نشر موقع Responsible Statecraft الأمريكي تقريراً حول طبيعة الضغوط التي يتعرض لها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في خضم الأزمة الملكية التي تمر بها البلاد، حيث كانت الحكومة الأردنية قد أعلنت في الرابع من أبريل/نيسان 2021 أن الأمير حمزة بن الحسين (41 عاماً) وأشخاصاً آخرين ضالعون في "مخططات آثمة" هدفها "زعزعة أمن الأردن واستقراره"، وأنها أوقفت 18 شخصاً بينهم مسؤولين كبار سابقين.
وفي مقالةٍ نُشِرَت مؤخراً على صحيفة Washington Post الأمريكية، قال الصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس إنّ الأردن قد أفلت بالكاد من "اضطرابات هائلة". وجادل بأن التوترات التي أدّت إلى الأزمة الملكية كانت نتيجة جهود إدارة ترامب من أجل الدفع بـ"صفقة القرن"، التي تهدف إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب. كيف ذلك؟
"مؤامرة يُحركها أقرب حلفاء الأردن"
رغم أن الأخ غير الشقيق للملك وولي العهد السابق الأمير حمزة كان منخرط في هذه الأزمة، إلا أنه لا يُواجه أي اتهامات أو محاكمات، لكن المتآمرين المزعومين الآخرين من بينهم الشريف حسن بن زيد ورئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله، يواجهون تهماً بالتحريض والفتنة، وبالنظر إلى علاقة بن زيد وعوض الله بالسعودية، فقد قال المراقبون إنّ مؤامرة التحريض مرتبطةٌ بـ"مؤامرة أكبر يُحركها أقرب حلفاء الأردن".
وتقول هذه الرواية إن السبب وراء هذه الفتنة هو رفض الملك عبدالله الثاني التعاون في "صفقة القرن"، التي تزعمها جاريد كوشنر، وخاصةً رفضه الشديد التنازل عن وصاية الأردن على الأماكن المقدسة في القدس. ومع ذلك، في حال كان الملك قد تنازل عن الأماكن المقدسة تماشياً مع رؤية إدارة ترامب؛ لكانت المنطقة قد غرقت في حالةٍ من عدم الاستقرار.
وتعكس خطة إدارة ترامب الفاشلة الاتجاه العام في السياسة الإقليمية الأمريكية لمنح الأولوية لمصالح إسرائيل على مصالح الأمن القومي الأمريكي في منطقة شرقٍ أوسط تنعم بالاستقرار والأمن.
مخاطر "صفقة القرن" على الأردن
يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، كانت هناك قضيتان محوريتان معرضتان للخطر بالنسبة للأردن بموجب "خطة السلام" المقترحة من إدارة ترامب: إعادة توطين الفلسطينيين والوصاية على الأماكن المقدسة في القدس. وجادل بعض المحللين بأنّه في حال قبول الأردن لشروط صفقة القرن لكان ذلك أشبه بـ"انتحارٍ سياسي" نظراً للاستياء الشعبي الهائل الذي كان سيتمخض عن القرار.
إذ لا يزال الأردن يواجه ضغطاً داخلياً هائلاً فيما يتعلق بعلاقته مع إسرائيل، سواء من أبناء العشائر الأردنية شرق الضفة، أو الفلسطينيين الأصل من الضفة الغربية. وتاريخياً كان السخط الشعبي الكبير من أبناء الضفة الشرقية والغربية يأتي في أعقاب أي اتفاق أو معاهدة مع إسرائيل، وذلك بسبب تعداد الفلسطينيين الكبير في الأردن، إذ يمثل الفلسطينيون-الأردنيون الآن أكثر من نصف تعداد سكان المملكة الهاشمية.
الوصاية الأردنية على المقدسات تمثل مصدراً لشرعية العائلة الملكية
أما الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس فهي مصدرٌ كبير للشرعية الدينية والسياسية، التي يتمتع بها النظام الملكي الهاشمي في الأردن. وبالتالي فإنّ جهود تقييد دور الملك عبدالله في الوصاية على الأماكن المقدسة سوف تسفر عن اضطرابٍ سياسي محلي كبير لنظام الحكم.
