بينما كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية هي التي جعلت الإسرائيليين يفرون إلى الملاجئ خلال حرب غزة، فإن ما يُقلق الجيش الإسرائيلي أكثر، هو طائرات حماس المسيَّرة والمعروفة باسم طائرات شهاب التي استُخدمت بالفعل خلال هذه الحرب.
وأدى استخدام كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس للطائرات المسيَّرة الانتحارية إلى رفع الصراع المسلح بين الحركات الفلسطينية وإسرائيل إلى مستوى جديد، حسبما ورد في تقرير لموقع Eurasian Times.
طائرات متسكعة وأخرى انتحارية
وتطلق حماس على أشهر طائراتها المسيَّرة اسم طائرات شهاب، ولقد نشرت فيديو لعملية إطلاقها، وتفيد تقارير بأنها قد تحمل رأساً حربياً يصل وزنه إلى 30 كيلوغراماً، وهناك تقارير عن أوزان أقل، ويمكن أن تطير بسرعة 250 كيلومتراً في الساعة. ويُعتقد أنها مبرمجة بإحداثيات GPS وصور الأقمار الصناعية للعثور على هدفها، كما يمكن توجيهه بصرياً إلى الهدف باستخدام مشغّل أرضي وكاميرا، ويُعتقد أنه يتم إطلاقها من سكة حديدية ويمكن نقلها على متن شاحنة.
وقال جاستن برونك، من معهد رويال يونايتد سيرفيسز إنستيتيوت في لندن: "بمساعدة إيران، طوَّرت حماس عدداً كبيراً جداً من الذخائر غير المكلفة، والتي يمكن إرسالها لضرب أهداف ثابتة، تقع على نطاق بعيد.
ويرجَّح أن الإيرانيين قد أعطوهم بعض الأمثلة الأولية، وكذلك كُتيبات تدريبية حول كيفية بناء هذه الطائرات، وبمجرد نقل هذه الخبرة، أصبحت حماس بارعة جداً في تصنيع طائراتهم الخاصة في غزة"، حسبما نقل عنه موقع the National News.
وقال إن المكونات الرئيسية المهربة من إيران قد تشمل رقائق تتبع نظام تحديد المواقع العالمي وجيروسكوبات التثبيت وأجزاء المحرك.
وتم إسقاط طائرة واحدة لـ"حماس" على الأقل بواسطة صاروخ جو – جو أُطلِقَ من مقاتلة F16 إسرائيلية، بينما تم اعتراض واحدة أخرى بواسطة القبة الحديدية، بينما تم إسقاط أربع من قِبل ما سماه الإسرائيليون "وسائل سرية". كما أسقطت إسرائيل طائرة مسيَّرة إيرانية بالقرب من الحدود مع الأردن.
وقال باري إن الإسرائيليين الآن "يخصصون كثيراً من المال" لتطوير الليزر وأسلحة الميكروويف الأخرى عالية الطاقة لإسقاط الطائرات بدون طيار.
ترسانة تكافئ دولة أوروبية صغيرة
"ترسانة حماس أصبحت تكافئ القدرة النيرانية للدول الأوروبية الصغيرة"، هكذا قال جوناثان كونريكوس، المسؤول في الجيش الإسرائيلي، الذي وصف صناعة الأسلحة لدى حماس بأنها صناعة منزلية، حسبما نقلت عنه صحيفة the Sun البريطانية.
وتُعرف الطائرات المسيرة الانتحارية باسم طائرات كاميكازي نسبة إلى اسم الطيارين اليابانيين الذي كانوا يهاجمون بطائراتهم السفن الحربية الأمريكية خلال نهاية الحرب العالمية الثانية، مفضلين الانتحار بدلاً من الهزيمة.
ويُعتقد أن حماس لديها أيضاً طائرات مسيَّرة متسكعة والتي يطلق عليها الذخائر المتسكعة "loitering munition"، حسبما ورد في تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
ويطلق عليها هذا الاسم، لأنها تحوم في الجو لتبحث عن الأهداف، وتهاجمها بمجرد تحديدها، وتتيح ذخائر التسكع أوقات رد فعل أسرع ضد الأهداف المخفية أو المخفية التي تظهر لفترات قصيرة دون وضع منصات عالية القيمة بالقرب من المنطقة المستهدفة، وتسمح أيضاً بعملية استهدافٍ أكثر انتقائية.
