ما أسباب خروج الصاروخ الصيني عن السيطرة، وهل هناك شيء نستطيع أن نفعله لمحاولة تجنب الآثار المحتملة لكارثة سقوطه المتوقعة، ولماذا بدأت وتيرة مثل هذه الحوادث تزداد مؤخراً؟
لم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها، بل إنها تكررت من قبل، وعلى الأرجح فإن الظاهرة مرشحة للزيادة، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
أما الأمر الأغرب، فإن هذا النوع من الصواريخ الصينية (Long March) كاد يتسبب في كارثة وسقوط ضحايا من البشر في آخر إطلاق له.
وانطلق الصاروخ المسمى (Long March-5B Y2) من مقاطعة هاينان، الصينية في 29 أبريل/نيسان 2021، حيث وضع وحدة Tianhe التي تعد جزءاً محطة الفضاء الصينية المستقبلية، ولكنه خرج عن السيطرة مسبباً حالة من الذعر في العالم.
أسباب خروج الصاروخ الصيني عن السيطرة
لم تكشف وكالة الفضاء الصينية حتى الآن عن أي شيء حول المخاوف من سقوط صاروخ Long March 5B الضخم، مثل ما إذا كان سيتم التحكم فيه أم أنه سيخرج عن نطاق السيطرة، حسبما ورد في موقع Republic World.
ولكن ذكر الباحث في علوم الفضاء، حنا صابات، الرئيس الأسبق للجمعية الفلكية الأردنية، لـ RT Online أن إحدى الفرضيات لأسباب فقدان السيطرة على الصاروخ، هي خطأ تقني، بينما الفرضية الأخرى ترجح عدم وجود نية سابقة لدى الصين للحفاظ على مسار الصاروخ ومتابعته، نظراً لأنه سيحترق عند دخوله الغلاف الجوي ولن يسبب أضراراً كبيرة.
وفي الأحوال العادية، بعد أن يتم الصاروخ مهمته، أي توصيل ما يحمله إلى المكان المحدد في الفضاء ويتم الانفصال، يبدأ الصاروخ رحلة العودة إلى الأرض ويدخل الغلاف الجوي ليتفتت ويسقط في منطقة غير مأهولة تكون عادة في أحد المحيطات من خلال إحداثيات محددة من جانب المحطة الأرضية التي تتحكم في مسار الصاروخ.
عالم أمريكي يتهم الصين بالإهمال
"إنه حقاً إهمال من جانب الصين". هكذا وصف جوناثان ماكدويل، عالم الفيزياء الفلكية في مركز الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد الأمريكية الأزمة.
وقال "لا نترك أجساماً تزيد عن عشرة أطنان تسقط من السماء بشكل غير مسيطر عليه هكذا، حسبما نقلت عنه صحيفة The Guardian البريطانية.
وأضاف: "لا توجد قوانين أو قواعد دولية محددة، لكن وُضِعَت أعراف في هذا المجال، فالبلدان المختلفة في ممارساتها وكأنها تقول: بالنسبة للصواريخ الأكبر حجماً دعونا لا نترك نفاياتنا في المدار بهذه الطريقة".
وأضاف ماكدويل أنَّ الصاروخ الصيني الذي من المقرر أن يدخل الغلاف الجوي للأرض في نهاية هذا الأسبوع مُصمَّم بطريقة "تترك المنصات الكبيرة في المدار الأرضي المنخفض".
وتابع: "هذه في الحقيقة ليست أفضل ممارسة، مقارنة بما تفعله وكالات الفضاء الأخرى. فهي تبذل جهوداً معقولة لتجنب حدوث ذلك".
يعني هذا الكلام أنه من المحتمل أن الصين ببساطة قررت ترك هذا الصاروخ في الفضاء كصاروخ شارد، والاحتمال الأسوأ أنها كانت تعلم أنه قد يسقط، وتراهن على أن معظمه سيحترق وحطامه سيسقط في المياه أو منطقة نائية.
هذا الصاروخ الصيني كاد يتسبب في كارثة من قبل
ولكن المشكلة أن آخر مرة أطلق هذا النوع من الصواريخ لم يسقط في المحيط، بل كاد يحدث كارثة.
ففي المرة الأخيرة التي أطلق فيها الصينيون صاروخ لونج مارش 5 بي، "انتهى بهم الأمر بقضبان كبيرة طويلة من المعدن تتطاير في السماء، وألحقت أضراراً بالعديد من المباني في ساحل العاج"، حسب جوناثان ماكدويلز.
