كانت التوترات قد تصاعدت بين الرباط والجزائر عقب إعلان المغرب مؤخراً عن دعمها لحق تقرير مصير شعب القبائل في الجزائر، لكن أزمة برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" سكبت مزيداً من الوقود على النيران المشتعلة.
وبيغاسوس هو برنامج إسرائيلي للتجسس كانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت نتائج تحقيق أجرته 17 مؤسسة إعلامية أفاد بأن البرنامج انتشر على نطاق واسع حول العالم، "ويتم استخدامه لأغراض سيئة". وزعم التحقيق أن حكومات 10 بلدان على الأقل من بين عملاء شركة NSO، بينها المغرب والسعودية والإمارات.
ونفت الرباط والرياض وأبوظبي الاتهامات بالتجسس على هواتف شخصيات عامة وأجنبية، باستعمال البرنامج الأخطر للتجسس، الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية التي تأسست عام 2010، ويعمل فيها نحو 500 موظف، وتتخذ من تل أبيب مقراً لها.
بيان جزائري وفتح تحقيق
ورغم نفي المغرب لما سماه المزاعم، أعلنت الجزائر الخميس 22 يوليو/ تموز أنها تحتفظ بحق الرد، على ما وصفته بـ"الاعتداء الممنهج على حقوق الإنسان"، عبر استخدام برنامج التجسس "بيغاسوس"، ضد بعض مسؤوليها.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيان: "الجزائر تعرب عن قلقها العميق بعد كشف مجموعة من المؤسسات الإعلامية ذات السمعة المهنية العالية، عن قيام سلطات بعض الدول وخاصة المغرب، باستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس بيغاسوس ضد مسؤولين ومواطنين جزائريين"، بحسب وكالة الأناضول.
وأضافت أن "الجزائر تدين بشدة هذا الاعتداء الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحريات الأساسية"، معتبرة أن الأمر "يشكل أيضاً انتهاكاً صارخاً للمبادئ والأسس التي تحكم العلاقات الدولية. هذه الممارسة غير القانونية والمنبوذة والخطيرة تنسف مناخ الثقة الذي ينبغي أن يسود التبادلات والتفاعلات بين المسؤولين وممثلي الدول"، بحسب المصدر ذاته.
وأضاف البيان: "الجزائر تحتفظ بالحق في تنفيذ استراتيجيتها للرد، وتبقى مستعدة للمشاركة في أي جهد دولي يهدف إلى إثبات الحقائق بشكل جماعي"، وتابع: "أي إفلات من العقاب من شأنه أن يشكل سابقة ذات عواقب وخيمة على سير العلاقات الودية والتعاون بين الدول، وفقاً للقانون الدولي".
وكانت النيابة العامة الجزائرية قد أعلنت الخميس أيضاً، في بيان، عن فتح تحقيق بشأن معلومات حول عمليات تجسس طالت شخصيات محلية باستعمال برنامج "بيغاسوس". ولم يصدر عن السلطات المغربية أي تعليق فوري حول ما ورد في البيان الجزائري.
ماذا جاء في المزاعم بشأن المغرب؟
وفقاً لبيانات قدَّمتها منظمتا Forbidden Stories والعفو الدولية لصحيفة Le Monde الفرنسية، فإنَّ الرباط "واحدة من أكبر مستخدمي برمجية التجسس، على حساب السلطات الجزائرية"، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنَّ "أكثر من 6000 رقم هاتف في المجمل لسياسيين وعسكريين وقادة وكالات استخبارات وموظفين عموميين رفيعين ودبلوماسيين أجانب ونشطاء قد استُهدِفوا".
كان عام 2019، وهو العام الذي تفجَّر فيه الحراك الشعبي الجزائري، ما أدى إلى استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وهو بالتحديد العام الذي استُهدِفَت فيه العديد من الشخصيات الجزائرية البارزة.
وتظهر في القائمة أسماء مثل أحمد قايد صالح، رئيس الأركان الجزائري السابق الذي توفي في ديسمبر/كانون الأول 2019، والجنرالات علي بن داود، وواسيني بوعزة، وبشير طرطاق، فضلاً عن أفراد عائلة بوتفليقة: أخويه سعيد وناصر، وأخته زهور.
تضم القائمة كذلك رمطان لعمامرة وعبدالقادر مساهل، وهما وزيرا خارجية سابقان، ونور الدين بدوي، وزير الداخلية السابق، ونور الدين عيادي، الأمين العام السابق لوزارة الخارجية ومدير ديوان رئاسة الجمهورية، وعلي حداد، الذي كان رئيساً لأكثر الاتحادات العمالية نفوذاً في عهد بوتفليقة ويقبع الآن في السجن بسبب الفساد، وعبدالعزيز رحابي وزبيدة عسول، وهما شخصيتان سياسيتان بارزتان في الحراك، ولونس غوماش، مدير موقع TSA الإخباري.
واستُهدِف دبلوماسيون جزائريون في مناصب بالخارج والسفير الجزائري لدى فرنسا، عبدالقادر مسدوة، إلى جانب السفير الفرنسي لدى الجزائر، إكزافييه دريانكور، وسفير الاتحاد الأوروبي.
