أصبحت أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي محط أنظار الجميع، وفي ظل ميل ميزان القوة الواضح لصالح حركة طالبان على حساب الحكومة المدعومة من الغرب، تواجه الهند مأزقاً حاداً.
ومن المفترض أن ينسحب آخر جندي أمريكي من أفغانستان بنهاية أغسطس/آب المقبل، لتنهي واشنطن بذلك عقدين كاملين من غزو لم يحقق شيئاً، حيث تعاني أفغانستان من حرب أهلية طاحنة يتوقع المراقبون الغربيون أن تحسمها حركة طالبان وتسيطر على البلاد في غضون ستة أشهر على الأكثر، ما لم يتم التوصل لاتفاق تقاسم السلطة مع حكومة الرئيس أشرف غني.
الموقف الملتهب على الأرض في أفغانستان بات يمثل قلقاً لدى دول الجوار، سواء كانت روسيا أو الصين أو إيران، فسعت جميعها إلى مواصلة الحوار مع حركة طالبان وأرسلت الحركة وفوداً بالفعل إلى تلك الدول لمد جسور التفاهم مبكراً، لكن موقف الهند بالتحديد يبدو مختلفاً وشائكاً مقارنة بباقي الدول.
وتناولت مجلة Foreign Policy الأمريكية هذا الموقف في تحليل لها بعنوان "الهند تسارع لخطب ود طالبان"، ألقى الضوء على المأزق الهندي، المتمثل أساساً في دعم نيودلهي لحكومة كابول التي لا تبدو في وضع جيد مقارنة بطالبان.
لماذا تشعر الهند بالقلق؟
مع انسحاب آخر الجنود الأمريكيين من أفغانستان، هناك خوف ملموس في نيودلهي من أنَّ عودة طالبان إلى السلطة قد تعني عودة الجماعات التي لديها تاريخ من مهاجمة الهند. وتثير الاحتمالية المتزايدة المتمثلة في إمكانية استدعاء القوات الهندية لدخول أفغانستان أكبر المخاوف على الإطلاق.
وقد لا تكون الحكومة الهندية الوحيدة التي تشعر بالقلق، إذ تشعر روسيا وإيران والصين أيضاً بالقلق من تداعيات الحرب الأهلية الأفغانية الممتدة، بما في ذلك حدوث أزمة لاجئين واسعة النطاق. لكنَّ الهند بالتحديد موقفها أكثر صعوبة. فبينما بدأت روسيا والصين وإيران التحدث إلى طالبان قبل سنوات، لتكون أكثر قدرة على معالجة مخاوفها مباشرةً مع الحركة إذا ما عادت إلى السلطة، ظلَّت الهند متمسكة بمعارضتها المبدئية للحركة ووقفت بجانب حلفائها في الحكومة الأفغانية.
لكن الآن، فيما تبدو الحرب الأهلية وشيكة في أفغانستان ويتفق حتى الخبراء الهنود على أنَّ سلطة الحكومة الأفغانية ستقتصر على المراكز الحضرية، تفيد تقارير بأنَّ نيودلهي تسارع لإرسال رسائل تصالحية لطالبان، لكنها رسائل لم تلق جواباً حتى الآن.
في هذه الأثناء، لم تشعر الحكومة الأفغانية بالرضا حيال هذه التقارير، وتناشد الهند تقديم المزيد من الدعم في وقت شدتها. وصرَّح مسؤول أفغاني رفيع لمجلة Foreign Policy الأمريكية بأنَّ الولايات المتحدة التزمت بالفعل بتقديم 4.5 مليار دولار سنوياً، سيذهب جزء كبير منها إلى قوات الأمن الأفغانية، و29 مروحية قتالية من طراز Black Hawk. وقال المسؤول: "المزيد من مروحيات Black Hawk ستُغيِّر حسابات الحرب لصالحنا".
لم تسع الحكومة الأفغانية بعد إلى تدخل عسكري من جانب الهند، لكنَّ سفير أفغانستان لدى الهند، فريد ماموندزاي، قال للمجلة الأمريكية إنَّ أفغانستان قد تضطر لذلك: "إذا ما وصلنا إلى طريق مسدود تماماً مع طالبان، سنرغب في المساعدة العسكرية الهندية". ويُعَد انهيار الدولة الأفغانية سيناريو محتملاً، وربما يحدث أسرع مما هو متوقع. ووفقاً لتقدير وكالات الاستخبارات الأمريكية، قد تسقط الحكومة في غضون الأشهر الستة المقبلة.
