سيكون على الناخبين في الانتخابات الإيرانية الرئاسية الاختيار بين سبعة مرشحين تم انتقاؤهم من قبل مجلس صيانة الدستور والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وسيتوجَّه الإيرانيون، يوم الجمعة 18 يونيو/حزيران، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب خليفة للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، الإصلاحي المعتدل الذي يتولَّى هذا المنصب منذ عام 2013.
وتأتي هذه الانتخابات مصحوبةً بمخاطر كبيرة، حيث المفاوضات تجري مع المجتمع الدولي بشأن برنامج طهران النووي، والعقوبات أصاب اقتصاد البلاد بالشلل.
ستكون السنوات القليلة المقبلة حاسمةً أيضاً لمستقبل أعلى منصبٍ سياسي وديني في البلاد، إذ يبلغ عمر المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي 82 عاماً. وسواء كان متشدِّداً أم إصلاحياً، يمكن للرئيس -حتى لو ظلُّ تابعاً للمرشد الأعلى- أن يشكِّل الاتِّجاه الذي تسير فيه الجمهورية الإسلامية.
ويعتقد على نطاق واسع أن السياسي المتشدد إبراهيم رئيسي هو المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ويثير تاريخه قلقاً كبيراً لدى المعارضين الإيرانيين، كما يلقي مزيداً من الشكوك حول تطورات المفاوضات النووية الإيرانية.
تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني شرح العملية التي يجري من خلالها اختيار المُرشحين الذين تأهلوا للرئاسة ليخضعوا للتصويت الشعبي، والاختلافات بين المرشحين الخمسة الذين سيختار منهم الناخبون الرئيس الجديد.
مجلس صيانة الدستور: الإقصاء قبل الانتخابات
منذ اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979، أجرت إيران 12 انتخابات رئاسية. بصرف النظر عن الانتخابات الأولى، التي جرت في يناير/كانون الثاني عام 1980، أُجرِيَت جميع الانتخابات الأخرى في وجود مجلس صيانة الدستور، الذي يفحص المتقدِّمين قبل أن يتمكَّنوا من الترشُّح رسمياً للمنصب في جولتين من التصويت الشعبي.
ولفهم الدور الذي يضطلع به مجلس صيانة الدستور بشكلٍ كامل، يجب علينا أولاً أن نرى كيف يتشكَّل هذا المجلس. يتكوَّن المجلس، وهو هيئةٌ حكومية، من 12 عضواً يبقون فيه لمدة ست سنوات: ستة رجال دين إسلاميين، يُطلَق عليهم الفقهاء، وستة خبراء قانونيين. يُعيَّن الفقهاء من قِبَلِ المرشد الأعلى، بينما يقدِّم رئيس المحكمة العليا في إيران مجموعةً من الخبراء القانونيين إلى البرلمان، الذي يختار ستة منهم لعضوية المجلس.
لكن من الذين يعيِّن رئيس المحكمة العليا؟ إنه المرشد الأعلى. ومن يدقِّق في المرشَّحين لخوض الانتخابات البرلمانية؟ إنه مجلس صيانة الدستور.
وحتى الموافقة على المُرشَّحين ليست من الاختصاصات الحصرية لمجلس صيانة الدستور، إذ يضطلع المرشد الأعلى بدورٍ كبيرٍ وراء الكواليس، حسب الموقع البريطاني.
ويطلب العديد من السياسيين المعروفين الإذن من المرشد الأعلى قبل تقدُّمهم بالترشُّح. وهذا العام، نصح خامنئي حسن الخميني، حفيد المرشد الأعلى الأول آية الله روح الله الخميني، بشكلٍ خاص، بعدم دخول السباق الرئاسي.
وفي الوقت نفسه، يمكن للمرشد الأعلى أيضاً التدخُّل بأمرٍ تنفيذي للسماح بمُرشَّحٍ غير مؤهَّل من قِبَلِ مجلس صيانة الدستور بخوض الانتخابات.
رؤساء سابقون منعوا من الترشح
ومع ذلك، مثلما في تشكيل مجلس صيانة الدستور نفسه، فإن عملية الموافقة على المُرشَّحين أو منعهم غير شفَّافة. من انتخاباتٍ إلى أخرى، قد يجد الشخص نفسه غير مؤهَّل بعدما كان مؤهَّلاً من ذي قبل، مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي انتُخِبَ في 2005 و2009 وأُدرِجَ في القائمة السوداء هذا العام.
شهدت أول انتخابات رئاسية عام 1980، قبل إنشاء مجلس صيانة الدستور، 106 مُرشَّحين من أصل 124 يُسمَح لهم بالترشُّح من قِبَلِ وزارة الداخلية، بمعدَّل موافقة 85%.