قال رحابي، الشخصية السياسية البارزة، للصحيفة الفرنسية: "هذا جزء من حملة أعمال عدائية من جانب المغرب ضد الجزائر. وهذا العداء المستمر لا يستهدف المؤسسات فقط، بل الأفراد أيضاً".
مصدر استخباراتي جزائري قال لموقع Middle East Eye البريطاني إنَّ مثل هذا التجسس "شائع بين الدول"، وبدا أنَّه غير منزعج من المعلومات التي كُشِفَ عنها، وقال المصدر: "لا يمكنك القول إنَّه جرى استهداف الناس تحديداً على أساس عدائهم للمغرب، وإلا لكنت وجدت أعضاءً من جبهة البوليساريو"، في إشارة إلى الحركة الصحراوية التي تقاتل من أجل الاستقلال عن الرباط.
وأضاف: "من ناحية أخرى، لعبوا جميعاً دوراً في أزمة 2019. ومن ثم، ربما يمكننا استنتاج أنَّ المخابرات المغربية في تلك الفترة سعت للتعرف على ما يدور".
هل تم استهداف ماكرون بسبب الجزائر؟
سألت إذاعة راديو فرنسا، التي ركَّزت على ماكرون الذي أفادت تقارير بأنَّ رقم هاتفه كان على القائمة أيضاً، هذا السؤال: "إذا كانت الرباط بالفعل حاولت استهداف هاتف الرئيس الفرنسي خلال شهر مارس/آذار 2019، فأي معلومات كانت تبحث عنها؟". وآنذاك، كان ماكرون منشغلاً بالوضع المتوتر في الجزائر.
وقال راديو فرنسا: "إنَّها حقيقة جرى تجاهلها بشكل كامل تقريباً في الإعلام آنذاك، وهي أنَّ إيمانويل ماكرون أجرى اتصالاً مباشراً بالسفير الفرنسي لدى الجزائر، إكزافييه دريانكور، وطلب منه العودة إلى باريس لمناقشة الأزمة الجزائرية مع وزير الخارجية جان إيف لودريان. ووفقاً لمعلوماتنا، جذب إكزافييه دريانكور أيضاً اهتمام المخابرات المغربية حينها ويظهر رقمه بين تلك الأرقام التي ربما استُهدِفَت ببرمجية بيغاسوس".
وأضاف: "الدليل على أنَّ الوضع في الجزائر هو على ما يبدو محط اهتمام المغرب الأساسي، هو أنَّ الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي، الذي كُلِّفَ بالتحضير للعملية الانتقالية في بلاده بعد استقالة بوتفليقة، قد جاء أيضاً في مرمى أجهزة المخابرات المغربية في نفس فترة إيمانويل ماكرون. لكنَّ هذه مجرد فرضية واحدة ضمن فرضيات كثيرة".
ووفقاً لوحدة التحقيقات براديو فرنسا، وهي شريكة ضمن الائتلاف الذي كشف فضيحة التجسس، استُهدِفَ العديد من المغاربة البارزين أيضاً. وعلى رأس هذه القائمة… العاهل المغربي، محمد الخامس وحاشيته.
وأفاد راديو فرنسا بأنَّ "من الغريب في المغرب أنَّ المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أو بعبارة أخرى الشرطة والمخابرات، تخضعان لإدارة رجل واحد بقبضة من حديد: عبداللطيف الحموشي".
وأضاف: "ويبدو أنَّ التمتُّع بحماية الملك يمتد إلى حدود بعيدة، إذ ظهر العديد من أفراد العائلة الملكية بين أرقام الهواتف التي تمكَّن ائتلاف مشروع بيغاسوس من التعرف عليها في قائمة الأشخاص العرضة للهجوم ببرمجية بيغاسوس في المغرب".
على سبيل المثال: سلمى بناني، زوجة الملك وأم وريثي العرش، والأمير مولاي هشام، أحد أبناء عمومة الملك والرابع في ترتيب ولاية العرش والمُلقَّب بـ"الأمير الأحمر" بسبب انتقاده للنظام الملكي، وفؤاد الفيلالي، رجل الأعمال والصهر السابق للملك الحسن الثاني، ومحمد المديوري، زوج أم محمد الخامس والحارس الشخصي السابق للحسن الثاني.
وقال راديو فرنسا: "يبقى السؤال إذاً: هل صرَّح الملك باستهداف حاشيته، بما في ذلك هاتفه هو المحمول، لضمان سلامته في ظل أجواء من انعدام الثقة العميقة؟ أم هل منح رئيس الشرطة والمخابرات المغربية، الذي عيَّنه الملك نفسه في عام 2015، نفسه هذه الصلاحيات التي تتجاوز اختصاصاته كثيراً؟ هذا سؤال تستحيل الإجابة عنه".
ورفض المغرب يوم الإثنين الماضي، 19 يوليو/تموز، بشكل قاطع الادعاء بأنَّه حصل على برمجية بيغاسوس، ونفى أن تكون أجهزته قد استخدمت البرمجية للتجسس.
ثُمَّ، وفي مساء الأربعاء، 21 يوليو/تموز، ذكر مجدداً في بيان صحفي أنَّه "يدين بقوة الحملة الإعلامية المتواصلة المضللة والمكثفة والمريبة التي تروج لمزاعم باختراق أجهزة هواتف عدد من الشخصيات العامة الوطنية والأجنبية باستخدام برنامج معلوماتي".