كان أول استخدام معروف للطائرات بدون طيار من قِبل حماس لاستهداف إسرائيل في عام 2014، لكن جهود حماس باستخدام الطائرات بدون طيار تعود إلى نهاية عام 2012، عندما قال الجيش الإسرائيلي إنهم هاجموا "برنامج الطائرات بدون طيار" التابع للحركة.
مواصفات طائرات شهاب الفلسطينية
طائرات "شهاب" لها جسم أسطواني، وزعنفة رأسية، مدعومة بمحرك دافع مع مروحة بسيطة ثنائية الشفرات، وتأتي بجناح خلفي وعلبة أمامية للحصول على خصائص جيدة للمماطلة والثبات والقدرة على المناورة.
من المحتمل أن يكون لطائرات "شهاب" رأس حربي في المقدمة ونوع من نظام التوجيه، ولديها مجموعتان من الأجنحة، واحدة باتجاه المؤخرة ومجموعة أصغر في المقدمة، تبدو كأنها سمكة طائرة ذات زعانف، وهي أطول بقليل من ارتفاع الشخص العادي.
أصول طائرات "شهاب" غير واضحة، وبينما تقول حماس إنها تصميم أصلي بالكامل، فإن تكوين الطائرات بدون طيار مشابه تماماً لتكوين "أبابيل تي" الإيرانية.
وبالفعل ظاهرياً، تشبه طائرات "شهاب" إلى حد بعيد، الطائرة الإيرانية بدون طيار Ababil التي تصنّعها إيران، على الرغم من أن المتخصصين لاحظوا أن هناك اختلافات كبيرة.
هذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها نسخ قريبة من الطائرات الإيرانية، إذ يستخدم المتمردون الحوثيون في اليمن على نطاق واسع، ذخيرة متسكعة تسمى قاصف 1 و قاصف 2، يزعمون أنها مصنوعة محلياً ولكن يبدو أنها تحتوي على مكونات إيرانية على الأقل.
ومع ذلك، فإن طائرات "شهاب" ليست نسخة طبق الأصل من طائرات أبابيل الإيرانية أو "قاصف" التي يستخدمها الحوثيون.
فالطائرات الفلسطينية أصغر قليلاً من النوعين المذكورين أعلاه، حسب موقع Eurasian Times.
كما يختلف شكل وحجم الأجنحة في طائرات "شهاب"، إلى جانب مخروط الأنف، الذي يبدو أنه أكثر حدة واستدارة من النماذج الإيرانيين واليمنيين، إذ يبدو أت طائرات "شهاب" تصنع في ظروف أقل تقدماً من أبابيل.
ويرى الخبراء أن طائرات شهاب المسيَّرة يمكنها تحديد الهدف بوحدة GPS تجارية، والتي من المحتمل أن تُستخدم لإرسالها إلى موقع بإحداثيات مبرمجة مسبقاً، ويتم إدخالها في كمبيوتر الرحلة الخاصة بالطائرة.
ليس من المستغرب أيضاً أن تكون طائرات "شهاب" أصغر من طائرات "قاصف" أو "أبابيل تي"، فالمسافات التي تحتاجها لمهاجمة الأهداف الإسرائيلية من غزة أقصر بكثير من تلك الموجودة بين مواقع الإطلاق في اليمن والأهداف في المملكة العربية السعودية، حسبما ذكر محلل الدفاع تايلر روجواي، في تقرير نشره موقع The War Zone.
وعلى الرغم من أن طائرات شهاب التي تنتجها حماس أصغر بشكل ملحوظ من التصميمات الإيرانية، فإن العديد من الميزات تبدو متشابهة، وضمن ذلك المحركات الصينية الصنع والمتوافرة تجارياً، إضافة إلى الإلكترونيات والجيروسكوبات وأنظمة GPS التي يمكنك شراؤها عبر الإنترنت.
بصرف النظر عما إذا كانت طائرة شهاب المسيَّرة مشتقة من نموذج إيراني أم لا، لكن استخدام حماس إياها ضد إسرائيل يسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة للحرب.
