اختار رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو طريق التصعيد في القدس وقطاع غزة حيث حركة حماس، سعياً للتشبث بمنصبه، فهل تتشكل حكومة بدونه وسط الحريق الذي أشعله؟
الأحداث الدامية بدأت في القدس الشرقية المحتلة، من خلال سعي حكومة نتنياهو لإخلاء عائلات فلسطينية من حي الشيخ جراح، سعياً من نتنياهو لإرضاء المستوطنين المتطرفين، وعلى رأسهم حركة "لاهافا"، ثم إغلاق باب العامود دون سبب، وصولاً إلى الاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى، التي تشكل "جريمة حرب" بموجب بنود القانون الدولي، وصولاً إلى إطلاق الفصائل الفلسطينية صواريخ من غزة رداً على تلك الاعتداءات، وشن إسرائيل ضربات جوية ومدفعية مكثفة على القطاع، لتسقط 27 فلسطينياً شهداء، بينهم 9 أطفال، وتصيب المئات حتى صباح الثلاثاء 11 مايو/أيار.
وأطلقت الفصائل الفلسطينية أيضاً اليوم الثلاثاء أكثر من 70 صاروخاً من القطاع المحاصر نحو إسرائيل، فيما يبدو أنه التصعيد الأكبر، ويطرح تساؤلات بشأن احتمالات تطور الأمر إلى حرب تشنها تل أبيب على القطاع، في تكرار لحرب غزة 2014.
ماذا يقول الإسرائيليون؟
ركز تحليل نشرته صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية على الأوضاع الداخلية في تل أبيب، ومدى تأثيرها على الأحداث الحالية، راصدة تباين أسباب ما وصفته "بالصراع الذي قد يكون الأخطر منذ حرب صيف 2014 التي استمرت 50 يوماً".
ورأى تحليل الصحيفة العبرية أن تلك الأسباب تتراوح "من إلغاء الانتخابات الفلسطينية إلى عدم كفاءة الشرطة في التعامل مع الاحتكاكات في القدس الشرقية، إلى تصوُّر حماس أنَّ إسرائيل تمر حالياً بموقف ضعف سياسي غير محسوم".
ونوه تحليل الصحيفة ضمنياً إلى أن نتنياهو هو من أوصل الأمور إلى هذه النقطة الخطيرة، بإشارتها إلى ما يفعله منذ 12 عاماً، وهو "أن يكون الشخص الذي يقرر ما إذا كان جنود الجيش الإسرائيلي سيعيشون أو يموتون، ومقدار التصعيد أو التهدئة في مواقف مشوشة للغاية".
على أية حال، يبدو أن السؤال الوحيد الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان هذا التصعيد سيستمر لأيام أم سيكون صراعاً أكبر أشبه بعمليات 2014 وقبلها 2012 و2008-2009 الضخمة.
هل يغيب عن المشهد بعد إشعاله؟
لكن سواء خلال الصراع الحالي أو بعده مباشرةً، تزداد احتمالية مواجهة حماس لوجوهٍ جديدة وحكومة جديدة للمرة الأولى منذ 2009، بحسب تقرير الصحيفة الإسرائيلية، وهو ما يطرح التساؤلات بشأن "الردع الإسرائيلي مع وجود نفتالي بينيت في رئاسة الوزراء، ويئير لابيد بوصفه مزيجاً من رئيس الوزراء المناوب ووزير الخارجية، واستمرار بيني غانتس في منصب وزير الدفاع؟
ورأت الصحيفة أن غانتس هو الأهم بين الثلاثة، إذ على الرغم من أنَّ نفتالي بينيت سيكون رسمياً الرائد في مجال الأمن القومي، وسيكون للابيد مساهمة كبيرة، لكن أياً منهما ليس له مكانة قريبة من مكانة غانتس فيما يتعلق بالأمن القومي، ولأول مرة منذ عام 2009، قد يحتاج ساكن شارع بلفور في بعض الأحيان إلى الإذعان لساكن الطابق العلوي بوزارة الدفاع في تل أبيب.
بيد أنَّ هذا لا يعني أنَّ بينيت ولابيد سيكونان سلبيين؛ فكلاهما كان جزءاً من مجلس الوزراء الأمني، وكلاهما لديه بعض الآراء القوية حول كيفية التعامل مع غزة، والافتراض الذي ساد قبل هذا التصعيد هو أنَّ ردع القادة الجدد لحماس سيكون أقل مما كان عليه في عهد نتنياهو، الذي رَغَمَ أنوفهم عدة مرات، لكن الصراع الحالي زعزع هذه الافتراضات، بحسب الصحيفة.
ورغم أنَّ حماس بدأت ترى نتنياهو فجأة على أنه أضعف، ماذا لو أمر هو وغانتس الجيش بقصف قطاع غزة بقوة أقسى من ذي قبل؟، كما تساءلت الصحيفة، والخلاصة هنا هي أن ما أقدم عليه نتنياهو من تصعيد للأمور سعياً للتشبث بمنصبه ربما لا يفيده في تحقيق هدفه، لكن المؤكد أن ذلك التصعيد الخطير قد طرح تساؤلات لا أحد يمكنه توقع إجابات نموذجية لها.
ماذا عن الحسابات الفلسطينية؟
وحتى صباح يوم الثلاثاء 11 مايو/أيار، رفع الجيش الإسرائيلي رهانه بقصف ما لا يقل عن هدفين من أهداف حماس عالية المستوى، لكن هذين الهدفين لا يرقيان للتصعيد الهائل. وأشارت الدلائل إلى أنَّ القوات الإسرائيلية تفضل تصعيداً معتدلاً يستمر لعدة أيام للردع؛ فلا قصف ضخماً ولا غزو برياً.
