تمثل المساعدات الإنسانية في سوريا أحد ملفات المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة قبل اللقاء المتوقع بين بوتين وبايدن، فما القصة هذه المرة؟
ومن المتوقع أن يلتقي جو بايدن وفلاديمير بوتين في أول قمة تجمعهما وجهاً لوجه، الشهر المقبل، إذا تم الاتفاق على مكان القمة وأجندتها، وسيكون العالم في انتظار نتيجة اللقاء الذي قد يمثل نقطة فاصلة ليس فقط في علاقات البلدين.
وسبقت الإشارة إلى القمة المحتملة بين الرجلين الشهر الماضي، خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي، والذي صرح بايدن بعده بأنه "حان وقت خفض التوتر مع روسيا"، وجاء الرد من موسكو "إيجابياً".
وفي الرابع من مايو/أيار الجاري، قال بايدن إنه "يأمل ويتوقع" أن يعقد لقاء مع بوتين الشهر المقبل (يونيو/حزيران)، إذ سيقوم بايدن الشهر المقبل، بالتوجه إلى أوروبا في زيارته الأولى كرئيس للولايات المتحدة؛ لحضور قمة مجموعة الدول السبع بلندن في الفترة بين 11 و13 يونيو/حزيران، ثم يتوجه إلى بروكسل لحضور قمة الناتو يوم 14 يونيو/حزيران.
سوريا ملف شائك بين موسكو وواشنطن
وإضافة إلى الملفات الكثيرة والمتشعبة التي من المتوقع أن تكون حاضرة في لقاء الرجلين، ألقى تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الضوء على الملف السوري الذي يمثل فشلاً ذريعاً للسياسة الخارجية لواشنطن على مقدار عقد كامل.
والآن تستعد إدارة بايدن لمواجهةٍ مع روسيا بشأن تسليم مساعدات الأمم المتحدة لملايين السوريين الواقعين خارج سيطرة رئيس النظام السوري بشَّار الأسد، وهو الأمر الذي تستعد موسكو، حليفة الأسد، لمنعه في يوليو/تموز المقبل.
وما يقع على المحك في ذلك الأمر هو استخدام الأمم المتحدة معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا، والذي استخدمته المنظمة الدولية لإرسال نحو ألف شاحنة مُحمَّلة بالمساعدات شهرياً إلى منطقةٍ في شمال غربي سوريا يبلغ عدد سكَّانها أكثر من أربعة ملايين سوري.
وتقول الولايات المتحدة وحلفاؤها، إن إغلاق الحدود أمام الأمم المتحدة سيعرِّض المدنيين للخطر، لاسيما 2.7 مليون شخص في المنطقة شرَّدهم الصراع. وبدأت الأمم المتحدة للتو حملتها للتلقيح ضد فيروس كوفيد-19 في المنطقة، وهي محاولةٌ لا يمكن أن تحل محلها فيها منظمةٌ أخرى بسهولة.
بينما تقول موسكو إن العبور يُعَدُّ انتهاكاً لسيادة الحكومة السورية، وإن المساعدات يجب أن تصل من المناطق التي يسيطر عليها النظام، الذي أصبح له اليد العليا على المعارضة بمساعدة روسيا وإيران بعد عقدٍ من الحرب الأهلية.
وقال مسؤولٌ أمريكي في الأمم المتحدة: "من الواضح أن المخاطر كبيرةٌ جداً. سنشارك بنشاطٍ مع الدول التي تشاطرنا الرأي والتي تقف معنا في هذا الأمر، ومع الآخرين الذين أعربوا عن بعض الشكوك".
ويقول المسؤولون الأمريكيون الحاليون والسابقون، إن الهدف الأوسع لموسكو هو تعزيز سلطة الأسد، والضغط على المعارضة السورية، وربما انتزاع تنازلاتٍ بشأن السياسات إزاء سوريا من إدارة بايدن.
ماذا يريد كل منهما في سوريا؟
وعلى الرغم من أن مسؤولي إدارة بايدن لا يزالون في خضم مراجعةٍ للسياسات إزاء المنطقة، دعا وزير الخارجية أنتوني بلينكن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، علناً إلى توسيع استخدامه للمعابر الحدودية، ومن المُتوقَّع أن تشكِّل القضية جزءاً من جدول الأعمال إذا التقى الرئيس بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأوروبا في يونيو/حزيران، كما يأمل البيت الأبيض.
ويعود استخدام البيت الأبيض للمعابر الحدودية إلى عام 2014، عندما وافق مجلس الأمن على خطةٍ لإرسال مساعداتٍ إلى السوريين عبر أربعة معابر، مع تركيا والعراق والأردن، للوصول إلى المدنيين على جانبي خطوط القتال. وتحت الضغط الروسي، قلَّصَ مجلس الأمن في وقتٍ لاحق، عدد المعابر المُصرَّح للأمم المتحدة باستخدامها إلى معبرٍ واحدٍ فقط وهو باب الهوى. وفي يوليو/تموز 2020، أمَّنَت إدارة ترامب تمديداً لمدة عام لاستخدام الأمم المتحدة المعبر.
