في 16 يونيو/حزيران عام 2021، بعث ملك المغرب محمد السادس برسالة تهنئة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت. وقد لا يبدو هذا مفاجئاً بالنظر إلى أن المغرب طبّع العلاقات مع إسرائيل، في ديسمبر/كانون الأول 2020، ولكن في اليوم نفسه استقبل رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي زار المغرب بصحبة وفد رفيع المستوى، استقبالاً حاراً. وقد يبدو هذان الحدثان متناقضين، لكنهما في الواقع يعكسان المعضلة التي يواجهها المغرب في تحقيق توازن جديد بين العلاقة مع إسرائيل والتزام الرباط تجاه القضية الفلسطينية، فهل سيساعد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل على "إحلال سلام دائم في الشرق الأوسط" كما يقول أنصار التطبيع، أم أنه سيكون اتفاق منفعة مؤقتاً آخر؟
دوافع المغرب للتطبيع مع إسرائيل
يقول د.خليل العناني، الزميل الأول في المركز العربي للدراسات بواشنطن، في مقال له بموقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن التطبيع بين المغرب وإسرائيل قائم على "منفعة متبادلة"، حيث من شأنه أن يزيد قبول إسرائيل بين جيرانها العرب، ويحقق فوائد اقتصادية وجغرافية استراتيجية وسياسية للرباط. إذ يرى المسؤولون المغاربة أن التطبيع مع إسرائيل يعزز نفوذ بلادهم في المنطقة وعلى مستوى العالم.
ويقول العناني: بداية، فإن تطبيع المغرب مع إسرائيل يعتبر عنصراً أساسياً في اتفاق وقعته الرباط وواشنطن في 10 ديسمبر/كانون الأول عام 2020، اعترفت فيه الأخيرة بسيادة الأولى على الصحراء الغربية المتنازع عليها. ومن المؤكد أن الصراع على الصحراء الغربية كان من أولويات السياسة الخارجية المغربية منذ عقود. وفي الوقت نفسه وقع البلدان مذكرتي تفاهم تعهدت بموجبهما الولايات المتحدة باستثمار 3 مليارات دولار في المغرب ومنطقة الصحراء. وباعتراف ترامب بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية سلم الرباط هدية كانت تتوق إليها منذ عقود.
الحافز الثاني هو أن العلاقة الثلاثية بين الرباط وواشنطن وتل أبيب قد تعزز مكانة المغرب في شمال إفريقيا، لاسيما فيما يتعلق بتنافسه السياسي والاستراتيجي مع الجزائر. فقبل رحيل إدارة ترامب في يناير/كانون الثاني، اقترحت بيع ما قيمته مليار دولار من الأسلحة إلى المغرب، منها أربع طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper وذخائر موجهة بالليزر. وتعهدت أيضاً بفتح قنصلية في مدينة الداخلة، في دعوة واضحة للدول الأخرى بفتح قنصليات لها في المدينة لمساعدة المغرب في تأكيد سيادته.
ثالثاً، يرى المسؤولون في الرباط أن اعتراف أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية سيزيد من الضغوط على الدول الأخرى، خاصة الأوروبية، لتحذو حذوها، ولم يكن مستغرباً إذاً أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قال إن على الاتحاد الأوروبي الخروج من "منطقة الراحة" ودعم عرض الرباط بمنح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً تحت إدارة الدولة المغربية.
رابعاً، يتطلع المغرب إلى تعزيز تعاونه الاقتصادي مع إسرائيل، وهذا التعاون آخذ في النمو منذ السنوات القليلة الماضية، إذ تشير بعض التقارير الإسرائيلية إلى أن المغرب واحد من الدول الإفريقية الأربع الأولى التي تستورد إسرائيل البضائع منها، بينما احتل المرتبة التاسعة في الصادرات الإسرائيلية التي تصل قيمتها إلى 149 مليون دولار بين عامي 2014 و2017. وفضلاً عن ذلك يعد قطاع الطاقة من المجالات الأخرى المفتوحة للتعاون بين كلا البلدين، حيث إن المغرب لا يملك الكثير من موارد الطاقة، ويرغب في توسيع استخدامه للطاقة المتجددة، حيث إنه يستورد حوالي 90% من احتياجاته من الطاقة منذ عام 2013. وإسرائيل تصدّر الغاز الطبيعي وتتمتع بخبرة فنية في مجال الطاقة الشمسية. وقطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك في المغرب، الذي يساهم بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به حوالي 45% من القوة العاملة، يجعل منه سوقاً ضخماً للتكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية.
وأخيراً، يزداد التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل نمواً منذ العقود القليلة الماضية، ومن المتوقع أن يستمر في الزيادة بعد التطبيع. فوفقاً لبعض التقارير حصلت القوات الملكية الجوية المغربية على ثلاث طائرات بدون طيار من طراز Heron مقابل 50 مليون دولار عام 2013، من صناعة شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وقد سُلمت إلى المغرب عبر فرنسا، واستُخدمت في الصحراء الغربية.