سيناريو دخول الجيش الهندي إلى أفغانستان
قال سيد أكبر الدين، سفير الهند السابق لدى الأمم المتحدة والدبلوماسي البارز، إنَّه لا يوجد أي احتمال لنشر الهند جيشها في أفغانستان. وأضاف: "لدينا تحديات على جبهاتنا أيضاً. ولا أظن في الوضع الحالي أنَّ هناك أي قبول سياسي أو عام بهذا".
وقال راحول بيدي، وهو محلل هندي للشؤون الدفاعية، إنَّ الهند تعارض التدخل عسكرياً في البلدان الأخرى، لاسيما في دول مثل أفغانستان، حيث انهزمت معظم الجيوش الأجنبية.
وأضاف بيدي: "قدَّمت الهند عتاداً عسكرياً مثل 4 مروحيات وقطع مدفعية ميدانية وأسلحة صغيرة ورادار وذخائر وغيرها من العتاد الحربي. وكانت في التسعينيات قد نشرت أطقم صيانة جوية لصيانة مروحيات الجيش الأفغاني السوفييتية. يمكن أن تقدم الهند المزيد من العتاد العسكري، ربما من خلال أطراف ثالثة، وتمول ميليشيات صديقة أيضاً، لكنَّها لن ترسل جيشها".
لكن قد تضطر الهند في نهاية المطاف للتخلي عن مشروعاتها وتسحب نحو 3100 مواطن هندي، معظمهم مهندسون يساهمون في جهود إعادة الإعمار، بحسب بيدي.
لكنَّ بعض الأفغان يرون أنَّ الهند يمكن أن ترسل قوات حفظ سلام تحت لواء الأمم المتحدة. فكتب داوود مراديان، وهو محلل أفغاني، أنَّه يتعين على الأمم المتحدة أن تلعب دوراً قيادياً، بما في ذلك ملء الفراغ الأمني الناشئ من خلال نشر مهمة لحفظ السلام في أفغانستان. وأضاف: "يمكن لمهة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في أفغانستان أن تجمع الهند وباكستان معاً لمنع انزلاق البلاد نحو انهيار الدولة".
وعلمت مجلة Foreign Policy الأمريكية من دبلوماسي أفغاني كبير أنَّ فكرة مهمة حفظ السلام الأممية طُرِحَت لأول مرة قبل أشهر من جانب زلماي خليل زاد، وهو دبلوماسي أفغاني أمريكي ومهندس الاتفاق الأمريكي مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة. وتشير تقارير إلى أنَّ الصين ربما تفكر في إرسال قوة حفظ السلام إلى أفغانستان. لكنَّ حليفتها باكستان ليست بحاجة لذلك. أمَّا الهنود فمتشككون في الفكرة.
هل تأخرت الهند في التواصل مع طالبان؟
قال أكبر الدين، السفير الهندي السابق، لفورين بوليسي: "فكرة إرسال قو حفظ سلام أممية كبيرة إلى أفغانستان في الوضع الحالي لن تتحقق. فمهام حفظ السلام الأممية تعمل في بيئة يوجد فيها سلام يمكن حفظه. وليس في بيئة لا يوجد فيها سلام على الإطلاق…. أحد أطراف الصراع هو وكيل لباكستان، وبالتالي فهي ليست مقبولة كطرف محايد لحفظ السلام. ومن الواضح أنَّها لن ترغب بالهند هناك أيضاً. يُنهي هذا التفكير حيال إرسال قوات حفظ سلام هندية أو باكستانية إلى أفغانستان".
وحالياً يخوض المحللون الهنود نقاشاً حامياً حول ما إن كان ينبغي على الهند هي الأخرى التواصل مع طالبان في وقتٍ سابق حين كانت الحركة بحاجة إلى اعتراف نيودلهي. فقال أمار سينها، وهو سفير هندي سابق لدى أفغانستان، إنَّه كان يرى إجراء مباحثات مع طالبان في سبتمبر/أيلول العام الماضي. وقال سينها: "بمجرد أن جلس الطرفان، الحكومة الأفغانية وطالبان، معاً، كان ينبغي علينا بالتأكيد التواصل معهم. لِمَ لا في حين أنَّ كل الأطراف الأخرى يتحدثون معهم؟ علينا أن ننخرط معهم، مثلما نفعل مع أي فصيل".