وأضاف "احترق معظمها، لكن كانت هناك قطع معدنية هائلة اصطدمت بالأرض. نحن محظوظون للغاية أنه لم يُصب أحد"، وفقاً لما نقلته The Guardian عنه.
أكبر حادثة منذ أكثر من 30 عاماً
منذ عام 1990 ، لم يُترك أي شيء يزيد عن 10 أطنان عن عمد في المدار ليعود مرة أخرى دون رقابة، بينما يُعتقد أن المرحلة الأساسية في Long March 5B تبلغ حوالي 21 طناً.
ووزن الحطام -وهو منصة أساسية فارغة من صاروخ صيني- أكبر من أي قطعة فضائية سقطت سقوطاً حراً على الأرض منذ عام 1991.
كما تعد هذه الحادثة رابع أكبر عملية سقوط على الإطلاق في التاريخ البشري.
وتحترق معظم القطع في الغلاف الجوي للأرض قبل أن تتاح لها فرصة إحداث تأثير على سطح كوكب.
لكن أجزاء من الأجسام الأكبر، مثل الصواريخ، يمكنها النجاة من رحلة العودة، وربما الوصول إلى المناطق المأهولة بالسكان.
إليك أبرز الحوادث المشابهة:
حطام ضخم فوق نيويورك
في العام الماضي، مرت واحدة من أكبر قطع الحطام الفضائي غير المنضبطة مباشرةً فوق لوس أنجلوس وسنترال بارك في مدينة نيويورك، قبل أن تهبط في المحيط الأطلسي.
محطة فضاء صينية تخرج عن السيطرة وتسقط في المحيط
وقبل هذه المهمة الأخيرة، أرسلت الصين محطتين فضائيتين أخريين في الفضاء تسميان Tiangong-1 وTiangong-2. تحطمت المحطة Tiangong-1 وسقطت في المحيط الهادئ في عام 2016 بعد أن أكدت بكين أنها فقدت السيطرة عليها.
وفي عام 2019، سيطرت وكالة الفضاء على عملية تدمير محطتها الثانية Tiangong-2 في الغلاف الجوي.
ولكن عمليات السقوط الأضخم حدثت قبل عقود
وكان هناك عملية سقوط ضخمة أكبر قبل ذلك بعقود.
مثل حطام محطة "سكايلاب" الفضائية التابعة لوكالة ناسا الأمريكية، في عام 1979، ومنصة صاروخ "سكايلاب" في عام 1975، ومحطة "ساليوت 7" الفضائية التابعة للاتحاد السوفييتي، في عام 1991.
ويمكن إضافة مكوك الفضاء كولومبيا من عام 2003 إلى تلك القائمة منذ فقدت ناسا السيطرة عليه في رحلة عودته إلى الأرض.
ولا تكرر ظاهرة السقوط كثيراً لأنَّ وكالات الفضاء حول العالم سعت عامةً لتجنب ترك أجسام كبيرة في مدار الأرض لديها القدرة على إعادة دخول الغلاف الجوي للكوكب، ولا يمكن السيطرة عليها.
ما مقدار الحطام الذي يطفو في الفضاء؟
يوجد فوق الأرض سحابة تزيد عن 9000 طن من مخلفات الفضاء، أي ما يعادل وزن 720 حافلة مدرسية.
ويُقدَّر هذا بمئات الآلاف -وربما الملايين- من الأجسام التي تدور في مدار خارج عن السيطرة، بما في ذلك معززات الصواريخ المُستهلَكَة والأقمار الصناعية الميتة والحطام من العروض العسكرية للصواريخ المضادة للأقمار الصناعية.
وتتركز المخلفات بكثرة في المناطق من المدار الأقرب إلى سطح الأرض. ورغم أنها لا تشكل خطراً كبيراً على البشر في الأرض، فإنها تهدد أعداداً كبيرة من الأقمار الصناعية النشطة التي توفر جميع أنواع الخدمات، بما في ذلك تتبع الطقس ودراسة مناخ الأرض وتقديم خدمات الاتصالات.
إضافة إلى ذلك، يهدد الحطام محطة الفضاء الدولية، حيث تعيش أطقم من رواد الفضاء منذ عام 2000، التي اضطرت لتعديل مدارها عدة مرات في العام الماضي، بسبب المخلفات الفضائية.
