بدت المملكة العربية السعودية وكأنها تستهدف إسرائيل خلال الأسبوع الماضي، عندما ذكرتها على وجه التحديد في إعلانها عن سياسات الإعفاء الضريبي الجديدة، حيث عدَّلت الرياض يوم الإثنين الماضي، 5 يوليو/تموز، قواعدها بشأن الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لاستبعاد البضائع المصنوعة في المناطق المعفاة من الرسوم الجمركية، أو التي "تستخدم المدخلات الإسرائيلية" -أي التي تحتوي على مكون من صنع إسرائيل أو من صنع شركة مملوكة كلياً أو جزئياً لإسرائيليين- من الإعفاءات الضريبية التفضيلية.
لكن فعلياً لم تكن السعودية في حالة عداء مع إسرائيل، بل إن الخطوة السعودية هي في الواقع جزءٌ من المنافسة المتصاعدة مع الإمارات العربية المتحدة على "عباءة القوة الإقليمية"، كما تقول صحيفة The Times of Israel الإسرائيلية.
"السعودية تحاول معاقبة الإمارات على اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل التي منحتها أفضلية على المملكة"
تقول الصحيفة إن إسرائيل ليست منخرطة انخراطاً مباشراً في التنافس السعودي الإماراتي الجاري، إلا أنَّ هناك عدداً من الطرق المحتملة التي يمكن من خلالها الانجرار إلى الوسط، مع تنافس البلدين على الهيمنة الاقتصادية والسياسية على منطقة الخليج.
وفي هذا السياق، يقول براندون فريدمان، مدير الأبحاث في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، لتايمز أوف إسرائيل، "إن السعوديين يحاولون معاقبة الإماراتيين بسبب اتفاقات إبراهيم، التي تمنح الإمارات ميزة اقتصادية إقليمية، وأيضاً تفوقاً سياسياً على المملكة".
رغم أنَّ الخلاف الحالي اقتصادي بالأساس فإنه يأتي على خلفية سنوات من التوترات المتصاعدة فقدت فيها الدولتان توافُقهما في الشؤون الدبلوماسية والأمنية.
تقول الصحيفة العبرية، رغم المظاهر الخارجية، يعاني التحالف منذ زمن بعيد من ضغوط، التي سعى كلا الجانبين في الماضي إلى إبقائها سراً. وفي الأشهر الأخيرة نجحت هذه الضغوط في كسر الحجاب المُحكم عادةً من السرية المحيطة بأفراد العائلات الملكية وصُنّاع القرار في الخليج.
"الإمارات تحاول التملص من مظلة السعودية"
يقول موران زاغا، الخبير في منطقة الخليج في معهد Mitvim الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية: "حدث شيء ما في السنوات العشر إلى العشرين الماضية جعل كل دولة تتعمق أكثر في أهدافها الوطنية، وتقليل العمل معاً".
مشيراً إلى أنَّ التحول الإقليمي بعيداً عن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري قد أعطى قيمة كبيرة للدول القادرة على تأكيد ثقل مكانتها، الأمر الذي ربما أعطى الإمارات الزخم المطلوب لمحاولة التملص من مظلة السعودية.
وقال زاغا: "ليس لديهم المظلة الدفاعية التي كانت لديهم من قبل، وترغب كل منهما في زيادة قيمتها النسبية في المنطقة".
ولم يؤثر الخلاف الناتج في العلاقات الاقتصادية للمنطقة فحسب، بل أثر أيضاً في أجنداتها الدفاعية، التي لا تتسق دائماً.
بالنسبة للسعوديين يمثل الإيرانيون التهديد الأمني الرئيسي، بينما ترى الإمارات في جماعة الإخوان المسلمين، والمحور التركي القطري الذي يدعمها، العدو الأساسي لها.
وعلَّق مدير الأبحاث براندون فريدمان على ذلك بالقول: "الرؤية السعودية الإماراتية متباينة، ففي حين أنَّ الإماراتيين قلقون للغاية ومتيقظون لأية جهة توجه بصرها نحو جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، فإنَّ السعوديين خارجياً لديهم نهج أقل عدوانية تجاه جماعة الإخوان خارج الحدود السعودية، رغم أنهم يعتبرون الجماعة بالتأكيد تهديداً داخلياً".
