بعد الإعلان عن فوز إبراهيم رئيسي بانتخابات الرئاسة الإيرانية، تزايدت المخاوف من احتمالات فرضه سياسات داخلية متشددة وتصعيده التوتر مع الولايات المتحدة ودول الخليج.
وبينما كان النهج المتشدد يسيطر على مؤسسات الدولة الإيرانية الرئيسية، باستثناء الرئاسة، فإن خروج الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني من الحكم ومجيء رئيسي الذي ينظر له على أنه واحد من أبرز رموز التشدد الإيراني للرئاسة، يثير تساؤلاً حول مقدار التغير في السياسة الإيرانية.
وجاء فوز إبراهيم رئيسي ليصبح الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد أن حصل على نسبة 62% من أصوات المقترعين، حيث حصد 17 مليوناً و926 ألفاً و345 صوتاً، فيما حصل المرشحون محسن رضائي على 3 ملايين و412 ألفاً و712، وعبدالناصر همتي على مليونين و427 ألفاً و201، وقاضي زادة هاشمي 999 ألفاً و718 صوتاً.
وكشفت الإحصائيات النهائية للانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران عن أدنى نسبة مشاركة تشهدها عملية انتخابية في تاريخ الجمهورية منذ تأسيسها عام 1979.
هل تغيير الرئيس أمر مهم في النظام الإيراني؟
بالنظر إلى أن القوة الحقيقية في إيران على مدار العقدين الماضيين صارت مُركَّزةً بصورةٍ متزايدة في مكتب المرشد الأعلى، والحرس الثوري الإيراني، الذي تتمثَّل مهمته في الدفاع عن النظام الإسلامي ضد جميع التحديات الخارجية والداخلية، فإن السؤال التالي يطرح نفسه: هل مَن يشغل منصب الرئاسة مهم حقاً باعتبار أن القرارات الأمنية وقرارات السياسة الخارجية الرئيسية يتَّخَذها المرشد، وهو الذي يضع الحدود التي يعمل ضمنها المسؤولون الآخرون؟
هؤلاء الرؤساء، مثل محمد خاتمي (1997-2005)، الذين حاولوا توجيه البلاد في اتجاهاتٍ يعارضها المرشد، انتهى بهم الأمر إلى أن أصبحوا أشخاصاً غير مرغوب فيهم في بلدهم، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
الرئيس حسن روحاني أيضاً، بعد أن فشلت سياسة التكيُّف مع الغرب في تحقيق ثمارها عندما أوقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مشاركة واشنطن في الاتفاق النووي متعدِّد الأطراف (خطة العمل الشاملة المشتركة)، أصبح هدفاً لهجماتٍ لاذعة من قِبَلِ المُتشدِّدين المحافظين.
ومع ذلك، فإن القوة المحدودة لرؤساء إيران لا تعني أن الرئاسة ليست لها عواقب. بل تظل الرئاسة الإيرانية مهمة لعدة أسباب:
أولاً، يمكن لشخصية الرئيس أن تسهِّل أو تعرقل الدبلوماسية، إذ ساهمت شخصية الرئيس خاتمي المرنة وأخلاقه الحميدة في التقدُّم الدبلوماسي لإيران، حتى وإن كان هذا التقدُّم محدوداً. وعلى النقيض من ذلك، فإن سلوك الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الديماغوجي وخطابه العدائي خلال فترة ولايته (2005-2013) جَعَلَ أيَّ تعاملٍ بين إيران والولايات المتحدة مستحيلاً تقريباً. ولم تستأنف إيران المحادثات بشأن ملفها النووي إلا قرب نهاية رئاسته عام 2012.
ثانياً، في حين أن الرئيس غير قادر على تحدي المرشد الأعلى، يمكنه التأثير على قرارات خامنئي، خاصةً إذا كان يتمتَّع بثقته.
كيف ستتغير إيران بعد فوز إبراهيم رئيسي؟
بعد الإعلان عن فوز إبراهيم رئيسي من الجولة الأولى، من المُرجَّح أن ينتهج بمجرد وصوله إلى السلطة، سياسةً اجتماعيةً محافظة، ويعزِّز ما يسمى اقتصاد المقاومة الذي سيحاول تعظيم القدرات الداخلية لإيران بدلاً من إعطاء الأولوية للاستثمار الأجنبي.
بعبارةٍ أخرى، سوف يطبِّق رئيسي السياسات نفسها التي حاول خاتمي وروحاني تغييرها، ولكنهما أُحبِطا من قِبَلِ المحافظين وردود الفعل الغربية الهادئة والمخيِّبة للآمال.