وقال سيد أكبر أغا، أحد أبناء عمومة الملا سيد طيب أغا الرئيس السابق لمكتب طالبان في الدوحة، خلال زيارة لي إلى كابول في 2016، لفورين بوليسي إنَّ حركة طالبان ستكون سعيدة بالتصالح مع الهند. وقال أغا: "ليست لنا مشكلات مع الهند. في الحقيقة، نريد أن نرسل إليها رسالة سلام وصداقة".
وكانت الحركة تنقل الرسالة من خلال قنوات غير رسمية متنوعة في وقتٍ كانت العلاقة مع الهند فيه ستمنح طالبان الشرعية في المجتمع الدولي. وفي عام 2018، زار سفيران هنديان سابقان روسيا كمراقبين للمنتدى الروسي الإقليمي حول أفغانستان بحضور طالبان. ووفقاً لمصدر كان حاضراً في المباحثات، تواصلت طالبان آنذاك مع الدبلوماسيين الهنديين بصورة مباشرة وأعربت عن رغبة في إصلاح العلاقات. لكن الآن، فيما تحرز الحركة الانتصارات في ساحة المعركة، اختلفت نبرتها جذرياً وتخلت عن تلك اللهجة التصالحية.
فتحدث سهيل شاهين، أحد المتحدثين باسم الحركة، مع المجلة الأمريكية من الدوحة عقب عودته من موسكو، حيث كان وزملاؤه يهدئون مخاوف موسكو بشأن حالة التراجع الأمني في المناطق المتاخمة للدول السوفييتية السابقة.
طالب شاهين بأنَّه يتعين على الهند أولاً إثبات حيادها في الصراع إن أرادت الحديث مع طالبان. وقال: "لدينا علاقات سياسية مع روسيا وإيران والصين، ليس منذ سنة أو سنتين بل منذ سنوات عديدة. وقد زرناهم عدة مرات وطمأناهم بأنَّنا لن نسمح باستخدام الأراضي الأفغانية ضدهم. لكنَّ الهند كانت تقف مع الحكومة التي وضعها الأجانب. هي ليست معنا. وإذا ما تمسكت بسياستها بدعم حكومة مفروضة على الأفغان، لربما ينبغي أن تشعر بالقلق. هذه سياسة خاطئة لن تخدمها".
وزعم شاهين أنَّ الهند تُسلِّح الحكومة، وهو الأمر الذي أزعج الحركة، وقال: "كيف يُعقَل أن يكونوا راغبين في التحدث مع طالبان لكنَّهم يُقدِّمون الأسلحة والطائرات بدون طيار وكل شيء لكابول؟ هذا تناقض". وقال محللون هنود إنَّ الحكومة الهندية حذرة للغاية في مساهماتها العسكرية للحكومة الأفغانية وإنَّه من المبكر للغاية للهند أن تساعد أي متطوعين أو ميليشيات يدعمونها.
وليس واضحاً ما إن كان الوفد الهندي قد التقى ممثلي طالبان، مثلما أفادت الصحافة الهندية، أم لا. وقد نفت وزارة الخارجية الهندية التقارير، لكن قالت إنَّ الحكومة الهندية على تواصل مع "أطراف مختلفة صاحبة مصلحة". وكان وزير الخارجية الهندي سوبرامينام جايشانكار في روسيا وإيران في نفس الوقت الذي كان وفد طالبان يجري فيه زيارات لإجراء مباحثات مع ممثلي الحكومة الأفغانية. وقد بحث مخاوف الهند مع نظيريه الإيراني والروسي.
وبينما يخشى العالم سقوط كابول، فإنَّ الحكومة الأفغانية وأصدقاءها الهنود هم الوحيدون الواثقون من أنَّها ستصمد. لكنَّ الهنود ليسوا مستعدين للتدخل في حرب خسرتها جيوش حلف شمال الأطلسي "الناتو" والولايات المتحدة القوية. وربما يتعين على الهند تعزيز الأمن في كشمير على خط السيطرة مع باكستان وأن تأمل أن تُبقي الولايات المتحدة الحكومة الأفغانية واقفة على قدميها. وقال سينها، السفير الهندي السابق لدى أفغانستان: "حركة طالبان تتصرف كما لو أنَّها فازت، لكنَّها لم تفز. تتوقف شرعيتها على كيفية تعاملها مع شعبها".