثمرين الآخرين، فأُلقي القبض عليه بعد 48 ساعة.
ويعتقدون أنّ "المفاوضات" جارية الآن خلف الأسوار بين آل ثابت وبين الأجهزة الأمنية- ومن تداعيات ذلك أنّ الدولة ربما تساومهم على حريتهم مقابل مصادرة الشركة.
إذ قال أحد أصدقاء العائلة، من خارج البلاد: "يُمكن للشركة أن تنجو من الناحية النظرية. ولكن إذا قررت الحكومة أنّ الشركة لن تعمل بعد الآن؛ فلديها كافة الأدوات اللازمة لإيقاف الشركة. يجب الاتفاق على صفقة أو تسوية من نوعٍ ما. لكن طبيعة الصفقة تتوقف على الأشخاص القابعين في السجون".
فبعد استحواذ السيسي على السلطة، صنّفت حكومته جماعة "الإخوان المسلمون" جماعةً إرهابية، وصادرت أصول مئات الشركات التي كانت على علاقة غير رسمية بالحركة. كما تم إغلاق المنظمات غير الحكومية، والمستشفيات، والمدارس المرتبطة بالجماعة أيضاً. علاوة على اعتقال عشرات الآلاف من أنصار وأعضاء الإخوان داخل السجون.
صفقة مع أكبر منتجي الألبان في الدول الإسكندنافية
بدأت مشكلات صفوان ثابت عام 2015، حين تم تجميد أصوله الشخصية بسبب علاقاته المزعومة بالإخوان. لكنه استمر في رئاسة جهينة.
وقبل ثلاثة أشهر كان قد عقد صفقةً مع Arla Foods، أكبر منتجي الألبان في الدول الإسكندنافية. وفي وقت تجميد أصوله نجحت شركة Aberdeen Asset Management، إحدى أكبر شركات إدارة الصناديق المالية البريطانية، في زيادة حصتها بالمجموعة بنسبة 5%.
وتولّى سيف منصب المدير التنفيذي عام 2016، وصار نائباً للرئيس. والأب وابنه من أعضاء مجالس إدارة العديد من جمعيات الأعمال، مثل اتحاد الصناعات الغذائية وغرفة الصناعات الغذائية.
ورغم تجميد الأصول قبلها بخمس سنوات، لكن اعتقال صفوان صدم كافة المقربين منه. حيث قال أحد أصدقاء العائلة: "ليس من المنطقي أن تسمح الحكومة والمخابرات لشخصٍ مشتبه في قيادته وتمويله جماعةً إرهابية أن يُواصل العمل لمدة ست سنوات، ويلتقي بالرئيس وكبار المسؤولين، ويستثمر داخل البلاد".
قيادة شاحنات جهينة قد تُدخل السجن، والمستثمرون الأجانب يهربون
وبعد اعتقاله، بدأت الشرطة في توقيف شاحنات جهينة، وسحبت رخص الشاحنات مع تهديد السائقين: "قيادة شاحنات جهينة قد تتسبب في دخولك السجن"، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.
وأدت الحملة إلى احتجاز عشرات من سيارات النقل الخاصة بالشركة بسبب ما قيل إنه مخالفات مرورية، واحتجاز عدد من السائقين بتهم قيادة سيارات دون ترخيص.
وانخفضت القيمة السوقية لجهينة من 828 مليون دولار عام 2019 إلى 330 مليون دولار- بخسائر تصل إلى 60%. بينما خسرت البورصة المصرية نحو 30% من قيمتها في الفترة ذاتها.
إذ باع بعض المستثمرين الأجانب أسهمهم. حيث قالت Aberdeen Standard Investments إنّها لم تعد تمتلك أسهماً في جهينة، بينما قالت Arla Foods إنّها قرّرت أواخر العام الماضي "تقليل تعاونها مع الشركة المصرية نظراً لأوضاع السوق الصعبة".
وقالت إحدى شركات إدارة الصناديق الدولية إنّ مصر هي "سوقٌ به إمكانات نمو كبيرة، وشركات تُدار بشكل استثنائي للغاية". لكنها أضافت أنّها سوقٌ "ارتفعت فيه مخاوف الحوكمة بشدة خلال السنوات الأخيرة، حيث أدى تضاؤل سيولة البورصة إلى زيادة مخاطر الاستثمار من الناحية المادية".
وقال مصرفيٌ آخر إنّ هناك آمالاً كبيرة لمصر بعد دفع الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية الصعبة عام 2016، وذلك من أجل الحصول على قرض بـ12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. لكن الآن: "هناك الكثير من الإحباط بين المستثمرين. وفي نهاية المطاف، سنجد أنّ هناك من لا يرغبون في التخلّي عن السيطرة، ولن يرتاحوا لفكرة خلق مناخ يسمح للقطاع الخاص بالازدهار".