يواجه حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط خطر فرض عقوبات من جانب واشنطن لردعهم عن شراء أسلحة من روسيا، لكن لماذا تمثل تلك العقوبات مأزقاً للولايات المتحدة نفسها؟
والقصة هنا تتعلق بقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا) الذي أقره الكونغرس الأمريكي، في يونيو/حزيران 2017، أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بهدف منع تركيا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة من شراء أسلحة متطورة من روسيا.
وبالفعل فرضت واشنطن عقوبات على أنقرة بموجب بعض بنود قانون (كاتسا)، بعد أن أتمت تركيا صفقة النظام الدفاعي الروسي إس-400، لكن تلك العقوبات لم تحقق الهدف الأمريكي منها، بل ربما تكون قد أضرت بالمصالح الأمريكية أكثر من الضرر الذي قد يكون لحق بتركيا، بينما لم تتأثر روسيا من الأساس، ما يطرح شكوكاً عميقة حول جدوى قانون (كاتسا).
إدارة بايدن تهدد حلفاءها في الشرق الأوسط
ونشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً تناول قصة قانون (كاتسا)، وفرص تحقيقه أياً من الأهداف الأمريكية لمحاصرة الصناعات العسكرية الروسية، إذ أكّدت إدارة جو بايدن من جديد عزمها على فرض عقوبات ضد دولٍ حليفة في حال قرّرت الأخيرة شراء أنظمة الأسلحة الروسية، وهي الخطوة التي قد تكون لها تداعيات كبيرة على دول الشرق الأوسط.
كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد حذر تركيا مؤخراً من طلب دفعةٍ ثانية من أنظمة الدفاع الصاروخي المتطورة وبعيدة المدى: إس-400 الروسية، وقال بلينكن الشهر الماضي: "من المهم للغاية مستقبلاً أن تتجنّب تركيا، وكافة شركاء وحلفاء الولايات المتحدة عموماً، شراء الأسلحة الروسية، وخاصةً أنظمة إس-400. وأي مشتريات كبيرة أخرى من المؤسسات الدفاعية الروسية قد تضع تلك الدول تحت طائلة قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (كاتسا)، وهو شكلٌ منفصل من العقوبات التي ستُضاف إلى العقوبات المفروضة سلفاً بالفعل".
وجاء تحذير بلينكن كتذكيرٍ لأنقرة، حليفة الولايات المتحدة وعضوة حلف الناتو، بأنّها ستخضع للمزيد من العقوبات حال شراء المزيد من أنظمة إس-400. كما استهدف البيان تذكير الحلفاء في الشرق الأوسط بأنّ واشنطن لن تقف صامتةً إزاء شراء المزيد من الأسلحة من موسكو.
وكانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قد فرضت عقوبات على تركيا بسبب شراء أنقرة منظومة الدفاع الصاروخية إس-400 من روسيا، بموجب بعض بنود قانون كاتسا، لكن تلك العقوبات التي فرضها ترامب بعد أكثر من عام على إتمام الصفقة بالفعل لم تؤثر بشكل جاد على الصناعات الدفاعية التركية، بحسب المسؤولين الأتراك.
وقال مارك كاتز الزميل البارز غير المقيم في Atlantic Council لموقع Middle East Eye: "تخضع تركيا الآن لعقوبات كاتسا الأمريكية بسبب شرائها أنظمة إس-400 الروسية، وهناك احتمالية لفرض هذه العقوبات على دول شرق أوسطية أخرى. وستسعد موسكو بالطبع لرؤية الولايات المتحدة تفعل ذلك، لأن هذا سيعني المزيد من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وبين حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي ستستغله روسيا دون شك".
مصر أيضاً تواجه خطر (كاتسا)
ورغم العديد من التحذيرات بشأن فرض عقوبات كاتسا، مضت مصر مؤخراً لإتمام صفقة شراء 24 مقاتلة سوخوي-35 روسية متقدمة من طراز Flanker-E مقابل ملياري دولار. وكانت القاهرة قد تسلّمت 5 من تلك المقاتلات بالفعل. لكن يبدو أن اهتمام واشنطن بشراء مصر للمقاتلات هو أقل من قلقها إزاء شراء تركيا لأنظمة إس-400.
بينما يعتقد نيكولاس هيراس، من Newlines Institute for Strategy and Policy، أنّ السبب في ذلك يرجع إلى قدرات بعينها في أنظمة إس-400، حيث قال للموقع البريطاني: "تخشى الولايات المتحدة من أنظمة إس-400 أكثر لأنّ نظام الدفاع الجوي هذا يمتلك قدرات يمكنها الإضرار بالجيل المقبل من المقاتلات الأمريكية، وخاصةً مقاتلات إف-35".