التطبيع المغربي مع إسرائيل.. "مقامرة" دون ضمانات
يقول الباحث والأكاديمي العناني إنه رغم المكاسب التي قد يحققها المغرب من التطبيع مع إسرائيل تظل هذه الخطوة مقامرة محفوفة المخاطر، لأنها قد لا تفيد المغرب بقدر ما تفيد إسرائيل. والتاريخ شاهد على ذلك، على سبيل المثال لم يؤدِ التطبيع بين إسرائيل ومصر إلى تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في كلا البلدين، وكذلك في حالة إسرائيل والأردن، بل ما حدث في الواقع هو أن هذه الظروف ازدادت سوءاً خلال العقود الأربعة الماضية، وصحيح أن التطبيع ساعد هذه الأنظمة الاستبدادية على البقاء في السلطة، إلا أنه خلق فجوة كبيرة مع شعوبها، التي لا تزال ترفض التطبيع.
وبحسب العناني، فمن المرجح أن يواجه المغرب المصير نفسه، لأن معظم المغاربة يعارضون هذه الخطوة، فوفقاً لأحدث بيانات مؤشر الرأي العربي (2019-2020) الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة، يعارض حوالي 88% من المغاربة الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل، ويرى 70% أن القضية الفلسطينية تهم جميع العرب. لذلك انتقدت عدة منظمات ونشطاء مغاربة قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل ورفضوا هذا الاتفاق.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب كان يُنظر إليه منذ عقود على أنه داعم قوي للقضية الفلسطينية، خاصة أنه شغل منصب رئيس لجنة القدس التي شكلتها منظمة التعاون الإسلامي عام 1975 لحماية القدس من الاستعمار والاستيطان الإسرائيلي. وهذا التطبيع قد يضر بصورة المغرب في العالم العربي.
وفضلاً عن ذلك، فاعتراف الولايات المتحدة من جانب واحد بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قد يكون له ثمن باهظ، ويزيد من تعقيد المشكلة. وفي الواقع أثار إعلان ترامب الكثير من الانتقادات في المغرب والأمم المتحدة وبين حلفاء أمريكا في إفريقيا وخارجها، لأنه يصب مزيداً من الزيت على قضية مشتعلة. وفي أبريل/نيسان، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لنظيره المغربي ناصر بوريطة خلال اتصال هاتفي، أن إدارة بايدن لا تنوي التراجع عن الاعتراف بـ"الصحراء المغربية"، ولكن رغم أن إدارة بايدن لم تلغ إعلان ترامب فلا يُتوقع أن تقدم دعماً دبلوماسياً أو سياسياً للمغرب في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في هذه القضية.
تخفيف الضرر
بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، الذي خلف 256 قتيلاً فلسطينياً، من بينهم 66 طفلاً، وحوالي 2000 جريح، أصبح تطبيع المغرب مع إسرائيل موضع تساؤل، إذ يرى بعض المنتقدين العرب أن هذا الهجوم كان أحد نتائج موجة التطبيع الأخيرة بين إسرائيل والدول العربية، التي من بينها المغرب، لأنها أعطت إسرائيل غطاءً سياسياً لمواصلة سياساتها الاستعمارية تجاه الفلسطينيين. وكان الغضب بين العرب، وخاصة الشباب، من سياسات إسرائيل مع الفلسطينيين غير مسبوق؛ إذ احتج آلاف المغاربة على نطاق واسع في أعقاب الهجوم الإسرائيلي العنيف على غزة، وهتفوا ضد إسرائيل وأعربوا عن استنكارهم لتطبيع الحكومات العربية مع إسرائيل.
ولتهدئة هذا الغضب الشعبي ضد إسرائيل، والحد من الانتقادات لتطبيعها مع تل أبيب، أدانت الرباط رسمياً الانتهاكات الإسرائيلية "غير المقبولة" في القدس، وسمحت للمتظاهرين بالتجمع والاحتجاج ضد إسرائيل خلال الحرب على غزة، في مايو/أيار الماضي. وفضلاً عن ذلك، دعا رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني زعيم حركة حماس إسماعيل هنية لزيارة الرباط رسمياً، بصحبة وفد رفيع المستوى، ورحب بهم العثماني والمسؤولون المغاربة ترحيباً حاراً، وأقام الملك محمد السادس مأدبة عشاء لهنية ووفده، في بيت ضيافة مخصص عادة لكبار زوار المغرب، رغم أن سياسات الملك بخصوص فلسطين أقرب إلى موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من موقف حماس، وكانت هذه التحركات إشارة إلى دعم المغرب للقضية الفلسطينية، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
في النهاية، يقول العناني إن السلام لن يتحقق في الشرق الأوسط طالما ظلت الأسباب الجذرية للقضية الفلسطينية دون علاج، حتى لو طبّعت جميع الدول العربية العلاقات مع إسرائيل، ولذلك من السابق لأوانه افتراض أن اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل خطوة نحو سلام دائم في المنطقة. وهذه حقيقة على الجهات المحلية والإقليمية والعالمية إدراكها والاعتراف بها.