قال ماكدويل: "قبل بضع سنوات فقط كان لدينا نحو ألف قمر صناعي في المدار، والآن لدينا أكثر من 4000 قمر صناعي، حين نتحدث عن عصر الفضاء، نفكر في الستينيات، لكن الحقيقة أنَّ عصر الفضاء يبدأ الآن".
وما يزيد المشكلة تعقيداً أنَّ خبراء المرور في الفضاء لا يزالون لا يملكون خريطة دقيقة تماماً للأجسام التي تدور حول الأرض.
دعوات لمزيد من المسؤولية
ودعت الولايات المتحدة إلى إدارة أكثر "مسؤولية" للصواريخ
قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، جين بساكي، "إن الولايات المتحدة ملتزمة بمعالجة مخاطر الازدحام المتزايد بسبب الحطام الفضائي والنشاط المتزايد في الفضاء، ونريد العمل مع المجتمع الدولي لتعزيز القيادة والسلوكيات المسؤولة في الفضاء"، الأربعاء.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعرضت فيه الصين لانتقادات لعدم توفير تدابير مناسبة لهبوط الصاروخ، مثل المعززات أو نظام التثبيت، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Independent البريطانية.
متى سيعود للغلاف الجوي، وأين سيسقط؟
من المتوقع أن يدخل صاروخ Long March 5B الصيني الغلاف الجوي للأرض في "8 مايو/أيار" تقريباً، وفقاً لبيان صادر عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية مايك هوارد، الذي قال إنَّ قيادة الفضاء الأمريكية تتعقب مسار الصاروخ.
وقال هوارد إنه لا يمكن تحديد "نقطة دخول الصاروخ الدقيقة إلى الغلاف الجوي للأرض" إلا قبيل ساعات من عودته، لكن سرب التحكم ومراقبة الفضاء الثامن عشر سيوفر تحديثات يومية حول موقع الصاروخ عبر موقع Space Track الإلكتروني.
من جانبه، أوضح العالم ماكدويل أنَّ تحديد المكان الذي يمكن أن يتجه إليه الحطام يكاد يكون مستحيلاً في هذه المرحلة بسبب السرعة التي يتحرك بها الصاروخ، وتأثر مساره كثيراً بأبسط التغييرات في الظروف.
وقال: "نتوقع عودته في وقت ما بين الثامن والعاشر من مايو/أيار. وفي فترة اليومين هذه، يدور حول العالم 30 مرة. يسافر هذا الجسم بسرعة 18 ألف ميل (28968.192 كيلومتر) في الساعة، ومن ثم إذا اخطأتَ ساعةً واحدة في تخمين وقت سقوطه فأنت أخطأت بمسافة 18000 ميل من موقع السقوط".
ومع ذلك، يرى جوناثان أنَّ المحيط هو الرهان الأكبر والآمن على مكان سقوط الحطام، لمجرد أنه يشغل معظم سطح الأرض.
والخبر السار هو أنَّ الحطام المتجه نحو الأرض -برغم ما يثيره من قلق- لا يشكل عموماً تهديداً كبيراً على السلامة الشخصية. وكما قال جوناثان ماكدويل، العالم في مركز الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد، لشبكة CNN: "هذه ليست نهاية أيامنا على الأرض".
هل هناك احتياطات يجب على الناس اتخاذها؟
يقول ماكدويل إنه لا داعٍي لأيٍّ من ذلك.
وأوضح: "فرص حدوث بعض الضرر أو تعرض شخص ما للإصابة ضئيلة للغاية، ومع ذلك لا يمكن إغفالها، فقد تحدُث، لكن خطر تعرّضك لذلك أنت شخصياً ضئيلة للغاية، لذا لن أبيت ليلي ساهراً قلقاً من وجود تهديد شخصي".
وأضاف: "هناك أمور أهم بكثير ينبغي القلق بشأنها".
وقال ماكدويل إنه بمجرد أن يتضح يوم عودته إلى الأرض يمكن للخبراء توقع وقت هبوطه في غضون 6 ساعات.
وقال البنتاغون إنه "ليس لديه خطط لإسقاط الصاروخ الصيني".
ولكن عندما سئل المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي عما إذا يدرس البنتاغون إسقاط الصاروخ بصاروخ دفاعي من الأرض، أوضح كيربي أنه يتم الأخذ في الاعتبار خيارات كثيرة، وأن الصورة ستكون أكثر وضوحا في الساعات المقبلة.