في خطوة استبقت اجتماع مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، دعت القوات التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة، إلى "إخراج جميع المرتزقة والقوات الأجنبية دون استثناء قبل تاريخ 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 وليس بعده".
ووضع قوات حفتر هذا الشرط يهدف إلى تحقيق أمرين، أولهما التماهي مع مطالب المجتمع الدولي المتضمنَة في مخرجات مؤتمر برلين الأول والثاني، لتفادي أي عقوبات ضدها، لدورها الواضح وبالتنسيق مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في عرقلة عمل الحكومة ومنع توحيد الجيش وإفشال المسار السياسي.
أما الهدف الثاني الذي يسعى حفتر للوصول إليه فيتمثل في تحميل المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة مسؤولية عدم إجراء الانتخابات، في 24 ديسمبر/كانون الأول، كما هو متفق عليه، ما يتيح له اتخاذ عدم إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة مبرراً للهجوم مجدداً على العاصمة طرابلس.
فلهجة حفتر في الفترة الأخيرة بدأت تتصاعد بشكل ملحوظ بعدما اقتنع بصعوبة ترشحه للرئاسيات، بسبب إصرار ممثلي الغرب الليبي والقوى المدنية في ملتقى الحوار السياسي على رفض تفصيل قاعدة دستورية على مقاسه، حيث يسعى حفتر للترشح للرئاسيات دون التنازل عن جنسيته الأمريكية أو التخلي عن صفته العسكرية، وهو ما يرفضه أعضاء في ملتقى الحوار.
حفتر وفاغنر.. توتر صامت
مطالبة قوات حفتر بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة دون استثناء، تعني أنها لا تمانع في إخراج مرتزقة شركة فاغنر الذين يقاتلون في صفوفها، وكذلك المرتزقة السودانيين والتشاديين من ليبيا.
ويطرح ذلك تساؤلات حول عدم إخراج قوات حفتر لعناصر فاغنر الروسية بنفسها من البلاد عبر إنهاء عقودهم، بدل طلب ذلك من الحكومة، التي لا تملك سلطة عليهم.
فالأمر يتعلق إما بمحاولة إحراج حكومة الوحدة ورمي الكرة في مرماها باعتبارها من يرفض إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، أو أن حفتر ببساطة عاجز عن الدفع لمرتزقة فاغنر، ولم يعد يملك سلطة عليهم، بل أصبح يستنجد بالحكومة والمجتمع الدولي للتخلص منهم.
المؤكد أن حفتر يعاني من نقص التمويل الخارجي والداخلي الذي كان يحظى به من الإمارات والسعودية ومن الحكومة الليبية المؤقتة سابقاً برئاسة عبدالله الثني.
فبعد توحيد الحكومة في مارس/آذار الماضي، امتنع عبدالحميد الدبيبة، رئيس الحكومة، عن تخصيص ميزانية لقوات حفتر، التي ترفض الخضوع لسلطته.
بالمقابل رهن أنصار حفتر في مجلس النواب الإفراج عن الميزانية بتخصيص أموال لقواته، ما أدى إلى انسداد حقيقي بين الطرفين، وأعاد الانقسام بين الشرق والغرب إلى الواجهة مجدداً، وأثار شكوكاً بشأن إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها.
حفتر مدين لشركة فاغنر بأكثر من 150 مليون دولار
أحد مؤشرات فقدان حفتر لقدراته المالية التي امتلكها في 2019 قبيل هجومه على طرابلس، انسحاب المرتزقة التشاديين من صفوف قواته وزحفهم نحو العاصمة نجامينا، واستولوا في طريقهم على بلدات في شمالي تشاد قبل أن يتم وقف زحفهم في المنطقة الغربية للبلاد.
ففي تصريح سابق لمصدر عسكري تابع لحفتر، كشف فيه لـ"عربي بوست"، أن حفتر مدين لشركة فاغنر بأكثر من 150 مليون دولار منذ انتهاء عقدها أواخر 2019.
ويتحدث موالون لحفتر عن مخاوف بشأن إمكانية إطاحة فاغنر بحفتر من على رأس قواته، إن لم يدفع لها ما عليه من ديون.
فضلاً عن أن المرشح المفضل لروسيا لقيادة ليبيا ليس حفتر، وإنما سيف الإسلام نجل معمر القذافي، الذي تراهن عليه ليكون رجلها في البلاد والمنطقة.
وهذا ما يجعل حفتر يميل للتخلص من فاغنر، خاصة في ظل الضغوط الأمريكية والغربية عليه لفك الارتباط مع الروس، وهو لا يعارض ذلك، وإنما يبحث عن البديل، بحسب ما نقله عنه الإعلامي التابع له محمود المصراتي.
