يبدو أن الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط بدأت تجد صعوبةً في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن أكبر مصادرها لعائدات التصدير، وربما تستغرق عقداً من الزمن على الأقل قبل إحراز أي تقدم في هذا المجال، كما يقول تقرير لموقع Oil Price البريطاني.
وهذا هو ما توقعته وكالة Moody's للتصنيف الائتماني في تقريرٍ نُشِرَ مؤخراً، بحسب ما نقلته وكالة رويترز، مشيرةً إلى أن الاعتماد على عائدات النفط سيكون "القيد الائتماني الأساسي" للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي: البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات.
دول الخليج النفطية.. الاقتراض والخصخصة وخطط أخرى
بحسب الموقع البريطاني، لن تُمثّل هذه التوقعات مفاجأةً لأي شخصٍ يُراقب المنطقة. إذ تُحاول اقتصادات الخليج النفطية الاتجاه نحو التنويع منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، لكنها افتقرت إلى الموارد اللازمة للقيام بالكثير بسبب انهيار الأسعار النفطية. ومن أجل حل الأزمة اضطرت حكومات تلك الدول إلى فرض تدابير التقشف ومحاولة إدخال بعض الإصلاحات، الأمر الذي قُوبِلَ بمعارضةٍ شعبية قوية ألمحت إلى مخاطر زعزعة الاستقرار حال استمرار حملة الإصلاح.
والآن، باتت الأوضاع أكثر خطورةً بسبب درجة تراجع الطلب غير المسبوقة نتيجة الجائحة العام الماضي. وقد أدى تراجع الطلب إلى انهيار الأسعار، ما أجبر اقتصادات الخليج على الاقتراض بدرجةٍ متزايدة.
وكانت وكالة Bloomberg الأمريكية قد نشرت تقريراً مؤخراً، حول تكثيف العديد من الدول النفطية في المنطقة مبيعات أصول النفط لديها، وتقول الوكالة إن السعودية والإمارات وقطر وعُمان باتت تسرع، في غضون أسابيع قليلة، من خططٍ بمليارات الدولارات لبيع أصول الطاقة أو إصدار سنداتٍ منها.
وفي هذا الاتِّجاه قال وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في 27 أبريل/نيسان، إن المملكة تُجري مباحثاتٍ مع "شركة طاقة عالمية" مجهولة الهوية، لبيع حصة تبلغ قيمتها 20 مليار دولار في شركة النفط السعودية الحكومية أرامكو.
انكماش غير مسبوق للاقتصاد الخليجي
وفي وقتٍ مبكر من العام الماضي، أصدر صندوق النقد الدولي توقعاته بأن عائدات الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تشهد تراجعاً بمقدار 270 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020. وقال مسؤولٌ من الصندوق حينها إنّ اقتصادات الدول المنتجة للنفط وحدها قد تنكمش بنسبة 7.6% في عام 2020.
لذا كان الاقتراض هو السبيل الوحيد أمام تلك الاقتصادات لوضع أيديها على السيولة النقدية، التي هي في أمسّ الحاجة إليها، بالتزامن مع ترنّح العالم من آثار الجائحة. وليس هناك وقتٌ للتنويع، بينما أنت في حاجةٍ إلى النجاة، ولكن الأمور اختلفت الآن، إذ بدأت أسعار النفط تستردّ عافيتها بقوةٍ كبيرة، لدرجة أنّ هناك توقعات بتخطي برميل خام برنت لحاجز الـ100 دولار أمريكي.
وبالنسبة للاقتصادات ذات نقطة التعادل العالية مثل البحرين والكويت، فسوف يكون هذا حلاً مرحباً به لمشكلات الميزانية الخاصة بها. أما بالنسبة للاقتصادات ذات نقطة التعادل المنخفضة، مثل المملكة العربية السعودية، فإنّ ارتفاع الأسعار هي أنباءٌ سعيدة في أي وقت، إذ تعمل المملكة في النهاية على برنامج تنويعٍ اقتصادي يُكلّفها مئات المليارات من الدولارات، وليس هناك مصدرٌ آخر لتوفير هذه الأموال الطائلة سوى عوائد الصادرات النفطية.
وهذا سيُبقي اقتصادات الخليج دون شك داخل نفس الدائرة المفرغة التي جعلتها تُعاني في خضم أزمة أسعار النفط الأخيرة. ووفقاً لوكالة Moody's فسوف يتداخل هذا مع جهودها للتنويع.
إذ قالت وكالة التصنيف الائتماني في تقريرها: "إذا استقرت أسعار النفط عند متوسط 55 دولاراً للبرميل… فنحن نتوقع أن يظل إنتاج الهيدروكربونات هو أكبر مساهم منفرد في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، والمصدر الأساسي للإيرادات الحكومية، والمحرك الأساسي لقوتها المالية على مدار العقد المقبل".
فرص نجاح ضعيفة ومعوقات كبيرة
وهذه مشكلةٌ وسط عالمٍ يشهد ابتعاد المزيد من الاقتصادات الكبرى عن النفط. أما المشكلة الأخرى وفقاً لوكالة Moody's فهي -للمفارقة- حملة التنويع التي ستُؤجج التنافس بين دول الخليج، لتعيق في النهاية جهود التنويع لكل دولةٍ من الدول الأعضاء.
كما أن الموارد اللازمة لتمويل هذا التنويع محدودة بحسب وكالة التصنيف الائتماني، ما يلقي بظلال شكٍّ أكبر على فرص نجاح أيٍّ من حملات التنويع. وتكمن أسباب ندرة الموارد هذه في طريقة إدارة كلٍّ من تلك الدول.
إذ يتمتع مواطنو الخليج بحياةٍ خالية من الضرائب على نطاقٍ واسع، إلى جانب الكثير من الخدمات الاجتماعية المدعومة من الدولة، مثل الرعاية الصحية والتعليم. وهذا هو ما يُبقيهم سعداء ويجعلهم يُصوتون بالشكل الملائم، لكنه يعني أيضاً أن هناك القليل من العائدات الضريبية التي يمكن استخدامها لإبعاد الاقتصاد عن العائدات النفطية. وأي تغييرٍ في هذا العقد الاجتماعي سيُمثّل خطراً على النخب الحاكمة.
ويبدو أنّ اقتصادات الخليج باتت محاصرة، والسبيل الوحيد للإفلات من هذا الحصار سيعني المخاطرة بالإطاحة بتلك النخب الحاكمة، مع كل التداعيات الدرامية لتغيير أي نظامٍ قائم منذ زمن، ولكن من حسن حظهم أنّ عصر ما بعد النفط لا يزال في المستقبل البعيد، رغم العديد من التوقعات بأنّنا على بعد سنوات فقط من الوصول إلى ذروة الطلب على النفط. وبإمكانكم فقط إلقاء نظرةٍ سريعة على عودة أسعار النفط لطبيعتها مؤخراً.
ورغم كل الزخم حول ترتيبات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، فإن عودة أسعار النفط إلى معدلات ما قبل الجائحة وتجاوزها دليلٌ على أن النفط لا يزال قوياً. وسوف تظل اقتصادات الخليج قوية مادام النفط لا يزال محتفظاً بقوته.