يمكن أن تثبت مثل هذه الطائرات بدون طيارٍ الرخيصة المنتَجة محلياً فعاليتها ضد عدو أقوى ومتقدم تكنولوجيّاً، مثلما تستنفد صواريخ تصل قيمتها إلى مئات الآلاف من الدولارات القبة الحديدية الإسرائيلية.
لماذا قد تكون طائرات شهاب أخطر من الصواريخ؟ هجوم ناجح
في حين أن صاروخ "القسام" مجرد لعبة نارية عملاقة بدون توجيه يمكن أن يهبط في أي مكان، فمن المحتمل أن يكون لدى "شهاب" نظام تحديد المواقع العالمي. إذا كان أداؤها يتطابق مع أداء Ababil، فقد تكون قادرة على الوصول إلى مسافة 10 أمتار من نقطة الهدف الموجهة إليه من مدى 30 كيلومتراً.
بصفة عامة تمثل الطائرات المسيَّرة مشكلة بالنسبة للصواريخ الدفاعية وأنظمة الرادارات، لأنها قد تكون مصنوعة من مواد لا تعكس أشعة الرادار، ومحركاتها كهربائية وليست حرارية، مما يصعب تتبُّعها من أجهزة الرصد الحراري التي تستطيع رصد الصواريخ.
يُظهر فيديو نشرته حماس، ما يوصف بـ"أول عملية ناجحة موثقة" لحركة حماس باستخدام طائرة شهاب الانتحارية "كاميكازي" الجديدة. ويُظهر المقطع هجوماً على مصنع كيماويات إسرائيلي في مستوطنة نير عوز، ولكن لم يتسن التأكد منه من جهة مستقلة.
القدرة على ضرب أهداف دقيقة، خاصةً المنشآت المعرَّضة للخطر مثل تخزين النفط والغاز والمصانع الكيماوية، تجعل طائرات حماس المسيَّرة تهديداً أكبر بكثير من وابل الصواريخ غير الموجهة، حسب تقرير مجلة Forbes.
في اليمن، استخدمها الحوثيون بشكل كبير ضد القوات السعودية المتفوقة تقنياً، وتسببت في إشعال النار بمصنع معالجة النفط في بقيق عام 2019 والتسبب في ارتفاع أسعار النفط، وتأثر كمية كبيرة من إنتاج النفط السعودي.
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على أن الطائرات بدون طيار تُحدث فرقاً كبيراً، لكن من المرجح أن يولي الجيش الإسرائيلي مواجهة هذا التهديد اهتماماً خاصاً.
تكتيك استخدامها الذي خدع القبة الحديدية
بينما أطلقت حماس مراراً، وابلاً من مئات الصواريخ (معظمها من نوع القسام) على إسرائيل، حاول الإسرائيليون صدَّها بنظام القبة الحديدية الدفاعي.
في الواقع، نجحت حماس مراراً وتكراراً، في جعل نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي الإسرائيلي يصل لطاقته القصوى بالعدد الكبير من الصواريخ التي تطلقها.
على الرغم من نسبة النجاح العالية لنظام القبة الحديدية (يُفترض أن أكثر من 90% من صواريخ حماس قد تم اعتراضها)، تمكنت الصواريخ الفردية من اختراق الدرع الدفاعية وضرب الأراضي الإسرائيلية.
وكل الدلائل تشير إلى أن حماس أطلقت طائرات مسيَّرة تحت ستار وابل الصواريخ.
ويبدو أن كتائب القسام التابعة لـ"حماس" تستخدم تكتيكاً مدروساً، لإطلاق طائرات شهاب، حسب موقع zenith الألماني المعنيّ بالشؤون العربية.
إذ يتم إطلاق الصواريخ غير الموجهة التي يستخدمونها، في رشقات تتكون من أكثر من 100 صاروخ، ومباشرة بعد إطلاقها، يتم الكشف عنها بواسطة رادار القبة الحديدية، ويتعرف الرادار على أي صاروخ يُطلق بمسار يمثل تهديداً محتملاً ويطلق الصواريخ الدفاعية المناسبة.
