قبل يوم واحد من نفاد المهلة الممنوحة له لتشكيل الحكومة، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مهدداً أكثر من أي وقت مضى بفقدان السلطة التي أحكم قبضته عليها لمدة تبلغ نحو 14 عاماً.
فعلى مدار أربع جولات انتخابية مسدودة الأفق جرت خلال العامين الماضيين، تشبث نتنياهو بالسلطة بأي ثمن، وغدر بحلفائه ونكث باتفاقاته.
ولكن اليوم تبدو العديد من أطياف المعارضة الإسرائيلية مجمعة على محاولة الإطاحة به، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Financial Times البريطانية.
وتحالف نتنياهو اليميني يحتاج إلى مقعدين ليحصل على الأغلبية (61 مقعداً) في الكنيست، التي كانت ستكفل له تشكيل الحكومة منفرداً، لكن ثلاثة أسابيع من التملق العلني والمساومة في الغرف الخلفية والمكايد البرلمانية فشلت كلها في إحداث انشقاق واحد لصالح معسكر نتنياهو.
من ثم، إذا استمر فشل نتنياهو حتى 4 مايو/أيار، فإن الرئيس الإسرائيلي سيتحول إلى تعيين أحد زعماء المعارضة -على الأرجح يائير لابيد- لمحاولة تشكيل ائتلاف حكومي.
ويبدو أن المعارضة المنقسمة من داخلها، ويوحِّدها فقط الرغبة في الإطاحة بنتنياهو.
ورغم ذلك فقد تتجمع المعارضة معاً لتشكيل حكومة أقلية، مدعومةً على نحو غير محسوم بعد، بحزب إسلامي على غرار الأحزاب المتأثرة بجماعة الإخوان المسلمين، حسب وصف الصحيفة البريطانية.
وبدأت وسائل الإعلام الليبرالية الإسرائيلية تتحدث بالفعل عن السقوط السياسي للزعيم الأكثر نفوذاً الذي شهدته دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيسها على يد ديفيد بن غوريون. وفي رسالة نصية أرسلها أحد أعضاء اللجنة المركزية في حزب الليكود إلى صحيفة The Financial Times، قال مازحاً: "هل رأيت نسوراً [تطوف حول جثةٍ] في القدس من قبل؟ إنها تطوف الآن حول مقر إقامة رئيس الوزراء".
وفي خطوة اعتبرها بعض المراقبين علامةً على استماتة نتنياهو اليائسة، سرَّب معسكر نتنياهو احتمال لجوئه إلى خيارات من نوعية التبادل الدوري على غرار ما فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ديمتري مدفيديف (حينما جعله رئيساً لأنه لم يكن يجوز له الترشح).
حيث يستعين نتنياهو بموالٍ مؤقت يختفي وراءه في رئاسة دورية لرئاسة الوزراء، فيما يظل يحكم في الواقع من المقر الرسمي. وأحد المرشحين لهذا الدور هو بيني غانتس، الذي أقنعه نتنياهو العام الماضي بالانضمام إليه في حكومة ائتلافية، لكنه توجَّه إلى صناديق الاقتراع قبل أن يحل دور غانتس في رئاسة الوزراء، وبحسب ما ورد فقد رفض غانتس استخدامه مرة أخرى.
المعارضة تكره بعضها البعض
مع ذلك، وإن بدت الرياح معاكسة لسفينة نتنياهو، فإنه لا يزال مبهماً بعدُ ما إذا كان كره المعارضة له كافياً لاجتماعهم والتغلب على خلافاتهم أم لا.
ففي المحادثات المكثفة الجارية، اختلف هؤلاء حتى الآن حول كل قضية تقريباً: عدد الوزارات، وأي منهم يتولى أولاً رئاسة الوزراء الدورية، وكيفية استقطاب حلفاء نتنياهو اليمينيين المتطرفين عن معسكر الليكود، وليس انتهاءً بأي واحد منهم جدير بالحصول رسمياً على تفويض تشكيلِ الائتلاف الحكومي بعد 4 مايو/أيار.
