شروطها تغيرت ولا تتعلق بغزة فقط بل كل فلسطين.. هكذا تعيد حماس رسم المشهد السياسي والعسكري مع إسرائيل

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/18 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/18 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
صواريخ تنطلق من قطاع غزة

تقود حركة حماس مواجهة عسكرية مع إسرائيل جاءت في سياقات وظروف مختلفة عن المعارك التي خاضتها منذ الانسحاب من غزة في 2005، وما تلاه من سيطرتها على غزة بعد فوزها في الانتخابات التشريعية 2006.

فمن ناحية ميدانية، لا تزال الحركة تسجل إنجازات عسكرية لأول مرة بقصف للصواريخ يستهدف بلدات إسرائيلية بعمق 250 كم، وتحقيقها تفوقاً بمفهوم الردع والخطاب العسكري للجبهة الداخلية الإسرائيلية.

ومن الناحية السياسية، جاء سياق هذه المعركة مختلفاً عن الحروب الثلاث الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة أعوام 2008 و2012 و2014، عبر توظيفها لأحداث القدس لمحاولة فرض رؤية وواقع جديد يقوم على مبدأ ربط الحالة الفلسطينية الوطنية ببعضها البعض، في كسرٍ واضح للسياسات الإسرائيلية التي تقوم على مبدأ التعامل الجغرافي والسياسي المنعزل في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والداخل المحتل.

ظهر هذا الأمر فيما سرَّبته شبكة "سي إن إن" الأمريكية نقلاً عن قيادي في حماس، بأن جهود كل من قطر ومصر من أجل التوصل إلى قرار للتهدئة تعثرت بسبب عقبتين؛ تتمثل أولاهما في إصرار تل أبيب على أن تأخذ المقاومة المبادرة في وقف إطلاق النار، وهو الأمر الذي رفضته حماس. بينما العقبة الثانية هي إصرار الحركة على إنهاء الاستفزازات بالأقصى وقرار إخلاء الشيخ جراح.

تثبيت قناعات جديدة

هذا الاستدراك من قِبل حماس أربك الحسابات الإسرائيلية، التي كان بتقديرها أن الحركة تتحرك ميدانياً وعسكرياً فقط إن شعرت بتهديد لمقدراتها السياسية والعسكرية في غزة، كما أن التعامل الإسرائيلي مع حماس يقوم على مبدأ محاولة امتصاص ونزع فتيل أي توتر في جبهة غزة، بغرض تحييدها ومنعها من الدخول في مواجهة لا ترغب إسرائيل في الدخول بها.

عماد أبوعواد، مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إنه لا تغيير طرأ في سياسة حماس في هذه الجولة العسكرية، لكن هناك محاولة من قِبلها لتثبيت قناعات لدى إسرائيل والأطراف الإقليمية بأن تراكم القوة لديها في غزة لخدمة الحالة الوطنية الشاملة، أهمها الحفاظ على القدس كهوية وطنية، وإثبات خطأ الرهان على أن غرض الحركة من قوتها العسكرية هو الحفاظ على بقاء حكمها في غزة فقط.

قد يكون الهدف الذي تسعى إليه حماس من وراء هذه الجولة القتالية بناء معادلة جديدة، لكنها لا تتحمل هذا الضغط الذي وضعت نفسها فيه بالدفاع عن القدس والضفة الغربية والداخل المحتل.

يضيف أبوعواد أنه بإمكان حماس تحمل هذا العبء، فالحالة الفلسطينية تشهد تراجعاً كبيراً في الحضور على مستوى الاهتمام الإسرائيلي والإقليمي والأمريكي، وإسرائيل لم تعد تمتلك أوراق ضغط على حماس، التي استطاعت في هذه الجولة أن تمتلك زمام المبادرة بقدرات قتالية على مستوى عالٍ تظهر حجم الاستعداد وتراكم الخبرات لديها في التعامل العسكري مع الاحتلال، سواء دقة الصواريخ، وقوتها التدميرية، ووصولها لكافة المناطق المحتلة، وتفوقها في جوانب أخرى كالسايبر والقدرات البحرية والأنفاق الهجومية.

على مدار حكم حماس في غزة منذ 2007 وحتى اليوم، خاضت أكثر من 50 جولة قتال قصيرة و3 حروب مدمرة، واقتصر سقفها في التفاوض خلال هذه المواجهات على الحفاظ على مكتسباتها السياسية والاقتصادية في غزة، والمطالبة بتحسين الظروف المعيشية لسكانها، والمطالبة بممر مائي وتجاري لتنقل الأفراد والسلع للخروج من التبعية الإسرائيلية.