وقال جيمس جيفري، الذي شَغَلَ منصب الممثِّل الخاص لإدارة ترامب لسياسة سوريا: "استفادت روسيا من خنق مجلس الأمن بشأن هذه المعابر الإنسانية؛ للفوز بقبول الأسد والتراجع عن العقوبات المفروضة على نظامه".
ولم تقل موسكو بعد، إنها ستستخدم حق الفيتو ضد التمديد، ما يترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية التفاوض على استمرار استخدام المعبر مقابل تنازلاتٍ أمريكية بشأن سوريا أو في مجالاتٍ سياسية أخرى. وقال متحدِّثٌ باسم السفارة السورية إن "إنهاء آلية عبور الحدود لن يصبح مأساةً إنسانية"، وأضاف أن إيصال المساعدات إلى شمالي سوريا عبر الخطوط الحكومية قد يكون فعَّالاً.
ومع ذلك، تقول منظمات الإغاثة إن العديد من الجماعات السورية التي تشكِّل نسيج جهود الإغاثة في البلاد تعتمد بصورةٍ حاسمة على إمدادات الأمم المتحدة والتمويل المُوزَّع من تركيا، وإن المحاولات السابقة لتنسيق شحنات المساعدات من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية قد تعثَّرَت.
النازحون من سوريا يدفعون الثمن
وقال مارك كاتس، مسؤول الأمم المتحدة البارز الذي يشرف على شحن المساعدات إلى شمال غربي سوريا: "هناك مخيَّماتٌ ضخمة، بها خيامٌ ومُشرَّدون في كلِّ مكان. الغذاء يأتي من الأمم المتحدة، وكذلك تقريباً جميع الخيام واللقاحات الخاصة بكوفيد-19. لقد أمضينا سنواتٍ في بناء آلية تكون فعَّالةً حقاً. لماذا يجب إزالة كلِّ ذلك في وقتٍ بلغ فيه الاحتياج ذروته؟".
ويقول عمال إغاثة إنه كانت هناك جماعات إغاثة تخزِّن المساعدات داخل شمال غربي سوريا، وتلك المساعدات المُخزَّنة قد تستمر لأشهر، وكانت هذه الجماعات تفعل ذلك كخطوةٍ احترازية ضد منع الأمم المتحدة من استخدام آخر معبر حدودي متبقٍّ.
ومع ذلك، لن يكون هذا أكثر من حلٍّ مؤقَّت حتى تتمكَّن المنظمات غير الحكومية والحكومات الأجنبية، التي لا تتطلَّب تفويضاً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاستخدام المعبر، من إيجاد طرقٍ لإرسال مزيد من المساعدات من تركيا. وتقول منظمات الإغاثة تلك إنها لن تكون قادرةً على استبدال المساعدات التي تقدِّمها الأمم المتحدة بشكلٍ كامل.
وقال أحد موظَّفي منظمة ميرسي كوربس غير الحكومية للمساعدات الإنسانية، وهو يعمل في سوريا، للصحيفة الأمريكية: "هناك كثير من التأثيرات غير الملموسة تلقائياً"، مشيراً إلى أن المنظمات المحلية التي تشكِّل جزءاً من نظامٍ مُعقَّدٍ للإغاثة الإنسانية تعتمد على الأمم المتحدة. وأضاف: "ما مِن سبيلٍ إلى أن تحل هذه المنظمات محل ما تقوم به الأمم المتحدة. وأيُّ شيءٍ يمكن أن يحدث سيكون أقل فاعليةً وأقل كفاءةً وعلى نطاقٍ أضيق كثيراً".
يضغط القرار الذي يلوح في الأفق بشأن الحدود، على إدارة بايدن لتوضيح إستراتيجيتها الأوسع للتعامل مع الأزمة السورية، ولم يقل مسؤولو بايدن، الذين عيَّنوا مبعوثين خاصين لليمن والأزمة في القرن الإفريقي، ما إذا كانوا يخطِّطون لتحديد سياسة الإدارة إزاء سوريا.
ولم تحدِّد الإدارة أيضاً إستراتيجيتها الدبلوماسية لمحاولة إخماد الصراع في سوريا، ولم تقل ما إذا كانت تخطِّط لمواصلة نشر ما يقرب من 800 جندي أمريكي في شمال شرقي سوريا، أولئك الذين يدعمون قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والتي تحارب مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي غضون ذلك، تستكشف دول الخليج إرسال مساعداتٍ إنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، وهي خطوةٌ يقول بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين إن موسكو ترحِّب بها، وإنها قد تكون مقدمةً لقبولٍ أوسع لحكومة الأسد.
وقال تشارلز ثيبوت، الزميل الزائر في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تربط هذا النقاش حول المعبر الحدودي بقضايا أخرى تتعلَّق بالصراع في سوريا".
وأضاف أن "مجال التسوية ضيِّق. لم يتبق سوى معبر حدودي واحد. الضغط كبير على جميع الدول الأعضاء، خاصةً الولايات المتحدة، لتجنُّب الجمود في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".