تسعى روسيا لصنع دبابات فائقة تطلق النار آلياً دون تدخل بشري، ومزودة بأسلحة بعيدة المدى وأخرى فرط صوتية (تنطلق بسرعة تعادل أضعاف سرعة الصوت عدة مرات).
إذ تفيد تقارير بجهود روسية لتسليح دبابة جديدة بالليزر، والأسلحة الفرط صوتية، وصواريخ موجهة، عمودية الإطلاق، يصل مداها التشغيلي إلى 12 كم.
هذا يعني أنّ وظائف الأسلحة والفتك يمكن إدارتها بواسطة البشر الذين يُنفذون مهام القيادة والتحكم من مواقع بعيدة، بينما تتقدم عربات القتال المدرعة في اتجاه المعركة.
ولكن هناك قلق من هذه الإمكانية التقنية لأنّ الجيش الروسي قد لا يمتثل لأي مبادئ أخلاقية، وربما يسمح للأسلحة بإطلاق النار على الأهداف دون تدخلٍ بشري، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
دبابات جديدة بأبراج تعمل بلا تدخل بشري
ورغم الوعود الكبيرة التي صاحبت الدبابة الروسية أرماتا تي-14، يبدو أن موسكو قد بدأت بالفعل في العمل على دبابة الجيل القادم التي ستضم برج مدفعية غير مأهول، وتصميماً من جزئين، والقدرة على إطلاق الأسلحة "الفرط صوتية".
كانت الدبابة الروسية المسيرة آلياً "أوران-9" هي أول مركبة يتم التحكم فيها عن بعد تخوض قتالاً حقيقياً، حيث قاتلت في سوريا، ولكن أداءها كان مخيباً لآمال الروس، لأسباب عدة أبرزها احتمال انقطاع الاتصالات بينها وبين مسيّريها من البشر بسبب التضاريس.
ويبدو أن ما تطوره روسيا هو دبابة عملية إطلاق النار فيها تكون آلية، مع أسلحة فائقة الصوتية وأخرى بعيدة المدى، وليس من الواضح بشكل حاسم هل سيتم قيادة الدبابة بشرياً أم آلياً، وقد يتركرون لأنفسهم الخيارين، وهل يترك قرار إطلاق النار للذكاء الاصطناعي أم يظل قراراً بشرياً بحتاً.
وهذا يثير مخاوف الأمريكيين من جانبين، احتمالات التفوق العسكري الروسي، والقلق بشأن أخلاقية ترك البرمجيات تتخذ قرار القتل.
فهي دبابات روسية فائقة القدرات
قالت وكالة الأنباء الروسية TASS إنّ العمل قد بدأ بالفعل لتطبيق تلك المفاهيم في دبابةٍ جديدة بنموذجٍ قتالي أمامي محمي ومُدرّع ، إلى جانب جزءٍ آخر يضم برج مدفعية غير مأهول.
وتضمّن تقرير الوكالة الروسية بعض التفاصيل التقنية عن الدبابة، إذ ذكر أنّ برج المدفعية غير المأهول سيتألّف من "مدفع كهربائي حراري كيميائي مُركّب، مع محمل ذخيرة آلي".
كما سيحتوي الجزء الثاني على "محرك توربيني متعدد بقوة 3000 حصان. ومن المتوقع أن يحمل النموذج الثاني أيضاً طائرات وعربات مسيرة صغيرة لمهام الاستطلاع، والبحث عن الألغام، وتنفيذ الأدوار الأمنية".
وربما يكون الكشف الأكثر أهمية هو أن التقرير أفصح عن تسليح الدبابة الجديدة بالليزر، والأسلحة الفرط صوتية (أسلحة تستخدم في المجالين الجوي والفضائي بالأساس)، والصواريخ الموجهة عمودية الإطلاق التي يصل مداها التشغيلي إلى 12 كم.
وهذا أمرٌ بالغ الأهمية للعديد من الأسباب، أولها أنّ الدبابة القادرة على إطلاق الأسلحة الفرط صوتية ستمثل تطوراً رائداً بحق، لأنّه يمنح عربات القتال شديدة التسليح مستويات غير مسبوقة من السرعة والفتك، ويصعب اعتراض أسلحتها.