بينما عمل السعوديون عن كثب مع الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة إيران، يحتفظ الإماراتيون بقنوات دبلوماسية مفتوحة مع طهران وعلاقة تجارية صحية من دبي إلى الجمهورية الإسلامية.
الاختلافات بين السعودية والإمارات تتسارع منذ 3 سنوات
وقال جوشوا كراسنا، باحث الشرق الأوسط في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، إنَّ الاختلافات بين النهجين أصبحت أوضح وأبرز في عام 2019. وشهد ذلك العام عدداً من الهجمات المنسوبة إلى إيران وحلفائها الإقليميين.
ففي مايو/أيار 2019، تعرضت ثلاث ناقلات نفط وسفينة تجارية رابعة لانفجارات قبالة سواحل الإمارات. وفي سبتمبر/أيلول، تعرضت منشآت النفط السعودية لهجوم بطائرات مُسيَّرة؛ ما أدى إلى خفض إنتاج المملكة من النفط إلى النصف مؤقتاً.
وأدركت الإمارات، الدولة التي يعتمد اقتصادها على الشحن، أنَّ الولايات المتحدة لن تحميها بالقدر الذي تريده، وقررت أن تأخذ زمام الأمور بيديها من خلال تهدئة التوترات مع طهران. وتجنبت في تصريحاتها الحكومية الرسمية، بعد الهجمات على الناقلات، الإشارة إلى إيران بأنها الجانية، والتزمت وسائل إعلامها الصمت إلى حد ما فيما يتعلق بدور إيران، وبدأ المسؤولون الإماراتيون في التواصل مع طهران بشأن الأمن البحري.
على الجانب الآخر، كان السعوديون في البداية أكثر عدوانية بكثير، وقيل إنهم كانوا يستعدون لرد عسكري ضد إيران.
إضافة إلى ذلك، شهد نفس العام انهيار التحالف في اليمن. وأعلنت الإمارات أنها ستسحب قواتها من منطقة الحرب، ما فاجأ على الأرجح شركاءها السعوديين.
وساهم في تعجيل هذه الخطوة الانتقادات الدولية المتزايدة ضد التحالف الذي تقوده السعودية بشأن عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية في اليمن. وكانت هناك أيضاً انتقادات محلية كبيرة أثرت في قرار أبوظبي.
وفي اليمن، تدعم أبوظبي حركة انفصالية في الجنوب، مخالفةً بذلك السعوديين، الذين يدعمون حزب الإصلاح ذا التوجه الإخواني في صنعاء، الذين استثنوه من "قائمة المملكة الإرهابية".
بينما في ليبيا، كانت الإمارات العربية المتحدة أكثر استثماراً في الحرب الأهلية؛ لأنها مرتبطة ارتباطاً مباشراً بصعود جماعة الإخوان المسلمين. ودعم الإماراتيون بنشاط ميليشيات خليفة حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة؛ لأنَّ هذه الأخيرة مدعومة بقوة من تركيا.
وبدا أيضاً أنَّ الإمارات تقف وراء حصار مجلس التعاون الخليجي على قطر في عام 2017. فقد تحرك السعوديون والقطريون بسرعة لإصلاح العلاقات بعد قمة العلا في السعودية، في يناير/كانون الثاني 2021، التي غابت عنها أبوظبي، ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن الحصار كان سياسة تقودها في الغالب الإمارات.
علاوة على ذلك، سعى الإماراتيون -وليس السعوديين- للحصول على صفة مراقب في منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يهدف إلى مواجهة الطموحات التركية في البحر الأبيض المتوسط.
"خصومة اقتصادية محصلتها صفر"
يتفاقم التنافس الاقتصادي بين الشريكين السابقين منذ سنوات أيضاً، إذ يقول فريدمان، مدير الأبحاث في مركز موشيه دايان: "جزء من سبب حدوث ذلك هو أنَّ السعوديين قد تصدوا علناً للصورة الإقليمية الأكبر للإماراتيين اقتصادياً وسياسياً".
