حدّد رئيس الكنيست موعد جلسة التصويت على حكومة لابيد-بينيت، فهل يمثل ذلك اليوم نهاية حقبة نتنياهو السياسية في إسرائيل؟ لا أحد يمكنه تقديم إجابة دقيقة عن هذا السؤال قبل إعلان نتيجة التصويت.
وتقف قائمة طويلة من الأسباب خلف هذه الحالة من عدم اليقين، رغم إعلان يائير لابيد، زعيم حزب "هناك مستقبل" الفائز بالمركز الثاني خلف ليكود نتنياهو في انتخابات مارس/آذار الماضي غير الحاسمة، عن نجاحه في تشكيل ائتلاف من سبعة أحزاب -إضافة لحزبه- لا يجمع بينها شيء تقريباً سوى هدف الإطاحة بنتنياهو.
التناقض بين أحزاب الائتلاف ربما يكون أبرز أسباب حالة الهشاشة التي تشوب "حكومة التغيير" المنشودة، لكن هناك إجماع بين المحللين والمراقبين داخل وخارج إسرائيل، على أن التهديد الأكبر الذي يواجه خروج تلك الحكومة للنور هو نتنياهو نفسه.
متى يحين الموعد المنشود لولادة الحكومة؟
اليوم الثلاثاء 8 يونيو/حزيران، أعلن ياريف ليفين، رئيس البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، أن التصويت على الحكومة الجديدة التي قد تحل محل حكومة نتنياهو سيجري يوم الأحد المقبل، 13 يونيو/حزيران.
وإذا حصلت الحكومة الائتلافية التي تضم تيارات اليمين واليسار والوسط وأحزاباً عربية، على موافقة البرلمان فستؤدي اليمين في اليوم نفسه، لتنتهي بذلك فترة حكم نتنياهو الذي تولى منصب رئيس الوزراء لمدة 12 عاماً متصلة، ليحل محله نفتالي بينيت، تلميذ نتنياهو اليميني، ورئيس حزب "يمينا"، الحاصل على 7 مقاعد فقط في الانتخابات الأخيرة، بموجب الاتفاق مع لابيد الذي سيتناوب على رئاستها بعد مرور عامين من عمرها، هذا بالطبع إن تشكلت من الأساس، وإن أكملت مدتها البالغة 4 سنوات.
تحديد جلسة التصويت أخيراً يعني أن نتنياهو أمامه حتى موعد الجلسة يوم الأحد ليواصل محاولاته المستميتة لإفشال ميلاد "حكومة التغيير"، والتي يبدو أنها باتت محدودة للغاية، وهنا يأتي دور عضو الكنيست نير أورباخ بالتحديد، فما قصة هذا العضو وعلاقته بأحلام نتنياهو للبقاء في منصبه؟
ما قصة عضو الكنيست نير أورباخ؟
نير أورباخ من مواليد 1970، ويحمل شهادة جامعية في القانون من إحدى جامعات إسرائيل، ولم يشغل منصباً في أي حكومة إسرائيلية، وعمل عضواً في لجنة المالية في الكنيست، ونجح في الاحتفاظ بمقعده في الكنيست في الانتخابات الأخيرة ضمن حزب "يمينا"، الذي يرأسه نفتالي بينيت، أي أنه ليس رقماً صعباً في المشهد السياسي الإسرائيلي بشكل عام.
لكن أورباخ أصبح الآن يمثل الأمل الأقوى لنتنياهو في مساعي إجهاض حكومة بينيت-لابيد، وذلك لسببين: الأول أن تلك الحكومة الائتلافية تمتلك 61 مقعداً في الكنيست، البالغ إجمالي مقاعده 120، وبالتالي في حالة امتناع عضو واحد من أعضاء الأحزاب الثمانية عن التصويت لصالح الحكومة يوم الأحد، فهذا يعني الفشل في تشكيلها والعودة للمربع صفر.
أما السبب الثاني والأهم، فهو أن أورباخ كان قد أعلن رفضه لاتفاق بينيت مع لابيد، ما دفع بينيت للاجتماع بأورباخ بشكل مكثف لضمان عدم خروج الأخير عن سياسة الحزب والالتزام بالتصويت لصالح الحكومة. على الجانب الآخر، وجد نتنياهو ضالته في أورباخ، وبالتالي كثّف ضغوطه على النائب اليميني، ووصلت الأمور إلى أن نشر يائير نتنياهو -نجل نتنياهو- عنوان منزل أورباخ، مطالباً أنصار الليكود بالتظاهر أمام المنزل لإقناع أورباخ بالتصويت ضد الحكومة المقترحة.
وبالطبع قام فيسبوك وتويتر بتعليق حسابات نجل نتنياهو لمدة 24 ساعة لانتهاك سياستهما، فردّ الليكود برئاسة نتنياهو بإصدار بيانات تتهم عملاقي منصات التواصل الاجتماعي باستهداف اليمين وممارسة رقابة سياسية ضد أتباعه. هل يذكركم هذا بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بصورة ما؟ بالتأكيد، فنتنياهو وترامب من أبرز زعماء اليمين المتطرف الناشرين لنظريات المؤامرات السياسية التي تستهدفهما.
هذه الصورة جعلت مسألة تحديد جلسة التصويت على الحكومة الجديدة قضية جوهرية، فمعسكر نتنياهو يريد تأجيلها أطول فترة ممكنة، ومعسكر بينيت-لابيد يريدها بأسرع ما يمكن، والقرار في النهاية بيد رئيس الكنيست ياريف ليفين، وهو من حزب الليكود.