ومع ذلك ورغم كون الأمر ممكناً من الناحية التقنية، فإن هندسة أنظمة الدفع المطلوبة لتوليد قوة الدفع الكافية لإطلاق سلاح فرط صوتية من دبابة هي أمرٌ مستبعد الإنجاز على المدى القريب.
إذ ترى المجلة الأمريكية أنه سيكون من الصعب على الأرجح تصميم أنظمة التحكم الحرارية اللازمة لتمكين المقذوفات الفرط صوتية من الحفاظ على سرعتها ومسارها. إذ تحتاج الأسلحة الفرط صوتية حالياً لنوعٍ من آليات "المحركات النفاثة الفرطية" شديدة القوة من أجل تحقيق الدفع الخارجي الذي تحتاجه السرعات المطلوبة (كلما كانت المنصة التي تطلق عليها الصواريخ أسرع عطى ذلك مزيد من الدفع والسرعة للصواريخ).
لكن التقرير يستدرك قائلاً "القوات الجوية الأمريكية تختبر بالفعل الأسلحة الفرط صوتية التي يجري إطلاقها من الجو، لذا فإنّ إطلاق الأسلحة الفرط صوتية من الدبابات ليس أمراً مستحيلاً".
وكان سلاح الجو الأمريكي قد استخدم قذيفة موجهة قادرة على الوصول إلى سرعات تصل إلى 5 ماخ، تم إطلاقها من مدفع هاوتزر M109، عيار 155 ملم لإسقاط صاروخ كروز وهمي.
أما الصواريخ الروسية التي يجري إطلاقها عمودياً، فإنّ الأمر البارز الوحيد هو أن مداها يصل إلى 12 كم، حسب المجلة الأمريكية.
هل تتفوق الأسلحة الروسية الجديدة على نظيراتها الأمريكية؟
سلّحت الولايات المتحدة بالفعل عرباتها القتالية المدرعة بتقنية الدفاع الجوي قصير المدى التي تطلق صواريخ هيلفاير. كما يجري بالفعل إطلاق صواريخ هيلفاير وجافلين المضادة للدبابات من عربات سترايكر المدرعة وغيرها من منصات الإطلاق، لكن الأسلحة الأمريكية ربما لا يصل مداها إلى 12 كم.
أما صواريخ هيلفاير التي تطلقها المروحيات يمكن أن يصل مداها إلى 8 كم، بينما يصل مدى صواريخ جافلين الأحدث إلى 4750م، أي نحو 6 كم. ومع ذلك، فهذا لا يعني أنّ مدى الأسلحة التي تطلقها المدرعات الأمريكية لا يجري تطويره حالياً، بالنظر إلى هدف البنتاغون الحالي والمتمثل في "التفوّق على المدى الذي وصل له العدو".
ويرى التقرير أنّ روسيا تميل إلى المبالغة في قدرات أسلحتها، لذا فليس من المؤكد أنّ صواريخها المُطلقة عمودياً ستكون قادرةً على بلوغ 12 كم قريباً.
هل يستطيع الأمريكيون مجاراة الروس في الدبابات المسيرة آلياً؟
وتعلق المجلة الأمريكية قائلة إنّ وجود أبراج مدفعية غير مأهولة لا يبدو أمراً رائداً بأي حالٍ من الأحوال. حيث تعتمد "العربة القتالية اختيارية القيادة" الخاصة بالجيش الأمريكي على مستويات من استقلالية الأسلحة عن تحكم البشر. وفي الواقع، فإنّ حاملة الجنود سترايكر تجري هندستها من أجل أن تعمل باستقلالٍ كامل.
وهذا يعني أنّ وظائف الأسلحة والفتك يمكن إدارتها بواسطة البشر الذين يُنفذون مهام القيادة والتحكم من مواقع بعيدة، بينما تتقدم عربات القتال المدرعة في اتجاه المعركة.
ولكن يبدو أن الروس أكثر تقدماً في هذا المجال، فبينما أشركوا دبابة مسيرة آلية في القتال في سوريا، ويقومون بمحاولة بناء دبابة تطلق النار آليا، فإن الجيش الأمريكي على الأرجح في مرحلة أبكر.
