منذ إطلاق أول عملة مشفرة في العالم "بيتكوين"، ظل سؤال بسيط يتردد بدون حل، وهو: هل يمكن أن تنجح هذه العملة في العالم الحقيقي، في ما يتعلق بالأمور العادية المتمثلة في الشراء والبيع وتحويل الأموال؟ اليوم قد يعطي إعلان دولة السلفادور أنها ستدرس اعتبار بيتكوين "عملةً قانونية" إجابة، كما يقول تقرير لموقع Bloomberg الأمريكي.
ما الذي فعلته السلفادور فيما يتعلق بـ"بيتكوين"؟
استطاع رئيس السلفادور، نجيب أبو كيلة، البالغ من العمر 39 عاماً، دفع الكونغرس لإعطاء الضوء الأخضر لخطته لجعل البلاد أول من يستخدم بيتكوين عملةً قانونية. ووفقاً لمشروع القانون، يمكن للسلفادوريين الآن دفع الضرائب بعملة بيتكوين، وسيُلزَم "الوكلاء الاقتصاديون" بقبول العملة المشفرة ثمناً للسلع والخدمات. وسيستمر التداول بالدولار الأمريكي جنباً إلى جنب مع بيتكوين باعتباره العملة الوطنية في دولة أمريكا الوسطى.
كيف يمكن استخدام بيتكوين عملةً قانونية؟
يقول تقرير بلومبرغ إن هناك الكثير مما هو غير واضح. من الناحية النظرية، ستنشئ بيتكوين قناة مدفوعات موازية إلى جانب الدولار الأمريكي. قد تُحدَّد الأسعار بالعملة المشفرة، وتُعفى البورصات التي تستخدمها من ضريبة أرباح رأس المال. ويدعو مشروع القانون الذي أقره الكونغرس إلى إنشاء صندوق يُستخدَم لضمان قابلية تحويل بيتكوين إلى دولارات.
ما الفكرة الكامنة وراء هذه الخطوة؟
تمثل التحويلات ما يقرب من 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتأتي في الغالب من السلفادوريين العاملين في الولايات المتحدة. يقول رئيس الدولة إنَّ جزءاً كبيراً من هذا يضيع في رسوم التحويل، التي يمكن أن تساعد بيتكوين في تقليلها. والسلفادور هي واحدة من الاقتصاديات التي يُطلَق عليها "اقتصاد مُدوّلر"؛ ما يعني أنَّ القرارات المالية والنقدية للحكومة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي لها تأثير هائل عليها. لكن يمكن أن يمنح اعتماد بيتكوين عملةً رسميةً الأمة المزيد من الاستقلال.
كيف يمكن أن تساعد أيضاً؟
قال الرئيس نجيب أبو كيلة إنَّ السلفادور يمكن أن تصبح مركزاً لتعدين بيتكوين، وهي عملية التحقق من المعاملات مقابل عملات معدنية جديدة. وغرَّد أبو كيلة قائلاً إنه إذا انتهى المطاف بـ 1% فقط من القيمة المتبقية لعملة بيتكوين في السلفادور، فإن ذلك سيعزز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 25%، على الرغم من أنه لم يوضح تماماً الآلية التي يمكن من خلالها تعزيز الناتج المحلي الإجمالي.
لماذا يعد إعلان السلفادور تجربة جديدة؟
تُستخدَم بيتكوين في بعض المعاملات في أماكن معينة. على سبيل المثال، تُستخدَم بالفعل بصفة غير رسمية في أجزاء من السلفادور، وبالتحديد في مدينة إل زونت الشاطئية، التي بها ماكينتا صرف آلي لبيتكوين، وحيث تقبل أكثر من 30 شركة بالفعل العملة المشفرة للدفع. لكن تقلُبها -إذ يتأرجح سعرها باستمرار- يجعلها غير جذابة للعديد من الشركات. فمنذ منتصف أبريل/نيسان، فقدت ما يقرب من نصف قيمتها. ولا ترغب العديد من الأنشطة التجارية في قبول الدفع بعملة لها قيمة محددة اليوم ستنخفض غداً، حتى لو كان هناك احتمال أن تكون قيمتها أكبر. حتى في مراكز التكنولوجيا، مثل وادي السيليكون وسنغافورة، لا يزال استخدام بيتكوين وسيلةً للتداول غير ذي أهمية. من ناحية أخرى، في السلفادور، تعمل الحكومة والبنك المركزي بنشاط على الترويج لاستخدامها؛ ما قد يعطي دفعة لجهود اعتمادها.
