كم تمتلك كوريا الشمالية من غواصات؟ وما ترتيب تلك الغواصات من حيث القدرات القتالية؟ وهل توجد مقارنة بينها وبين الولايات المتحدة في هذا الشأن العسكري؟
قبل الدخول في إجابات تلك الأسئلة رقمياً وتحليلياً من الناحية العسكرية، من المهم رصد الصورة الأكبر لما تمثله كوريا الشمالية من مصدر تهديد للولايات المتحدة وحلفائها، وتحديداً كوريا الجنوبية واليابان، رغم الفارق الضخم على جميع المستويات بين بيونغ يانغ وواشنطن.
نعم، امتلاك كوريا الشمالية أسلحة نووية هو المصدر الوحيد لهذا التهديد، فامتلاك سلاح نووي يغير تماماً من معادلة القوة العسكرية التقليدية، وبصفة خاصة إذا ما امتزجت تلك القوة النووية بقيادة سياسية قد لا تتورع عن استخدامها بالفعل، كما هو الحال مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون.
وعلى الرغم من العقوبات الصارمة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها على كوريا الشمالية منذ عقود طويلة، وانعكاس تلك العقوبات على قدرة بيونغ يانغ على تحديث إمكانياتها العسكرية، التقليدية بأفرعها المختلفة، والنووية أيضاً، تظل كوريا الشمالية تمثل تهديداً كبيراً لواشنطن وسيول وطوكيو.
أسطول غواصات ضخم رقمياً
وألقى موقع Business Insider الأمريكي الضوءَ على أحد جوانب القدرات العسكرية لكوريا الشمالية، وهو سلاح الغواصات بالتحديد، معتبراً إياه الأكثر تهديداً على الإطلاق من بين كافة القدرات العسكرية التقليدية لكوريا الشمالية.
وعلى غرار غيرها من عناصر القدرات العسكرية في الجيش الكوري الشمالي، فإن تلك الغواصات قد عفا عليها الزمن بشكلٍ كبير ولا تمثل نداً قوياً أمام نظيراتها المتطورة في كوريا الجنوبية.
ومع ذلك، فإن غواصات كوريا الشمالية لديها القدرة على تشكيل تحدٍّ كبير سواء في سيناريو الحرب أو باعتبارها أداةً للعدوان والإكراه العسكري منخفض المستوى. ووفقاً لوزارة الدفاع هناك، فإنّ كوريا الشمالية تمتلك واحداً من أكبر أساطيل الغواصات حول العالم، إذ يضم نحو 70 غواصة هجومية وصغيرة وساحلية.
ويتألّف الأسطول الكوري الشمالي في المقام الأول من غواصات قديمة تشمل 40 غواصة ساحلية من طراز Sang-O وSang-O II، و20 غواصة من طراز Romeo، و20 غواصة صغيرة من طراز Yugo وYono. بالإضافة إلى تشغيل بحرية كوريا الشمالية حالياً لغواصة صواريخ باليستية واحدة من طراز Gorae.
وخلال استعراضات عسكرية أقيمت في بيونغ يانغ في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي وفي وقت سابق من هذا العام، عرضت كوريا الشمالية ما يشبه نسختين مطوّرتين من صواريخها الباليستية Pukguksong التي تُطلق من الغواصات.
وتعطي الغواصات ميزة هي الأهم في عملية الردع النووي وهي تنفيذ ضربة انتقامية، في حال تعرض الدولة لهجوم نووي أول مدمر، وحالياً تمتلك البلاد غواصة واحدة فقط يمكنها إطلاق صاروخ باليستي، لكنها تقول إنها تبني غواصة جديدة ذات قدرات أكبر.
ورصدت تقارير عسكرية غربية مؤخرا أنّ كوريا الشمالية تُطوّر غواصة صواريخ باليستية جديدة قادرة على حمل ثلاثة صواريخ باليستية تُطلق من الغواصات.
لماذا تمثل الغواصات مصدر التهديد الأكثر فتكاً؟
ولا ينبع تهديد غواصات كوريا الشمالية من القدرات الفردية لكل غواصة، وإنما من القدرة الإجمالية للأسطول ككل. وفي حال نشوب صراعٍ عسكري، فمن المرجح أن تعتمد كوريا الشمالية تكتيك الهجوم المكثف بغواصاتها.
وفي بداية الصراع، ستنشر كوريا الشمالية غواصتها على الأرجح في اتجاه موانئ كوريا الجنوبية، وتستخدمها لتعطيل حركة المرور والتجارة، ونشر الألغام، والهجوم على سفن العدو.