لكن منذ إنشاء المجلس، تضاءل معدَّل الموافقة على المتقدِّمين للترشُّح لمنصب الرئاسة بشكلٍ كبير. في المتوسِّط، تمت الموافقة على ما يزيد قليلاً على 1% من الأشخاص الذين سُجِّلوا كمُرشَّحين مُحتَمَلين منذ عام 1981 لخوض الانتخابات.
معظم الذين لم تظهر أسماؤهم على بطاقات الاقتراع الإيرانية كانوا مواطنين عاديين. ومع ذلك، فإن العديد من السياسيين البارزين الذين خدموا في تأسيس الجمهورية الإسلامية لعقودٍ من الزمن كانوا من بين أولئك الذين استُبعِدوا من قِبَلِ مجلس صيانة الدستور، ويعتمد ذلك غالباً على فترات المد والجزر في علاقتهم مع المرشد الأعلى.
كان من بينهم إبراهيم يزدي، الذي كان في السابق أقرب مستشار للخميني وساعد في وضع الخطة السياسية التي أدَّت إلى قيام الجمهورية الإسلامية. وبعد خلافٍ مع المرشد الأعلى الأول، استُبعِدَ يزدي من الترشُّح للرئاسة في أعوام 1985، و1997، و2005، قبل وفاته عام 2017.
أما أكبر هاشمي رفسنجاني، نجل تاجر الفستق الثري من وسط إيران، الذي شغل منصب الرئيس الرابع لإيران من عام 1989 إلى 1997، والذي كان معروفاً بأنه أحد الآباء المؤسِّسين للجمهورية الإسلامية، وساعد في تمهيد الطريق لخامنئي ليصبح المرشد الأعلى الثاني عام 1989، فقد مُنِعَ هو الآخر من الترشُّح للرئاسة مرةً أخرى عام 2013.
وهذا العام، كان رفض ترشُّح علي لاريجاني من قِبَلِ مجلس صيانة الدستور مفاجأةً كبيرة. كان لاريجاني ضابطاً في الحرس الثوري الإيراني لمدة 10 سنوات، ورئيساً للبرلمان لمدة 12 عاماً، ويعمل حالياً مستشاراً لخامنئي، وهو محافظٌ معتدلٌ يكمن ولاؤه دائماً للمرشد الأعلى. فسَّرَ بعض المُحلِّلين غيابه في انتخابات 2021 على أنه تحرُّكٌ مُتعمَّدٌ لتشكيل السباق الرئاسي لصالح المحافظين.
المُرشَّحون في انتخابات 2021
هذا العام، اجتاز سبعة من أصل 592 التقدُّم بالترشُّح ويتنافسون رسمياً على الرئاسة، خمسة منهم من المحافظين واثنان من الإصلاحيين.
عندما استبعد مجلس صيانة الدستور العديد من المُرشَّحين الإصلاحيين والمعتدلين في الانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط 2020، وأدَّى ذلك بدوره إلى فوزٍ ساحق للمحافظين في ذلك الوقت، توقَّع المُحلِّلون أن يتَّبِع المجلس مساراً مشابهاً قبل الانتخابات الرئاسية.
ومع ذلك، لم يكن أحدٌ يتوقَّع منع شخصياتٍ محافظة بارزة مثل لاريجاني من الترشُّح، ما دفع كثيرين إلى التكهُّن بأن عدم وجود مُرشَّحين من الوزن الثقيل كان أمراً مُتعمَّداً خصيصاً لتمهيد الطريق للمُرشَّح المُفضَّل لدى الحرس الثوري الإيراني وخامنئي، ألا وهو رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي.
عندما أُعلِنَت قائمة المُرشَّحين النهائيين، قال رئيسي إنه فتح مفاوضاتٍ للسماح لمُرشَّحين آخرين بدخول السباق من أجل "جعل الانتخابات أكثر تنافسية". لم تدمُ الشكاوى حول قائمة مجلس صيانة الدستور للمُرشَّحين المُعتمَدين طويلاً، ولم يطعن خامنئي في تحرُّك المجلس لتأهيل سبعة مُرشَّحين فقط قبل أسبوعٍ من التصويت.
من هم السبعة المرشحون للانتخابات الإيرانية؟
المرشحون المحافظون
المرشح الأول هو رئيسي، المتشدِّد المُتوقَّع أن يفوز. هو رئيس السلطة القضائية وله تاريخٌ من التورُّط في قمع المعارضة في إيران. كان واحداً من أربعة رجال دين في ما يسمَّى "لجنة الموت"، التي أمرت بالإعدام الجماعي لأكثر من 4500 سجين سياسي يساري عام 1988. وبعد أكثر من عقدين، كان رئيسي أول نائب لرئيس المحكمة خلال حملة القمع ضد الحركة الخضراء، وهي الحركة الاحتجاجية الجماهيرية التي تحدَّت نتائج السباق الرئاسي لعام 2009 حين أُعيدَ انتخاب أحمدي نجاد.