رئيس الكنيست أعطى نتنياهو مزيداً من الوقت
وهذا ما دعا نفتالي بينيت إلى توجيه رسالة مباشرة لرئيس الكنيست لتحديد جلسة التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة خلال الأسبوع الجاري، إذ قال بينيت في خطاب تلفزيوني، الأحد 6 يونيو/حزيران، موجهاً حديثه لرئيس الكنيست: "نعلم أن نتنياهو يضغط عليك حتى تجد المزيد من المنشقين، أنت تعلم أن هذا ليس من مصلحة الدولة، بل لصالح نتنياهو، الناس يتوقعون منك أن تفعل ذلك، أقسم بالولاء لدولة وليس لشخص معين".
وجاء حديث بينيت بعد ساعات من تصريحات لرئيس الكنيست في جلسة لأعضاء الليكود، قال فيها ليفين إن "الاتفاقيات الائتلافية لم يتم بعد عرضها أمام الجمهور. إن قرار النواب يجب أن يتم وكل المعلومات متوفره معهم"، مضيفاً: "إخفاؤها (الاتفاقيات) يقول كل شيء، يقول ما يشعر به النواب، الحقيقة المكتوبة بها صعبة، إن هذه لحكومة سيئة، طريقها عكس طريقنا تماماً".
وبالتالي يمكن القول إن قرار ليفين تأجيل طرح التصويت على الحكومة حتى الأسبوع المقبل يتيح تفعيل المزيد من الضغوطات على أعضاء حزب "يمينا"، وبالتحديد على أورباخ من جهة، ومن جهة أخرى في حال قرر أورباخ الاستقالة من الكنيست هرباً من الضغوط التي تمارس عليه، فإن استقالته لا تدخل حيز التنفيذ إلا بعد 48 ساعة من ذلك، ومن ثم لن يكون له بديل يصوت على منح الثقة.
الخلاصة هنا هي أن نتنياهو، المعروف عنه امتلاكه لجعبة ألاعيب سياسية لا تنتهي، يبدو وكأنه يعيش أيامه الأخيرة بالفعل، وهذا ما يجعله أكثر خطورة من أي وقت مضى، بحسب أغلب المحللين والمراقبين للمشهد السياسي في إسرائيل.
هل يمكن أن يشعل نتنياهو حرباً أخرى ليبقى؟
ورغم ضيق الوقت -نحو 5 أيام حتى جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة- يخشى البعض من أن يقدم نتنياهو على فعل أي شيء وفي أي اتجاه؛ سعياً منه للبقاء في كرسي رئاسة الوزراء، تفادياً لمصير يخشاه كمتهم تجري محاكمته بتهم الفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة.
وقد نشر موقع Al-Monitor الأمريكي تقريراً عنوانه "توقعوا حيلاً قذرة في آخر معارك نتنياهو للبقاء"، تناول ما قد يقدم عليه الرجل الذي سيطر بقبضة الخوف على مقدرات السياسة الإسرائيلية طوال نحو عقدين من الزمان.
وفيما يتعلق باحتمال إشعال نتنياهو حرباً أخرى، كما فعل في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (10-21 مايو/أيار الماضي)، نفت مصادر عسكرية وأمنية إسرائيلية تحدثت للموقع الأمريكي، دون الكشف عن هويتها، هذا الاحتمال، ليس لأن نتنياهو سيتورع عن الإقدام عليه، ولكن لأن قدرة رئيس حكومة تصريف الأعمال (وصف حكومة نتنياهو الحالي) على اتخاذ قرار الحرب أصبحت مقيدة إلى حد كبير.
"لا يمكن لنتنياهو أن يشعل الشرق الأوسط بقرار منفرد من جانبه، ولست مقتنعاً أنه قد يريد ذلك أصلاً. فجولة أخرى من الحرب على قطاع غزة لن تغير شيئاً (في موقف نتنياهو السياسي). فعلى أية حال أضعفت الجولة الماضية من موقفه كثيراً. أما إشعال حرب مع حزب الله أو إيران فهذا حدث استراتيجي جوهري سيغير وجه إسرائيل ككل، وليس من المحتمل أن تنتهي حرب كهذه ونتنياهو رئيس للوزراء"، بحسب ما قاله مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الإسرائيلية للمونيتور.
وأضاف المصدر: "وعلى أية حال، قرار كهذا لا يتخذه نتنياهو منفرداً، فهناك وزير الدفاع (بيني غانتس- أحد أعضاء التحالف الذي يهدف للإطاحة بنتنياهو) وقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية ومجلس الوزراء الأمني (الكابينيت). ولحسن الحظ، مثل هذه القرارات لا يتخذها بيبي (لقب نتنياهو) مع أفراد عائلته في مقر إقامتهم في شارع بلفور (مقر رئاسة الوزراء الإسرائيلية)".
الخلاصة هنا هي أن جعبة نتنياهو تبدو وكأنها باتت شبه خالية من حيل يمكنها أن تساعده للبقاء في منصبه، وبالتالي يرى البعض أن الحيلة الأخيرة معلقة بشكل كبير على ذلك النائب في حزب يمينا؛ اليميني أورباخ، الذي قد يقرر ألا يدعم حكومة التغيير، ما يعني غالباً إجهاضها، وبالتالي يصبح سيناريو الانتخابات الخامسة أمراً واقعاً، وهذا على الأرجح ما يحلم به نتنياهو كل لحظة من الآن وحتى جلسة التصويت الأحد المقبل.