مع تزايد التطعيم في العديد من دول العالم، وإنهاء الإغلاقات، يثار تساؤل هل يكفي إعطاء اللقاحات للرياضيين لحماية الفعاليات الرياضية، وخاصة أولمبياد طوكيو من فيروس كورونا؟ ولكن للأسف فإن التجربة العملية في هذا الشأن تبدو مثيرة للقلق.
مؤخراً، ثبتت إصابة نجم الدوري الأمريكي لكرة السلة، وبطل الولايات المتحدة للغولف المفتوح، ومدرِّب أولمبي أوغندي بفيروس كورونا، هناك قاسمٌ مشتركٌ بين هؤلاء، ويتسبَّب هذا القاسم في إزعاجٍ شديد لمنظِّمي الرياضة، إذ ثبتت إصابتهم جميعاً بعد تلقي اللقاح، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
طوال فترة الجائحة، كان الرياضيون هم الأكثر إجراءً للاختبارات من بين جميع سكَّان الكوكب، وكانوا يقدِّمون أحياناً أمثلةً حيَّة للنظريات الناشئة- وأحياناً يساعدون على إثباتها.
الآن يُظهِر هؤلاء الرياضيون أنه في حين أن اللقاحات فعَّالة بصورةٍ استثنائية في الوقاية من الوفاة والأعراض الشديدة لفيروس كورونا المُستجَد وسلالاته المعروفة، فإن بعض هذه اللقاحات ليس مضموناً في تفادي العدوى تماماً.
معظم الرياضيين لا تظهر عليهم الأعراض، ومخاوف على الأولمبياد
معظم الرياضيين الذين يُصابون بالعدوى لا تظهر عليهم أعراض. ولم يكن من الممكن ملاحظة العدوى خاصة أن الأشخاص الذين يمارسون الرياضة هم من بين آخر الأشخاص الذين يُختَبَرون بحثاً عن إصابةٍ بالفيروس.
ولكن تتسبَّب هذه الاختبارات الإيجابية بعد إعطاء اللقاحات للرياضيين أيضاً في تعقيد الحجة المُقدَّمة للرياضيين بأن التلقيح سوف يجنِّبهم الإصابة التي تمنعهم من المنافسة الرياضية، حسب Wall Street Journal.
وبالتالي تكشفت هذه الاختبارات الإيجابية المفاجئة عن مشكلةً غير متوقعة لمضيفي الأحداث الرياضية الكبرى.
ففي حالة أولمبياد طوكيو 2020 المقرر إقامتها في الفترة ما بين 23 يوليو/تموز و8 أغسطس/آب 2021 ، يمكن أن تؤدِّي مشاركة رياضيين مصابين بالفيروس في الأولمبياد إلى تفشي المرض بين السكَّان اليابانيين وإلى أيٍّ من الدول الـ200 المشاركة- بالإضافة إلى حالة الفوضى التي تتسبَّب فيها في المسابقات.
وكانت حاكمة طوكيو يوريكو كويكي قد ألغت قبل عدن أيام جميع مواقع المشاهدة العامة لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية المقررة الشهر القادم في طوكيو، وحولت بعض هذه الأماكن لتصبح مراكز تطعيم ضد كوفيد -19 بدلا من ذلك.
هل يكفي إعطاء اللقاحات للرياضيين لحماية الفعاليات الرياضية؟
والآن يتعيَّن على القادة الرياضيين التعامل مع أسئلةٍ مثل: هل الأشخاص الذين تلقوا اللقاح ولكن ثبتت إصابتهم بالفيروس يمكن أن ينقلوا العدوى؟ وماذا يعني هذا بالنسبة لجهات الاتصال الوثيقة بهم؟ ومن يجب إبعاده عن حدثٍ كهذا قد يكون الأكبر في حياته؟
الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس يشملون أحد رياضيي المضمار الأمريكيين والذي لم يُذكَر اسمه، ورياضياً آخر كان يستعد لتجارب الفريق الأولمبي الأمريكي في ولاية أريغون، واثنين من أعضاء الوفد الأولمبي الأوغندي الذين يسافرون إلى معسكر التدريب قبل المنافسة في طوكيو.
ويُعتَقَد أن هذه العدوى نادرة، رغم عدم وضوح مقدار ندرتها بالضبط. ويرجع ذلك جزئياً وبشكلٍ كبير إلى أن معظم الحالات التي لا تظهر فيها أعراض تُكتَشَف لاحقاً فقط من خلال الاختبارات التي نادراً ما تُجرَى في مجال الرياضة.
ويأتي التساؤل حول مدى فعالية إعطاء اللقاحات للرياضيين لحماية الفعاليات الرياضية، في وقت أوصت منظمة الصحة العالمية جميع سكان العالم بضرورة الاستمرار في ارتداء أقنعة الوجه الطبية، بمن في ذلك متلقو اللقاح منهم، وكذلك الالتزام بالتدابير الوقائية الأخرى بشكل كامل والتباعد الاجتماعي، وذلك في إطار مواجهة سلالة "دلتا" المتحورة من فيروس كورونا، والتي ما زالت تثير الرعب بسرعة تفشيها وأعراضها وقدرتها على إصابة المطعمين ضد فيروس كورونا.
وقالت الدكتورة ماري أنغيلا سيماو، مساعدة المدير العام لشؤون الوصول إلى الأدوية والمنتجات الصحية في منظمة الصحة العالمية: "لا يجدر بالناس أن يشعروا بالأمان لمجرد حصولهم على جرعتي لقاح؛ لأنهم لا يزالون في حاجة إلى حماية أنفسهم"، مؤكدة أن اللقاح وحده لن يوقف انتقال العدوى بين أفراد المجتمع، حسبما نقلت عنها شبكة CNBC الأمريكية، الجمعة 25 يونيو/حزيران 2021.
