نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية تقريراً يرصد الظهور الأخير المثير للجدل لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون وتداعيات ذلك الجيوسياسية، ويقول التقرير إن البدلة الفضفاضة الخاصة برئيس كوريا الشمالية يبدو أنها صارت واسعة أكثر هذه الأيام. فبعد اختفائه عن الساحة العامة لبضعة أسابيع، عاود الزعيم كيم الظهور في وسائل الإعلام الحكومية يوم السبت الماضي الخامس من مايو/أيار وهو يبدو أكثر نحافة.
كيم فقد وزنه ليكون أكثر صحة أم بسبب المرض؟
لطالما راقب المحللون ووكالات الاستخبارات الأجنبية كل معلومة صغيرة أو كبيرة تُفلِت من كوريا الشمالية، بحثاً عن أي تلميحات حول ما يدور داخل مملكة هيرمت (أي المملكة المنغلقة على نفسها). ولكن مع إغلاق البلاد لحدودها بالكامل إبان جائحة كورونا، استغل مراقبو كيم فرصة أن خصره صار أكثر نحافة باعتبارها مؤشرٍ على شيءٍ ما.
إذ قال فيبين نارانغ لموقع NK News الأمريكي إنه في حال كان كيم قد فقد بعض وزنه ليصير أكثر صحة؛ فهذا "يُحسّن على الأرجح مكانته على أرض الوطن، ويُوفّر للأطراف الإقليمية الفاعلة مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة قدرةً أكبر على التنبؤ بما سيحدث، ويمنحها ثقةً أكبر في أنه سيعود لإدارة المشهد".
وأردف نارانغ، أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "ولكن في حال كان فقدان الوزن المفاجئ بسبب مشكلةٍ صحية؛ فربما تكون المناورات من أجل خلافته قد بدأت بالفعل خلف الكواليس، وهذا الوضع غير المستقر سيمثل مشكلةً للعالم الخارجي".
ووصل الأمر بالموقع الأمريكي لدرجة مقارنة صور معصم كيم الحالية مع صوره قبل سبعة أشهر. ففي صورةٍ منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بدت ساعة كيم من طراز IWC Portofino Automatic (قيمتها 12 ألف دولار) ضيقةً على معصمه. لكن الصور الأحدث أظهرته يرتدي الساعة متدليةً من يده بعض الشيء.
والده وجدّه فارقا الحياة بسبب الأزمات القلبية
في حين قالت جين إتش لي، مديرة مكتب وكالة Associated Press الأمريكية السابقة في بيونغ يانغ: "من السخيف للغاية أن يتحوّل الناس إلى تحليل مقاس الساعة على حجم معصمه. ومع ذلك، إذا نظرت إلى الصورتين؛ فسوف تلاحظ أنه فقد بعض الوزن بالفعل. وهناك سببٌ حقيقي للقلق هنا: إذ مات والده وجده بسبب الأزمات القلبية".
جديرٌ بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يدقق خلالها الناس في صور كيم بحثاً عن مؤشرات حول صحته وشخصيته، في محاولةٍ لفهم شيءٍ عن الزعيم المستبد الغامض الذي يُمسك بيديه زمام ترسانةٍ نووية.
لماذا كان كيم يعرج في صوره عام 2014؟ وهل أجرت كوريا الشمالية تعديلاً رقمياً على شكل أذنه اليسرى؟ وحين التقى كيم برئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن عام 2018، طلبت صحيفةٌ كورية جنوبية من سبعة خبراء مراجعة الصور بحثاً عن أي معلومات جديدة عن زعيم كوريا الشمالية. وأشار التحقيق إلى أنّ كيم ربما وضع بطانةً كبيرة في نعله ليبدو أكثر طولاً.
وحين ظهر كيم على عربة غولف العام الماضي وانتشرت العديد من الشائعات حول كونه مريضاً بشدة، خمّن بعض الخبراء الطبيين أنّ العلامة الصغيرة على معصمه كانت دليلاً على خضوعه لعمليةٍ جراحية.
حتى أن صعوده للحكم عام 2011 كان مغلفاً بالغموض، إذ لم يعلم المسؤولون الأمريكيون بخبر وفاة والده لمدة يومين، حتى أعلن النظام النبأ بنفسه.
حياة زعيم كوريا الشمالية الأكثر سريّة
وحين يختفي كيم شخصياً عن الساحة، يلجأ المحللون والمهتمون إلى لقطات الأقمار الصناعية بحثاً عن أي أثرٍ لطائراته أو مواكبه أو قطاراته أو مراكبه.
في حين قال كولين زويركو، من خدمة الأخبار والتحليلات الخاصة NK Pro، لصحيفة The Washington Post الأمريكية العام الماضي: "داخل بلدٍ مثل كوريا الشمالية، ليس هناك أي ضجيج يتعلق بالمنشآت الفاخرة. فالضجيج ينبعث فقط من منشآت عائلة كيم. إذ لا يوجد أي مواطن يمكنه الاستمتاع بحفلات المراكب أو أن يمتلك قصراً في أحد أماكن نائية بكل حرية".
ورغم أنّ هذا النوع من التحليلات قد يبدو سخيفاً أحياناً، فإنه مقياس لحجم معرفتنا الضئيلة عن كوريا الشمالية بحسب جين: "إنهم ناجحون في التعتيم بإحكام على كل ما يدور داخل البلاد، لدرجة أننا لا نكتشف أي مشكلة سوى عن طريق الصدفة. ولهذا نراقب هذه الغيابات أو التغييرات عن كثب".
ولطالما كانت صحة كيم تمثل مصدر قلقٍ بسبب وزنه -الذي قدرت الاستخبارات الكورية الجنوبية بأنه يتجاوز 136 كيلوغراماً- إلى جانب عادات تدخينه الشرهة. لكنه يتمتع أيضاً بأفضل رعايةٍ صحية يمكن أن توفرها كوريا الشمالية، ناهيك عن القدرة على الاتصال بخبراءٍ طبيين من روسيا والصين، وهي دولٌ تحتفظ بعلاقاتٍ وثيقة مع نظام بيونغ يانغ.
التوتر بين واشنطن وبيونغ يانغ
وفي مؤشرٍ وصفه أحد الخبراء بأنه أشبه بمحاولةٍ لإظهار أنه رجلٌ عصامي؛ حذف حزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية مؤخراً إحدى الإشارات إلى الإرث الذي تركه جد كيم ووالده من كتيب قواعد الحزب.
ولا تزال التوترات مرتفعةً بين بيونغ يانغ والولايات المتحدة. وحين وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن برنامج كيم النووي بأنه "تهديدٌ خطير لأمن الولايات المتحدة والعالم"، ووعد بالاستجابة من خلال "الدبلوماسية والردع الصارم" خلال خطابه الأخير أمام جلسة مشتركة للكونغرس؛ لم تتوانَ كوريا الشمالية عن الإدلاء بردٍ ناري.
إذ قال رئيس قسم الشؤون الأمريكية بوزارة الخارجية الكورية الشمالية، كوون جونغ جون، إنّ تعليقات بايدن "لا يمكن التساهل معها وتعكس نفس الرواية المعتادة من الولايات المتحدة".