ويتضاعف تهديد غواصات كوريا الشمالية بفضل سمات البيئة البحرية قبالة سواحل شبه الجزيرة الكورية، والتي تجعل الحرب المضادة للغواصات أمراً صعباً. وقد اتخذت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية خطوات لتحسين قدرات الحرب المضادة للغواصات، بينما تدرس كوريا الجنوبية شراء المزيد من منصات الحرب المضادة للغواصات.
لكن التهديد الأكبر لغواصات كوريا الشمالية يرجع إلى القدرة على استخدامها كأدوات للعدوان والإكراه العسكري منخفض المستوى. إذ نجحت كوريا الشمالية في استخدام غواصة لإغراق سفينةٍ بحرية كورية جنوبية في الماضي. حيث أصاب طوربيد، أطلقته غواصة من كوريا الشمالية عام 2010، السفينة الحربية الكورية الجنوبية Cheonan وأسفر عن مصرع 46 من البحارة على متنها.
كما يمكن استخدام غواصات كوريا الشمالية كمركبات لتسلل جنود القوات الخاصة الكورية الشمالية خلف خطوط القوات الكورية الجنوبية.
وقد دفع تهديد الغواصات الكورية الشمالية ببعض المحللين إلى الدعوة للتركيز من جديد على دور تحالف الولايات المتحدة مع جيش كوريا الجنوبية في تعزيز الجاهزية وقدرات الردع البحرية.
جيش تقليدي ضخم مدعوم بأسلحة نووية
وكان السؤال بشأن حجم التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية قد تجدد مؤخراً، بعد سقوط صاروخين باليستيين أطلقتهما كوريا الشمالية في البحر أواخر مارس/آذار الماضي، ليطرح السؤال نفسه من جديد: كيف تستطيع دولة فقيرة ومعزولة أن تمثل مصدر قلق ورعب لمجموعة من أكثر دول العالم تقدماً؟
ولم يسبب الصاروخان أضراراً، لكنَّ الخبراء يقولون إنَّ عملية الإطلاق تمثل دليلاً إضافياً على أنَّ الترسانة العسكرية المتنامية للزعيم الكوري الشمالي، كيم يونغ أون، تُشكِّل تهديداً كبيراً لكوريا الجنوبية واليابان، بل وحتى للبر الرئيسي للولايات المتحدة، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وفي هذا السياق تمثل الرؤوس النووية المحملة على الصواريخ الباليستية أحد أخطر أسلحة كوريا الشمالية من وجهة نظر أمريكا وحلفائها، وقال: "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي، في تقرير مطول عن القدرات العسكرية لبيونغ يانغ: "يمكن أن يكون لدى كوريا الشمالية أكثر من 60 رأساً نووياً وفقاً لتقديرات المحللين، وقد اختبرت بنجاح صواريخ بإمكانها ضرب الولايات المتحدة برأس نووي".
وقالت وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية في مارس/آذار الماضي، إنَّ الصاروخين الباليستيين اللذين اختبرتهما بيونغ يانغ -وهو ثاني اختبار للأسلحة في غضون أقل من أسبوع- كانا من طرازٍ أقل في المدى.
وكانت كوريا الشمالية قد اختبرت عام 2017 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، من طراز Hwasong-15، الذي حلَّق صعوداً باتجاه السماء قبل أن يسقط في المياه قبالة سواحل اليابان.
وقال ديفيد رايت، الخبير لدى منظمة "اتحاد العلماء القلقين"، إنَّ الصاروخ كان بإمكانه قطع مسافة 13 ألف كيلومتر لو كان حلَّق في مسارٍ اعتيادي.
وأضاف رايت في تصريحٍ آنذاك: "صاروخ كهذا سيكون مداه أكثر من كافٍ لبلوغ العاصمة الأمريكية واشنطن، وفي الواقع لبلوغ أي جزء في البر الرئيسي للولايات المتحدة"، ولو أنه أشار إلى أنَّ هذا المدى ربما لن يكون ممكناً إذا ما زُوِّد الصاروخ برأس نووي ثقيل.
ويرسم هذا الإصرار على تطوير كوريا الشمالية لقدراتها النووية والصواريخ الباليستية القادرة على حمل تلك الرؤوس النووية لأبعد مدى، إضافة إلى السعي لتطوير أسطولها الضخم رقمياً من الغواصات صورة مرعبة لأعدائها الممثلين في واشنطن وسيول وطوكيو بالأساس.