حزب قريب من الإخوان المسلمين يلعب دوراً أساسياً
من جهة أخرى، ربما تكون المعضلة الكبرى التي تواجههم هي ذاتها التي أعجزت نتنياهو وحملت له الهزيمة فعلياً. والمقصود هنا حزب "راعم"، الذي يقف في قلب المأزق الانتخابي الإسرائيلي.
وهو فصيل منشق من خمس حركات وأحزاب سياسية أعضاؤها من عرب 48 جاءَ ائتلافهم لينهي عقوداً من تقاليد سابقة للحركات الإسلامية في إسرائيل عبر الإشارة إلى أنها على استعداد للتفكير في دعم حكومة صهيونية.
والحركة التي يقودها منصور عباس تختلف في الرؤية السياسية مع الحركة الإسلامية "الأم"، التي يقودها الشيخ رائد صلاح. فالأخيرة ترفض أن يكون الكنيست منصة لممارسة العمل السياسي الفلسطيني لعرب 48. أما الأولى، فالبعكس، ترى في البرلمان المؤلف من 120 مقعداً المكان الأنسب و"الأكثر واقعية" لخدمة المجتمع الفلسطيني.
دخل منصور عباس عالم السياسة منذ ثلاثة أعوام، حيث ترشح إلى الانتخابات التشريعية الإسرائيلية ثلاث مرات. في الماضي كان طبيب أسنان مغموراً، ذا توجه إسلامي، والآن أصبح سياسياً معروفاً، وهو يشغل منصب نائب الرئيس في حزب الحركة الإسلامية الجنوبية، التي انشقت في 1995 عن الحركة الإسلامية، المحظورة.
وبعد أربعة انتخابات خلال سنتين، قد يصبح دور عباس في صنع "القيادة الإسرائيلية" حاسماً أكثر من أي وقت مضى. ولذا، لم يكن من المستغرب أبداً أن تسمّيه بعض الصحف بـ"صانع الملوك"، حسبما ورد في تقرير لموقع يورونيوز.
ووضع زعيم "القائمة العربية الموحدة" (راعم)، منصور عباس، شرطين أساسيين بسيطين: التعامل مع حزبه باحترام، وتقديم الحكومة التي يدعمها مزيداً من التمويل للمدارس والمستشفيات وقوات الأمن في المناطق الواقعة شمالي فلسطين المحتلة التي يسكنها ذوو الأصول العربية. وقال عباس الأسبوع الماضي: "أي شخص يمنحني الاعتراف والشرعية، ويتعاون معي ويسألني عما أريده للأقلية العربية، سأذهب معه".
في المقابل، يضم معسكر نتنياهو اليميني صهاينة متدينين يصرحون علناً بعدائهم للعرب. وقد أبدى هؤلاء الرفض التام لاحتمال التعاون مع "راعم" لإبقاء نتنياهو في السلطة، ووصفوا ناخبي منصور عباس بأنهم داعمون للإرهاب.
أما تحالف لابيد ونفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا"، وهو حزب يميني متشدد آخر يدعم إنشاء المستوطنات والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، فلم يقطع السبل حتى الآن مع منصور عباس والقائمة العربية. لكن، وعلى الرغم من التقاء الطرفين بالفعل لمناقشة خيارات التحالف لتشكيل حكومة أقلية، فإن عديداً من الأعضاء اليمينيين في الأحزاب الصهيونية لم يُبدوا الرضا بعد عن هذا التحالف.
يقول أبراهام ديسكين، وهو أستاذ فخري للعلوم السياسية في الجامعة العبرية: "نتنياهو في أضعف موقع له طوال حياته المهنية، لكن هذا لا يعني أنه عاجز عن أن يصل بطريقة ما إلى اتفاق مقبول له ويوافق مصالحه. وبطبيعة الحال، الناس على استعداد لتجربة جميع أنواع البدائل، لأن احتمال اللجوء إلى جولة انتخابية خامسة يبدو احتمالاً كئيباً للغاية".