ويُعتبر مرشح المتشددين رئيسي هو المرشح الأقرب للفوز إلى درجة أنّ النقاش حول نتيجة الانتخابات يُركّز على ما إذا كان أي شخص سيذهب للتصويت من الأساس. وهذا لأنّ أعضاء مجلس صيانة الدستور استبعدوا جميع المرشحين البارزين الآخرين.
لكن الأمور لم تكن كذلك دائماً. إذ فاز روحاني بانتخابات عام 2013 وأُعيد انتخابه مرةً أخرى بعد أربع سنوات رغم كونه من الإصلاحيين (أول الوسطيين).
والمحافظون الآخرون هم سعيد جليلي، وهو متشدِّدٌ آخر وعضو في المجلس الأعلى للأمن القومي، معينٍ من المرشد الأعلى. كان جليلي أيضاً عضواً في الحرس الثوري الإيراني، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وهي هيئة استشارية للمرشد الأعلى، وكان أيضاً كبير المفاوضين النوويين من 2007 إلى 2013.
أما محسن رضائي، فهو محافظٌ أكثر اعتدالاً، يشغل حالياً منصب سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، أيضاً معينٍ المرشد الأعلى. وشغل منصب القائد العام للحرس الثوري الإيراني من 1980 إلى 1997، وأسَّسَ موقعاً إخبارياً محافظاً، وهو موقع تابناك، في عام 2007.
النائب علي رضا زاكاني، هو مُرشَّحٌ محافظٌ آخر، وهو أيضاً عضوٌ سابق في الحرس الثوري الإيراني، ويمتلك منشورتين إخباريَّتين -جهان نيوز وبنجيره. كان رئيساً للفرع الطلابي لجماعة الباسيج شبه العسكرية الإيرانية سيئة السمعة خلال انتفاضة الطلاب عام 1999، حين أضرم أعضاء الميليشيا النار في السكن الطلابي وضربوا الطلاب.
المحافظ الأخير في السباق هو أمير حسين غازي زاده الهاشمي، الذي يشغل حالياً منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، وكان أيضاً أحد الأعضاء المؤسِّسين لجبهة استقرار الثورة الإسلامية، الفصيل الرئيسي الذي دعم أحمدي نجاد خلال فترة حكمه.
المرشحون الإصلاحيون
أما المُرشَّحون الإصلاحيون فأولهم هو محسن مهر علي زاده، وهو حالياً عضو مجلس إدارة منظمة منطقة كيش الحرة، وهي واحدةٌ من أولى مناطق التجارة الحرة التي أنشأها رفسنجاني. يشغل مهر علي زاده أيضاً منصب رئيس اتحاد زورخانه الرياضي الإيراني (اتحاد رياضة المصارعة الحرة الإيرانية). شغل أيضاً منصب نائب الرئيس في عهد خاتمي من 2001 إلى 2005، ورفض مجلس صيانة الدستور ترشُّحه للرئاسة في عام 2005، لكن سُمِحَ له بدخول السباق الرئاسي بعد تدخُّل خامنئي، وحصل على 4.4% من الأصوات.
المُرشَّح الأخير هو عبد الناصر همتي، الذي وصفه البعض بالحصان الأسود الذي يمكن أن يكون أفضل فرصة للإصلاحيين في الرئاسة هذا العام. همتي يعمل أستاذاً للاقتصاد في جامعة طهران، وشغل منصب محافظ البنك المركزي من 2018 حتى مايو/أيَّار الماضي، عندما تم الموافقة على ترشُّحه للرئاسة. ومثل المنافسين الآخرين في هذا السباق الرئاسي، لدى همتي أيضاً تاريخٌ من المشاركة في وسائل الإعلام، إذ شغل منصب رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون الإيراني الحكومي من 1981 حتى 1991.
وقال محمد ماراندي، المحلل الإيراني الذي له علاقات جيدة بالنظام في طهران، إنّ التهديد الوحيد لرئيسي الآن سيأتي في حال احتشد الإصلاحيون والمعتدلون حول منافسٍ مثل همتي.
وأوضح ماراندي لصحيفة The Times البريطانية: "لن تكون لدى همتي فرصة في حال غياب الإجماع بين المعتدلين والإصلاحيين. ومن المرجح أن يفوز رئيسي حتى في حال تكاتفهم معاً بالكامل، وذلك بسبب أدائهم الضعيف على مدار السنوات الثماني الماضية".