وعلاوةً على كون هذه الوصاية الأردنية مصدراً للشرعية المحلية، فهي تمثل أيضاً مصدراً أساسياً للنفوذ الأردني على سياسات المنطقة، وخاصةً المتعلقة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ويُعتقد أن فقدان الوصاية سيُسفر عن تآكل قدرة النظام الملكي على التفاوض في الصراع، ويُعجزه عن مواصلة الدفاع عن القضية الفلسطينية، فضلاً عن تحويل حلم اليمين الإسرائيلي القديم بجعل الأردن وطناً فعلياً للفلسطينيين إلى حقيقة.
تداعيات عدم استقرار الأردن على الولايات المتحدة وحلفائها
يخلص موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إلى أن تقويض استقرار الأردن يتناقض مع سياسة واشنطن الرسمية القديمة، التي تمنح الأولوية لاستقرار المملكة واستدامتها. وكان من شأن سياسة إدارة ترامب بمنح الأولوية لمصالح إسرائيل والسعودية على حساب الأردن أن تُقوض المصالح الأمريكية الأوسع في استقرار المنطقة. فضلاً عن أنّ "إسرائيل" والسعودية تتشاركان حدوداً طويلة مع الأردن، ما يعني أن زعزعة استقرار الأردن كان من شأنه أن يتسبب في مخاوف أمنية كبيرة للبلدين الحليفين لأمريكا.
ورغم التوترات السياسية القائمة بين إسرائيل والأردن، فإنهما لطالما تمتعا بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وأمنية مشتركة للجانبين. ولو كان الأردن قد أُجبِر على قبول شروط صفقة القرن، لكان ذلك قد هدد تلك العلاقة وعرّضها للخطر. لذا، يقول الموقع الأمريكي، إنه "من مصلحة إسرائيل أن تحافظ على استقرار الأردن وعلى العلاقة بينهما من أجل أمن إسرائيل على المدى البعيد. ورغم ذلك بدا أن نتنياهو كان مستعداً للمخاطرة بذلك من أجل ما كان يعتبره فرصة القرن".
ولطالما اعتمدت الولايات المتحدة على الأردن كوجهةٍ لاستيعاب اللاجئين من العراق وسوريا واليمن وفلسطين وغيرها من الأماكن، ممن نزحوا بسبب عنف الولايات المتحدة أو سياساتها الإقليمية. لذا فإنّ زرع عدم الاستقرار في الأردن كان سيهدد دور البلاد، باعتبارها واحدةً من أهم الدول المستضيفة للاجئين في المنطقة.
المآخذ الأوسع على السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة
رغم فشلها، فإن التطورات المحيطة بصفقة القرن تمثل توجهاً قديماً للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. فأثناء وضع الخطة لم يجرِ التشاور بشأنها مع الأردن، "وهي العادة المألوفة للغاية عن الأمريكيين أثناء وضعهم خطط السلام للصراع"، يقول الموقع الأمريكي. ورغم أنّ واشنطن تزعم على نطاقٍ واسع أنّها تسعى لضمان استقرار المنطقة، لكن قصر النظر في نهجها تجاه حلفائها يُقوّض تلك الجهود.
وفي حالة الأردن، فإنّ تجاهل الوضع الداخلي للمملكة في مواجهة التوترات الإقليمية قد قوّض استقرارها على المدى البعيد. ولطالما واجهت المملكة توترات داخلية بسبب الأوجاع الاقتصادية وافتقارها إلى الإصلاح السياسي الحقيقي، لكن السيطرة الهاشمية تحمّلت كل ذلك بفضل الدعم الأمريكي المتواصل، لكن ذلك الدعم منح العائلة الملكية تفويضاً مطلقاً فعلياً، لتجنب تطبيق إصلاحات أساسية بدعوى الحفاظ على "الاستقرار"، ما أسفر عن إدامة نقاط الضعف الهيكلية التي تهدد مستقبل المملكة من الداخل، وتبرر وجهة نظر الخبراء الذين يصفونها دائماً بأنها "على حافة الهاوية". وربما كان إجبار المملكة على تسليم وصاية الأماكن المقدسة في القدس بمثابة القشة الأخيرة التي ستقصم ظهر البعير.