ويبدو أنَّ السعوديين ينظرون إلى هذا الوضع على أنه منافسة محصلتها صفرية، ويمرّرون قوانين تهدف إلى تحطيم المكانة الاقتصادية الإقليمية لدولة الإمارات.
وفي فبراير/شباط، أعلنت الرياض أنه بحلول عام 2024، ستُمنَع أية شركة متعددة الجنسيات لم تنقل مقرها الإقليمي إلى المملكة من العقود الحكومية المربحة، وهي خطوة تهدف بوضوح إلى تقويض مكانة دبي بوصفها مركز أعمال إقليمياً.
وشملت الإجراءات الأخرى حظراً على رحلات جوية سعودية إلى الإمارات ومحاولات شركة إدارة الموانئ السعودية Red Sea Gateway Terminal تحدي موانئ دبي العالمية. ويوم الإثنين 12 يوليو/تموز، أعلن السعوديون أنَّ المنتجات التي تحتوي على مكونات مصنوعة في إسرائيل لن تكون مؤهلة للحصول على مزايا ضريبة الاستيراد.
وظهرت المنافسة الاقتصادية على مرأى ومسمع من الجميع خلال الأسبوعين الماضيين؛ إذ اشتبك الجانبان علناً في اجتماع "أوبك +" الحاسم. وتركزت المحادثات بين أعضاء منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك) وروسيا حول محاولات الاتفاق على زيادات في إنتاج النفط مع انفتاح العالم مرة أخرى بعد إغلاق "كوفيد-19".
وطالب الإماراتيون، الذين استثمروا بكثافة في قدرتهم على إنتاج النفط من أجل تمويل التنمية الاقتصادية، بأن يتناسب إنتاجهم مع طاقتهم الجديدة. بينما اختلف السعوديون معهم، وانهارت المحادثات دون اتفاق. وقال فريدمان: "حقيقة أنَّ الخلاف يدور علناً هو البعد الأكثر إثارة للاهتمام هنا".
إسرائيل في المنتصف والخاسر الأكبر من الصراع السعودي الإماراتي
تقول "تايمز أوف إسرائيل"، إن جهود السعودية لإحباط البرنامج الاقتصادي الإماراتي أدت إلى جر إسرائيل إلى المعركة. بالنسبة للسعوديين قد يعني كبح الإمارات الحاجة لقمع المجالات التي تخطو فيها أكبر خطواتها، بما في ذلك الانفتاح على إسرائيل.
ويقول جوشوا كراسنا، باحث الشرق الأوسط في مركز موشيه دايان: "قد يكون السعوديون غير راضين عن السرعة التي تتحرك بها الأمور بيننا والإمارات العربية المتحدة، ومدى روعة هذه السرعة".
ويمكن أن تتحرك الرياض لعرقلة الصفقات التكنولوجية والتجارية المهمة بين إسرائيل والإمارات، أو إبطائها، إذا رأت أنها تمنح أبوظبي ميزة غير مُستحقّة عليها.
وفي الوقت نفسه، إذا تغلبت احتياجاتهم الاقتصادية أو الأمنية على المخاطر الداخلية المقترنة بالتطبيع، فقد يبدأ السعوديون في الخروج بعلاقاتهم مع إسرائيل إلى العلن، كما تقول الصحيفة العبرية.
ومع ذلك، عليهم أن يخطّووا بحذر أكبر بكثير من جيرانهم، إذ هناك معارضة داخلية قوية ضد التطبيع، ويخشى آل سعود من تعريض مجموعة التفاهمات الطويلة الأمد مع المؤسسة الدينية، التي وفرت للنظام الاستقرار والشرعية، للخطر.
كما يجدون صعوبة في تقييم مشاعر الشباب السعوديين، الذين لا يتذكرون الحروب الكبرى بين إسرائيل والدول العربية، ويشكلون ثلثي السكان. وهنا قال زاغا: "يجب عليهم إدارة هذا الخطر بحذر شديد".
في غضون ذلك، من المتوقع أن يواصل التنافس مع الإمارات نموه. وأشار زاغا: "هناك صراع متنام وهو يجعل كلاً من الشريكين يبحث عن طرق ليصبح أقوى".