يعني ذلك فوز إبراهيم رئيسي سيؤدي إلى عكس محاولات التغيير المحدودة التي حدثت في عهد روحاني.
سيحاول تفعيل نهج الاقتصاد المقاوم
كانت تصريحات رئيسي حول الاقتصاد في المناظرات الرئاسية تصريحاتٍ عامة، ولم يقدِّم أيَّ خططٍ مُحدَّدة حول طريقة إنعاش الاقتصاد الإيراني. ومثل المُرشَّحين الآخرين، فقد قلَّلَ من تأثير العقوبات الاقتصادية الأمريكية -وحتى جائحة كورونا- على الاقتصاد، وفي المقابل ألقى باللائمة في الوضع الحالي لإيران على الإدارة غير الفعَّالة لحكومة الرئيس روحاني.
ولم يشر أيَّ إشارة إلى تأثير الموارد المالية المتناقصة لدى إيران على قدرتها على تنشيط الاقتصاد، وكيف ينوي الحصول على هذه الموارد. ومع ذلك، فحتى اقتصاد المقاومة يحتاج إلى أموالٍ استثمارية، سواء من داخل البلاد أو خارجها، حسب تقرير الموقع الأمريكي.
الأخطر من ذلك أنه تجاهَلَ، مثل المُرشَّحين المحافظين الآخرين، تأثير قرارات السياسة الخارجية الإيرانية وإحجامها عن الانضمام إلى مجموعة العمل المالي، وهي هيئة دولية تضع المعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الجماعات الإرهابية. ورغم أنه لم يقل ذلك بشكلٍ مباشر، فإن رئيسي يشاطر المُرشَّحين المحافظين الآخرين الرأي بأن إدارة روحاني أخطأت في تعليق آمالها في الانتعاش الاقتصادي على الاتفاقات مع الغرب، مثل خطة العمل الشاملة المشتركة.
هل سيزيد القيود على النساء؟
وبناءً على خلفية رئيسي وتصريحاته، من غير المُرجَّح أن تُحدِث رئاسته تغييراتٍ جذرية في سياسات إيران الداخلية والخارجية. ففي حين أنه محافظٌ اجتماعياً، على سبيل المثال، من غير المُرجَّح أن يحاول إعادة فرض القيود السابقة على سلوك المرأة أو مظهرها، مثل التقيُّد الصارم بارتداء الحجاب.
وعلى الأقل من الناحية الخطابية، دعم رئيسي مشاركة المرأة في السياسة والحكومة. وحتى المحافظون يعرفون أن الضغط المُفرِط على السلوك الاجتماعي يمكن أن يقوِّض النظام، خاصةً في وقت الضائقة الاقتصادية.
لن يحدث تغييرات جذرية في سياسة إيران الخارجية
اعترف رئيسي بأن إيران بحاجةٍ إلى التوصُّل إلى تسويةٍ مع الدول الأخرى، بل قال إنه سيكون على استعدادٍ للتفاوض عند الضرورة. لكنه لم يذكر الدول التي قد يميل إلى التفاوض معها بشأن أيِّ قضايا مُحدَّدة، الأمر الذي يطرح تساؤلاً عمَّا إذا كان سيتعامل من جديد بجديةٍ مع واشنطن بشأن عودتها إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن غير المُرجَّح أن يُحدِث رئيسي تغييراتٍ مفاجئة ما لم تقدِّم التطوُّرات غير المُتوقَّعة فرصاً لإيران لتعزيز موقعها وتأثيرها الإقليمي.
ومن غير المُحتَمَل أن يستفز رئيسي الولايات المتحدة عن عمدٍ؛ لأن المرشد الأعلى لا يسعى إلى مواجهة، على الأقل في الوقت الحالي. من المُرجَّح أن يواصل رئيسي إحياء الاتفاق النووي وسياسة التواصل مع دول الخليج، بما في ذلك السعودية، إذا كانت المملكة على استعدادٍ للقيام بذلك. وسيعزِّز علاقات إيران مع سوريا والعراق، وسيواصل سياسة روحاني في توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة.
وبما أن العلاقات الجيِّدة مع روسيا والصين تحظى بتصديق المرشد الأعلى، فسوف يعزِّز رئيسي هذه العلاقات. باختصار، رغم ميوله الأيديولوجية، من المُرجَّح من الناحية العملية أن تكون سياسات رئيسي مماثلة لتلك التي اتَّبعها روحاني.