على الجانب الآخر، يعتقد محللون سياسيون فلسطينيون أن تتطور حالة التصعيد العسكري في قطاع غزة، خلال الساعات القليلة القادمة، لكن من المستبعد أن تتدهور إلى حرب واسعة.
وقال وديع أبو نصار، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية، للأناضول إنه "لا يستبعد أن توجّه إسرائيل ضربة قاسية لقطاع غزة، رداً على إطلاق الصواريخ".
وأضاف أبو نصار أنه يتوقع تدحرج الوضع العسكري إلى "المزيد من إطلاق النار المتبادل، الذي قد يستمر إلى عدة أيام، رغم الجهود التي يبذلها الوسطاء لاحتواء الوضع"، موضحاً أن هذا التصعيد يستغلّه نتنياهو سياسياً "لتعطيل جهود تشكيل الحكومة الإسرائيلية".
وفي السياق، قال أبو نصّار "إن التساؤل الكبير يدور حول ما ستؤول إليه الأوضاع في مدينة القدس، بعد احتواء وانتهاء هذا التصعيد، هل ستعود الأمور إلى ما كانت عليه؟"، ويرى أنه من الصعب "نجاح الفلسطينيين في استثمار وتحويل أحداث القدس إلى إنجاز استراتيجي".
واتفق مصطفى إبراهيم، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إجمالاً مع طرح أبونصار، وقال إن تطور التصعيد في غزة مرتهن بتحديات متعددة، تفرضها طبيعة الرد الإسرائيلي.
وتابع إبراهيم للأناضول: "إذا كان الرد الإسرائيلي عنيفاً، واستهدف منشآت مدنية، وتسبب في سقوط شهداء، فإن المقاومة من الطبيعي ألا تقف مكتوفة الأيدي وترد وفق تقديراتها العسكرية"، موضحاً أن "سقوط شهداء من الجانب الفلسطيني سيفرض على المقاومة الرد، وهو ما قد يؤدي إلى تطور حالة التصعيد، وزيادة مدتها".
ويعتقد إبراهيم أن الرد الإسرائيلي سيكون "محدوداً ومحسوباً، خاصة في ظل وجود إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الذي من الممكن أن يضع بعض القيود على نتنياهو". وأشار إلى أن هذه الصواريخ جاءت كنوع من أنواع "المساندة للهبّة في مدينة القدس، ضد الاعتداءات الإسرائيلية".
إسرائيل تتحمل مسؤولية التصعيد
شرحبيل الغريب، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، قال للأناضول إن إسرائيل "هي من أشعلت هذه المعركة، من خلال ارتكابها جرائم بحق المقدسيين، واستفزازها لمشاعر المسلمين"، متابعاً أن المقاومة في غزة "تحركت لوضع حد للممارسات الإسرائيلية والانتهاكات التي زادت عن حدها دون مراعاة لأي شيء".
كما جاء الرد، وفق الغريب، كـ"رسالة لأهالي القدس والضفة، بأن فلسطين واحدة والعدو واحد، والمقاومة أخذت على عاتقها الرد على كل انتهاك إسرائيلي بحق المواطنين أينما كانوا"، ويعتقد المحلل السياسي أن طبيعة الرد الإسرائيلي مساء الثلاثاء، على الأرجح، على إطلاق الصواريخ "سيحدد معالم ومدة الجولة العسكرية".
ويتوقع الغريب أن يتجه الوضع الميداني بغزة إلى "تصعيد عسكري واسع": "نحن أمام مواجهة ستستمر لعدة أيام، بعد فشل كل الوساطات في كف يد إسرائيل عن المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس".
بدوره، يتوقّع هاني العقاد، الكاتب والمحلل السياسي، أن توجّه إسرائيل "ضربات قاسية للقطاع، فضلاً عن إمكانية اغتيالها لشخصيات وازنة من فصائل المقاومة لتحقيق معادلة الردع"، وقال لـ"الأناضول": "المقاومة أحرجت إسرائيل ووضعتها في خانة المهزوم حالياً، من خلال كمية الرشقات ونوعية الصواريخ التي ضربتها خلال الساعات الماضية".
وعدّ الكاتب السياسي "ضربة المقاومة العسكرية الأولى للقدس ذكية ومهمة، وتعبر عن فهم عميق لطبيعة القتال"، وأشار إلى أن "العملية العسكرية الآن تسير بمعادلة إن زدتم زدنا وفقاً للمقاومة الفلسطينية، فكلما زاد الاستهداف الإسرائيلي ستزيد المعركة".
ويرى أن إسرائيل "صادقت على ضربة لا تنتهي سريعاً وفق تقديراتها، إلا في حال تدخل الوسطاء، لإعادة الأمور إلى ما قبل التصعيد". لكن العودة للهدوء سريعاً تبقى مستبعدة، وفق العقّاد، وذلك لعدم قبول إسرائيل "الخروج من هذه الجولة خاسرة دون ردّ الاعتبار".
ومساء الإثنين رفضت إسرائيل وحركة حماس الدخول في مفاوضات -بوساطة مصرية- للتوصل إلى هدنة، حسب تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، حيث تصمم حماس والفصائل الأخرى أن تسحب إسرائيل جنودها من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وتوقف تهجير العائلات الفلسطينية قبل الحديث عن هدنة.
وفي ضوء تلك الحسابات المعقدة والمتداخلة، سواء في الداخل الإسرائيلي أو الفلسطيني، وكذلك الأوضاع الإقليمية والدولية، يبدو مستحيلاً توقع إلى أين قد تتجه الأمور، فالتهدئة واردة بنفس القدر الذي يبدو فيه سيناريو الحرب الشاملة وارداً.