كم عدد الرياضيين الذين تم تطعيمهم؟ يبدو أن كثيراً منهم يفضل اللقاح ذا الجرعة الواحدة
ومن غير المعروف عدد الرياضيين الذين تلقوا اللقاح، لأن المنظمات لم تفرض ذلك، وفي كثيرٍ من الحالات يقولون إنهم لا يجمعون البيانات. ومع ذلك، أشار العديد من الرياضيين إلى أنهم تلقوا اللقاح، وأن الاختبارات الإيجابية التي أُبلِغَ عنها أقل بكثير هذا العام مِمَّا كانت عليه العام الماضي.
وأصابت العدوى فريق نيويورك لكرة البيسبول، ولاعب الغولف المحترف جون رام، ونجم الدوري الأمريكي لكرة السلة كريس بول. في حالة رام، فإنه أُصيبَ مؤخَّراً فقط. لكن في حالة فريق نيويورك للبيسبول، لم يكن هذا هو العامل الواضح.
ففي مايو/أيَّار، ثبتت إصابة تسعة من الفريق على الأقل- من بين لاعبين وموظفين ومدربين. وبين مارس/آذار أو أبريل/نيسان، تلقوا جميعاً جرعةً واحدةً من لقاح جونسون آند جونسون، الذي ثبُتت فاعليته بنسبة 66.1% في حماية الأشخاص من الإصابة المتوسطة والشديدة بعد 28 يوماً على الأقل من التلقيح.
تلقَّى رام، لاعب الغولف، لقاح جونسون آند جونسون في الأيام التي سبقت البطولة التذكارية. وعندما لعب جولته الثالثة، جاء الاختبار الذي أجراه بعد جولته الثانية إيجابياً. واكتشف رام إصابته في نهاية جولته، مِمَّا أدَّى إلى خسارة فوزٍ شبه مؤكَّد في البطولة ودفع ما يقرب من 1.7 مليون دولار. وبعد أسبوعين، جاء اختباره سلبياً وفاز ببطولة أمريكا المفتوحة.
يظهر تتبع عملية إعطاء اللقاحات للرياضيين أن نظام الجرعة المُفرَدة شائعاً بين بعض الرياضيين لأنه جرعةٌ واحدة وقد تلقوها بالفعل، ومن الأسهل جدولة وتخطيط الآثار الجانبية المُحتَمَلة التي قد تعيق الأداء.
أما أنظمة الجرعتين، فهي تتمتَّع بشكلٍ عام بمعدَّلات فاعلية أعلى. ووُجِدَ أن اللقاح ذا الجرعتين من فايزر وبيونتك فعَّالٌ بنسبة 95% في الوقاية من المرض مع بعض الأعراض. وفي تجربةٍ سريرية كبيرة للقاح شركة موديرنا، وهو اللقاح الآخر المُصرَّح به في الولايات المتحدة، تبيَّن أن اللقاح فعَّالٌ بنسبة 94.1% في الوقاية من الإصابة مع أعراضٍ معينة، بما في ذلك الحالات الشديدة. وقالت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إن لقاحيّ فايزر وموديرنا فعَّالان بنسبة 90% في تقليل خطر الإصابة بعد أسبوعين من الجرعة الثانية.
وكان هناك ما لا يقل عن حالتين بارزتين وواضحتين في الدوري الأمريكي لكرة السلة. آخرهما كان بول، نجم فريق فينكس صنز ورئيس الاتحاد الوطني للاعبي كرة السلة، الذي غاب عن المباريات الأولى لنهائيات المؤتمر الغربي، بينما غاب عن الملاعب بسبب بروتوكولات الصحة والسلامة في الدوري. ووفقاً لتقارير عديدة، جاء اختبار بول إيجابياً رغم التطعيم الكامل، وظلَّ بدون أعراض.
وكان هناك اختباران إيجابيان بين أفراد الوفد الأولمبي الأوغندي، اكتُشِفا أثناء الاختبار الإلزامي عند الوصول إلى طوكيو. وقالت اللجنة الأولمبية الأوغندية إن كلاً من الأعضاء السبعة الآخرين في الرحلة- تلقوا جرعتين من لقاح أسترازينيكا.
وقالت اللجنة الأوغندية إن أول شخص ثبُتت إصابة بالفيروس، وهو مدرب في الوفد، وُضِعَ على الفور في رعاية المسؤولين اليابانيين ولم تظهر عليه أعراض، و"كان بخير". وأصدرت شركة أسترازينيكا بياناتٍ تُظهِر أن اللقاح فعَّالٌ بنسبة 76% في الوقاية من كوفيد-19 مع الأعراض.
ولم ترد اللجنة الأوغندية على استفسارتٍ إضافية حول كيفية تناول الجرعة النهائية مؤخَّراً.
قد يكون التوقيت عاملاً إضافياً، إذ غالباً ما يُعتَبَر الأشخاص مُلقَّحين بالكامل بعد أسبوعين على الأقل من جرعتهم الثانية. لكن في بعض البلدان، أصبحت اللقاحات متاحةً للرياضيين المنتسبين للألعاب الأولمبية.
ولكن بعد المؤشرات السابقة وتحذيرات منظمة الصحة العالمية، من أن التطعيم لا يوفر حماية كاملة، يصبح من المشروع التساؤل: هل يكفي إعطاء اللقاحات للرياضيين لحماية الفعاليات الرياضية وخاصة الفعاليات الضخمة، مثل أولمبياد طوكيو أم نحن حاجة لمقاربة جديدة للتعامل مع الأحداث الرياضية.