ففي نهاية عام 2020، أصدر الجيش الأمريكي يوم الجمعة طلبه لتقديم مقترحات لتطوير مركبة قتالية مأهولة اختيارياً (OMFV)، أي مركبة قتالية برية يمكن أن يقودها بشر أو تسير آلياً، على أمل أن تحل محل مركبة برادلي القتالية، حسبما ورد في تقرير لموقع .The Defense Post.
ويجري تطوير المركبات المُدرَّعة الروبوتية في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، يمكن القول إن روسيا قد تحرَّكَت بقوةٍ نحو نشر المركبات البرية غير المأهولة في عمليات القتال.
كما سبق أن أعلنت تركيا عن خطط لإنتاج ما يعرف بـ"الدبابة الصغيرة"، وهي مركبة مُسلحة في محاولة للاستفادة من نجاحات أنقرة في مجال الطائرات بدون طيار.
والدبابة التركية المسيرة الجديدة، التي تعمل شركتا "أسيلسان" و"كاتمارجيلر" على إنتاجها، ستتمتع بخاصية التحكم عن بعد والقيادة الذاتية، وكما ستقدم بأنماط كهربائية وهجينة وذات بصمة حرارية منخفضة.
وستتم زيادة مدى التحكم بالمركبة المسيرة ليصبح غير محدود عبر ربطها بنظام القمر الصناعي.
وستتيح منصة التحكم للمستخدم اختيارات كثيرة تتيح استخدام الدبابة المسيرة في مهام متعددة سواء مع محطات الأسلحة الخفيفة والثقيلة، أو مركبات المراقبة والاستطلاع، أو منصات إطلاق الصواريخ.
الطريق لا يزال طويلاً
تحاول مجلة The National Interest الأمريكية في عرضها للتجربة الروسية في تطوير الدبابات التأكيد أن سبب القلق ليس عسكرياً بالأساس، بل لأنّ الجيش الروسي قد لا يمتثل لأي مبادئ أخلاقية، وربما يسمح للأسلحة بإطلاق النار على الأهداف دون تدخلٍ بشري.
ولكن بالنسبة للروس والأمريكيين على السواء، فإن طريق الدبابات والعربات المدرعة المسيرة آلياً، أو التي تطلق النار دون تدخل البشر ليس سهلاً، كما تظهر التجربة العملية، ومازال هذا المجال متأخراً على تجربة الطائرات المسيرة.
ففي مايو/أيار 2018، كشف الجيش الروسي أنه أجرى تجارب قتالية على الدبابة الروسية المُسيّرة آلياً أوران-9 في سوريا، وهي دبابة صغيرة الحجم يجري التحكُّم فيها عن بُعد مزودة بمدفع قوي وتسليح صاروخي.
ومع ذلك، بعد شهرٍ واحد فقط، ذكرت مدونة الدفاع أن ضابط الأبحاث الكبير أندريه أنيسيموف أخبر مؤتمراً في أكاديمية كوزنتسوف البحرية، في سان بطرسبورغ الروسية، أن أداء أوران-9 في سوريا كشف أن "المركبات البرية الروسية الحديثة غير المأهولة غير قادرة على أداء المهام المُسنَدة إليها في الأشكال الكلاسيكية للعمليات القتالية". وخلُصَ إلى أن الأمر سيستغرق من 10 إلى 15 عاماً أخرى قبل أن تصبح مثل هذه المركبات جاهزة لهذه المهام المُعقَّدة.
فالطائرات المسيرة تحلق في الجو، وهو ما يسهل الاتصال بها، ويتيح لمسيّرها رؤية أفضل، وقد يكون هذا سبب تركيز الروس على محاولة تطوير دبابات وآليات تعمل دون تدخل بشري حتى من على بعد، للتغلب على هذه المشكلة، لأنهم يعلمون بوجود عوائق في توجيه الدبابات عن بعد، ولذلك يريدون أن تعتمد الدبابات الآلية على نفسها في اتخاذ أصعب القرارات بما فيها القتل.