لكن حماس في هذه الجولة، ووفقاً لما صدر من تصريحات على لسان قياداتها في المستوى الأول، تضمن سقف مطالبها شروطاً تركزت على الحفاظ على هوية القدس، ومنع أي تغيير في واقع المدينة.

تفعيل جبهة الضفة الغربية

يوسف الشرقاوي، اللواء المتقاعد والخبير العسكري، قال لـ"عربي بوست" إن تغيير حماس لسلوكها الميداني من غزة، بناء على تطورات أحداث القدس أو الضفة الغربية، سيكون مجدياً في حال دخلت مواجهة عسكرية تحت هذا العنوان، وتساندها باقي المناطق كالضفة الغربية والقدس والداخل المحتل، لأن جزءاً لا بأس به من المكاسب الميدانية لحماس في هذه المعركة جاء بسبب تشتت الطرف الإسرائيلي على أكثر من جبهة.

وأضاف أن البعد الآخر للخطر الذي سيواجه حماس بعد أن رفعت سقف التحدي، أن تقوم إسرائيل بوأد واستئصال قواعدها التنظيمية في الضفة الغربية والقدس، رغم أن هذا الأمر يجري على الأرض، إلا أننا قد نشهد تحركاً أكبر من قِبَل المخابرات الإسرائيلية لتفتيت الحركة، وقطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة بناء نموذج حماس غزة في الضفة الغربية.

دمار في عسقلان

ساري عرابي، المختص بشؤون الحركات الإسلامية، قال لـ"عربي بوست" إنه من المهم في هذه الجولة من القتال التي نجحت حماس في إدارتها أن تنظر باهتمام لإعادة بناء تنظيمها في الضفة الغربية، لأن غيابه في الأيام الأولى لهبة القدس أثَّر على سير الأحداث لصالح إسرائيل بشكل نسبي، قبل خروج الجماهير الجمعة الماضي، وهذه القضية يجب أن توضع على أولوية اهتمام حماس، لكن لا يمكن أن تتم بعيداً عن التنسيق مع السلطة الفلسطينية كونها المسؤولة الأولى والمباشرة عن حفظ الأمن في الضفة الغربية.

وأضاف أن تطور حماس هو السبب الذي دفعها للخروج من النفق الذي حاولت إسرائيل أن تضعها فيه، بتركيز وحصر مشروع المقاومة لديها على حماية مصالحها في غزة، لأن القضية لم تعد تحتمل هذا التقاعس الرسمي والعربي أمام ما تقوم به إسرائيل من جرائم بحق الثوابت الفلسطينية وعلى رأسها القدس.

معركة كسر الحصار

لعل ما تنظر إليه حماس في هذه الجولة هو أبعد من الأهداف التي حددتها، فالحركة تفاوض إسرائيل بنفس المنتصر، وبإمكانها أن تجبرها على إعادة التفكير بأي مغامرة قد تقدم عليها ضد الحركة في غزة والضفة والقدس، كما أن الحركة لا تخفي هدفها من أن هذه المعركة قد تكون نهاية الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها من قِبل إسرائيل منذ 15 عاماً.

تعتقد الأوساط الإسرائيلية أن حماس خرجت لهذه المعركة في هذا التوقيت بشكل مخطط وبمبادرة منها، لأن قائدها العسكري محمد الضيف وجد أن إسرائيل لن تقدم على تنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة في غزة دون أن تحملنا تكلفة بشرية عبر إيقاع الأذى بالجنود سواء بقتلهم أو أسرهم.

خليل شاهين رئيس قسم الأبحاث في المركز الفلسطيني للسياسات والدراسات الاستراتيجية-مسارات قال لـ"عربي بوست" إن حضور حماس السياسي والشعبي يتزايد، مما سيدفع إسرائيل لإعادة النظر في الكثير من السياسات التي تنتهجها ضد الحركة، ومنها الخضوع للتفاوض على قرارات استراتيجية كالحصار المفروض عليها في غزة، كما أن رفع حماس لسقف الشروط التي حددتها وأهمها مسألة الاعتداءات في القدس سيكون بمثابة تهديد مستمر لإسرائيل لإجبارها على الالتزام بالشروط التي ستضعها الحركة، ومن بينها كسر حصار غزة.

تحميل المزيد