كما أشار هيراس إلى أنّ تلك الدفاعات الجوية "تأتي عادةً مع منفذٍ للفنيين الروس من أجل تقييم البيانات التي سجلتها تلك الأنظمة، ما قد يُشكّل منجم معلومات استخباراتية للروس بشأن الأنظمة الأمريكية المتقدمة".
أما في حال مصر، فسنجد أنّ الولايات المتحدة تمنح القاهرة مساحةً أكبر بسبب اتفاقية السلام التي عقدتها مع إسرائيل: "ومصر أكبر من أن تضغط عليها إدارة بايدن لتُثنيها عن شراء الأسلحة الروسية".
كاتسا.. سلاح عقوبات من الحرب الباردة
قال سيم تاك، كبير المحللين العسكريين في Force Analysis، للموقع البريطاني، إنّ كاتسا هي في الواقع "أداة عقوبات شديدة التمييز. ومن الأفضل واقعياً أن نتعامل معها على هذا الأساس، وهو أنّها مجموعة من الأدوات التي تستطيع الإدارة الأمريكية استخدامها -أو لا- وفقاً لتقديرها".
فبينما فرضت الولايات المتحدة عقوبات كاتسا على تركيا، لكن تاك لا يرى سبباً للتنبؤ بأنّ الإدارة الأمريكية ستفرض تلك العقوبات على كل الدول التي تتعامل عسكرياً مع روسيا: "فهناك معدلات من البراغماتية المطلوبة أثناء تطبيق أداة عقوبات من هذا النوع، من أجل حماية الإدارة الأمريكية من خسارة علاقاتها الاستراتيجية التي أقامتها مع مختلف الدول حول العالم".
وفي العديد من الحالات التي يمكن فرض العقوبات خلالها، مثل حالة مصر والعراق والإمارات والسعودية والهند، سنجد أنّ الولايات المتحدة تكون أقل ميلاً لتطبيق العقوبات على بعض الدول "لتجنّب الإضرار بالعلاقات الدبلوماسية والعسكرية التي كوّنتها مع تلك الدول. إذ تعتمد الولايات المتحدة على تحالفاتها مع تلك الدول لإدارة الأمن بطول الشرق الأوسط وآسيا. وحتى لو كانت الإدارة ترغب في اتّخاذ موقفٍ أكثر قوة تجاه روسيا، فإنّ استخدام كاتسا سيعني على الأرجح التضحية بتلك العلاقات".
أما حالة تركيا فقد كانت "مختلفةً بعض الشيء" لأنّ تلك العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب المترددة في أيامها الأخيرة، جاءت على خلفية تدهور العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا عقب فشل محاولة الانقلاب في تركيا بشهر يوليو/تموز عام 2016.
وأردف تاك: "مع قلة الخسائر المحتملة في المرحلة الحالية، نجد أنّ كاتسا وفّرت أداةً مفيدة لتقييد المبيعات العسكرية الروسية، ولزيادة الضغط على تركيا نفسها".
ويرى كاتز أنّ قانون كاتسا معيوب في أساسه، بالنظر إلى اختلاف التوقعات بشأن حلفاء الولايات المتحدة حول العالم اليوم، مقارنةً بزمن الحرب الباردة: "والمشكلة الأساسية التي أراها هي أنّه في زمن الحرب الباردة كان الجميع -الولايات المتحدة والحلفاء حول العالم- يعتبر الاتحاد السوفييتي هو العدو. أما الآن فإنّ الحلفاء حول العالم يختارون عدوهم الأساسي بطرقٍ مختلفة".
وبالتالي نجد أنّه رغم نظرة غالبية الحلفاء الأمريكيين في أوروبا إلى روسيا باعتبارها التهديد الأساسي، فإنّ الوضع يختلف لدى الحلفاء الأمريكيين في آسيا، الذين يخشون الصين في المقام الأول، أو حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذين يعتبرون تهديدات إيران والجماعات المتشددة أكثر خطراً من روسيا.
وقال كاتز: "بالنسبة للولايات المتحدة، فإنّه من غير الواقعي انتظار أن يعتبر حلفاء الشرق الأوسط روسيا عدواً بنفس قدر الولايات المتحدة. وهذا لأنّ العديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط -وبينهم إسرائيل- يعتبرون روسيا من شركائهم. وبالتالي على واشنطن الاختيار بين إدراك أنّ الإصرار على فرض العقوبات على الحلفاء في كل مكان سيأتي بنتائج عكسية، وبين الإصرار على إلزام الحلفاء بالامتثال والمخاطرة بفقدان علاقات التحالف".