ففاغنر بالنسبة لحفتر "شر لا بد منه"، استعان بها للهجوم على طرابلس (2019-2020)، كما ساعدته في منع تقدم قوات الغرب الليبي نحو محافظتي سرت والجفرة (وسط)، لكنها بالمقابل تتبع أجندة روسيا بالدرجة الأولى، وحفتر لا يملك الأموال الكافية لسداد ديونه المستحقة لها.
مصر والجزائر.. ما علاقتهما بالتوتر بين حفتر وروسيا؟
في السياق، يبدو أن هناك فتوراً في العلاقات بين مصر وروسيا، بعد أن انحازت موسكو إلى الجانب الإثيوبي، عندما تم عرض قضية سد النهضة على مجلس الأمن.
وهذا التوتر من شأنه أن ينعكس على الوضع في ليبيا، فحفتر سبق له أن صرح لقناة مصرية في 2015 "إذا مصر تقرر شيء ضد مصلحة ليبيا فأنا معها".
لذلك ليس من المستبعد أن تلجأ القاهرة للضغط على موسكو لتغيير موقفها في قضية سد النهضة، عبر محاولة تهديد وجودها في ليبيا بلعب ورقة حفتر، وهذا ما يفسر حديث الناطق باسم قوات حفتر أحمد المسماري "بإخراج جميع القوات والمرتزقة دون استثناء".
أما بالنسبة للجزائر، فروسيا لم تقف مع حفتر في خلافه الأخير معها، بل إن قائد الأركان الجزائري سعيد شنقريحة وجه تهديداته لمن سماهم بـ"المعتوهين والمتهورين"، بعد عودته مباشرة من موسكو.
ما يعتبر تأييداً روسياً ضمنياً للجزائر ضد حفتر، ما قد يدفع الأخير المعروف باعتداده بنفسه، إلى التلويح بورقة إخراج فاغنر من ليبيا.
الدبيبة يؤلب مجلس الأمن على حفتر
أبرز ما قاله رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، الخميس الماضي، دعوته المجلس "التصدي للمعرقلين المحليين والدوليين الذين مازالوا يهددون بالحروب والحلول العسكرية، ويعملون بكل ما أوتوا من قوة من أجل حرمان الشعب الليبي من التعبير عن إرادته".
وهذه دعوة واضحة لمجلس الأمن بضرورة معاقبة حفتر، الذي ما فتئ يهدد بالعودة إلى الحرب مجدداً، واضعاً في كل مرة شروطاً تعجيزية مقابل عدم اللجوء إلى الحل العسكري.
وآخرها تهديده بأنه "إن لم يتم الوصول إلى الانتخابات، فإن قواتنا المسلحة مستعدة مرة أخرى لتحرير العاصمة من الميليشيات والمجرمين".
واشتراطه إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة قبل 24 ديسمبر/كانون الأول القادم وليس بعده، يعني أن هذا التاريخ قد يكون ساعة صفر جديدة لبدء هجومه على طرابلس، خاصة بعد تعزيزه لقواته في الجنوب لحصار المنطقة الغربية.
ويحاول الدبيبة، الذي يمتلك الشرعية السياسية لتمثيل ليبيا في الخارج والحديث باسمها، ممارسة ضغوط على حفتر وعلى مجلس النواب، من خلال المجتمع الدولي، لمنع حرب جديدة، وتحرير الميزانية.
كما دعا إلى خروج المرتزقة، وإجراء الانتخابات في موعدها، في رد ضمني على اشتراطات قوات حفتر، ما ينزع عنه أي حجة لتبرير هجومه المحتمل على طرابلس.
وجاء الموقف الأممي داعماً لحكومة الوحدة، حيث اتهم المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، قوات حفتر بعدم السماح للحكومة ببسط سيطرتها على الأرض.
كما حمل كوبيش مجلس النواب مسؤولية عدم توضيح الأساس الدستوري للانتخابات. وتركزت تدخلات مختلف الدول الأعضاء في مجلس الأمن حول ضرورة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، دون إصدار قرارات ضد المعرقلين للمسار السياسي وتوحيد الجيش.
وقد لا يكون الاكتفاء بالتلويح بالعقوبات كافياً لردع محاولة حفتر عرقلة إجراء الانتخابات إن لم تتم وفق شروطه، ولا حتى وقف تهديداته باجتياح العاصمة.
وروسيا لا تبدي استعداداً للتخلي عن تواجدها في ليبيا ضمن استراتيجية أكبر تشكل كل إفريقيا، حتى وإن صرح مسؤولوها عكس ذلك، حيث دعا نائب المندوب الروسي في مجلس الأمن إلى "انسحاب تدريجي ومنسق لجميع القوات الأجنبية من ليبيا".
ودعوة قوات حفتر لخروج "القوات الأجنبية والمرتزقة بدون استثناء" تهدف بالأساس لتجنب العقوبات الدولية، وتحميل حكومة الوحدة مسؤولية إخراجهم، وامتصاص الضغوط الأمريكية، والتلويح للروس بورقة ضغط (لا يملكها) في ملفات تتعلق بجارتيه مصر والجزائر.