ما المخاطر الأخرى التي يشملها هذا القرار؟
العملات المشفرة لها تاريخ طويل من الاختراقات، ويمكن للمستخدمين "فقدان" بيتكوين، إذا أخطأوا في وضع الرمز الذي يحددهم على أنهم المالكين. ويمكن أن يؤدي اعتماد العملة على نطاق واسع أيضاً إلى تحويل السلفادور إلى ملاذ ضريبي – أو ملاذ لغسيل الأموال. وإذا استدرجت "حيتان" بيتكوين، كما يُعرَّف كبار مالكي العملة، لنقل عملاتهم إلى السلفادور، فإن تكرار دورات رواج وكساد الأسعار التي شهدتها بيتكوين بانتظام قد يكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الذي يبلغ حجمه 27 مليار دولار.
ما الذي قد يعنيه هذا لمجتمع بيتكوين؟
في السنوات الأخيرة، جذبت بيتكوين اهتماماً متزايداً من الشركات المالية السائدة التي ترى العملة المشفرة مجالاً جديداً مربحاً. لكن السؤال الأساسي ظل بلا إجابة: هل يمكن اعتبار بيتكوين أداة أساسية في إجراء المعاملات المالية، مثل الدولار والعملات التقليدية الأخرى؟ أم أنها شيء يستحق الشراء لأن تخزينها، على غرار الذهب، له قيمة أقل ارتباطاً بالدورات الاقتصادية من العديد من الأصول الأخرى؟ وسيُراقَب عن كثب ما يحدث في هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه ستة ملايين نسمة بحثاً عن دلالات تجيب عن هذا السؤال.
هل هناك دول أخرى تفعل ذلك؟
لا، ليس حقاً. تعمل العديد من البنوك المركزية على تطوير عملاتها الرقمية الخاصة، لكنها بعيدة كل البعد عن العملات المشفرة مثل بيتكوين، التي يُقدِّر أصحابها استقلالهم عن الحكومات. على سبيل المثال، عملة "دولار ساند" الرقمية هي مجرد فرع من دولار جزر الباهاما، وتُتداوَل فردياً.
ما الذي يدفع السلفادور لهذه الخطوة؟
عانى اقتصاد السلفادور في العام الماضي من أعمق انهيار له منذ أربعة عقود، بينما اتسع العجز المالي إلى أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي؛ بعدما أضر الإغلاق المُشدَّد لاحتواء "كوفيد-19" بالأعمال. ودفع هذا الحكومة للبحث عن مصادر جديدة للتمويل. وتخوض وزارة المالية محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن تسهيل تمويل ممتد بقيمة 1.3 مليار دولار للمساعدة في تلبية احتياجات التمويل هذا العام، لكن المحادثات تعثرت.
ولا تزال السلفادور دولة خَطِرة. فبالرغم من أن الرئيس أبو كيلة نَسَب الفضل إلى سياسات حكومته الأمنية في خفض عمليات القتل، لكن معدل القتل لا يزال مرتفعاً بأربعة أضعاف مثيله في الولايات المتحدة، وتوترت كذلك العلاقات بين أبو كيلة والإدارة الأمريكية بسبب إساءة معاملته للسجناء وإقالة حزبه لقضاة المحكمة الدستورية، والنائب العام الذي يكافح الفساد.