وبهذه الطريقة، يمكن نشر النظام بأقصى قدر من الكفاءة، حيث تستهدف أجهزة الاستشعار الصواريخ القادمة من غزة، لكن لدى حماس نظام سلاح آخر أكثر مكراً في جعبتها.
في الليلة الأولى للحرب، تمكنت حماس من قصف صهريج نفط إسرائيلي جنوب عسقلان (أربعة كيلومترات شمال شرقي السياج الأمني مع قطاع غزة) بالقرب من الساحل.
قد يظن البعض أن الأمر ضربة حظ من صاروخ أطلقته حماس، ولكن يبدو أن العكس هو الصحيح.
بينما تركز جميع أنظمة الدفاع على الصواريخ، تحاول حماس توجيه الطائرات الانتحارية في رحلة منخفضة المستوى وبالتالي يصعب اكتشافها. ويبدو أنها حققت نجاحاً أوَّلياً، حسب الموقع الألماني.
دور صواريخ "القسام" أنها تشكل ضغطاً على القبة الحديدية، الأمر الذي يزيد فرص مرور الطائرات المسيَّرة التي هي أكثر خطورة بسبب دقَّتها، وأطول مدى لها، وقدرتها على الطيران في مسارات غير متوقعة، ولأنها قد تنخفض إلى ما دون تغطية الرادار.
صغر حجمها يجعل من الصعب اكتشافها بواسطة أنظمة الدفاع
ميزة طائرات شهاب المسيَّرة هي صغر حجمها مقارنة بتلك التي يستخدمها الحوثيون، مما يجعل من الصعب اكتشافها بواسطة أنظمة الدفاع، بسبب المقطع العرضي للرادار الصغير.
حتى الآن يمكن مواجهة صواريخ حماس غير الموجهة بسهولة نسبية بواسطة نظام القبة الحديدية، كما أُسقطت عدة طائرات مسيّرة لـ"حماس"، ولكن كما ظهر من تجربة الصواريخ، فإن إطلاق أعداد أكبر من الطائرات المسيَّرة وبتكتيكات مناسبة قد يزيد احتمالات اختراقها للدفاعات الإسرائيلية.
فالأمر قد يكون أسوأ بالنسبة لإسرائيل إذا تم التوسع في أو تطوير طائرات شهاب، لأن استخدام طائرات كاميكازي مسيَّرة قابلة للتوجيه منخفضة التحليق محمَّلة بالمتفجرات يزيد من التهديد بشكل كبير، حسب موقع Zenith، لأن الطائرات بدون طيار يمكن أن تحمل رؤوساً حربية وتتحرك أيضاً ببطء، وقد تكون قادرة على المناورة.
الخطر القادم
استخدمت إيران طائرات بدون طيار لمهاجمة منشآت معالجة النفط في بقيق بالسعودية في سبتمبر/أيلول 2019، وهو ما بدا كأنه تحذير لإسرائيل.
بعض الطائرات الإيرانية المسيَّرة لها نطاقات أطول بشكل متزايد. وكان هناك حديث عن طائرة مسيَّرة جديدة بين أيدي الحوثيين، يبلغ مداها 2000 كيلومتر، أي إنها تستطيع الوصول إلى ميناء إيلات بجنوب إسرائيل من اليمن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
ويمكن تخيُّل الوضع لو حاولت حماس تطوير طائرات مماثلة بمساعدة إيرانية، ولكن على الأغلب ستحاول الحركة الفلسطينية التركيز على تعزيز المناورة والقدرة على تخطي الرادارات.
واليوم، تشكّل طائرات حماس بدون طيار تهديداً، لأنها قادرة على المناورة والتحليق على ارتفاع منخفض، لكنها لا تزال مزيجاً بين جوانب الطائرات بدون طيارٍ الإسرائيلية القديمة من طراز V-1 من الثمانينيات وصواريخ كروز.
وحتى الآن، يبدو أن نظام الدفاع الإسرائيلي قادر على صدِّ طائرات شهاب التابعة لـ"حماس" بشكل كافٍ، ومنعها من إحداث خسائر كبيرة، حسبما قال دوغلاس باري، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ولكن باري يرى أن الأمر قد يكون مجرد مسألة وقت قبل أن تخترق طائرة فلسطينية انتحاريةٌ الدفاعات الإسرائيلية.